تصعيد القصف على إدلب في ثاني أيام عيد الفطر

«المرصد» يتحدث عن 26500 ضربة شمال سوريا خلال شهر رمضان

أطفال نازحون في مخيم شمال إدلب أمس (رويترز)
أطفال نازحون في مخيم شمال إدلب أمس (رويترز)
TT

تصعيد القصف على إدلب في ثاني أيام عيد الفطر

أطفال نازحون في مخيم شمال إدلب أمس (رويترز)
أطفال نازحون في مخيم شمال إدلب أمس (رويترز)

شاركت قاذفات روسية، طائرات سورية، في قصف مناطق في شمال غربي البلاد، التي احتفلت أمس بثاني أيام عيد الفطر المبارك، في تصعيد عنيف على مناطق الهدنة الروسية - التركية، وقتل وجرح 15 مدنياً في غارة على بلدة كفر عويد في إدلب.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أمس، إن «طائرات النظام الحربية نفذت مجزرة جديدة في الريف الإدلبي، وقتلت وأصابت أكثر من 15 مدنياً في كفر عويد». وزاد: «حصلت خلال شهر الصيام 26500 ضربة جوية وبرية من قبل الروس والنظام السوري تسببت بمقتل نحو 300 مدني، بينهم 115 طفلاً ومواطنة».
وقال إنه رصد «عودة الطائرات الروسية لاستهداف منطقة خفض التصعيد بعد ساعات من غيابها عن الأجواء، حيث نفذت بعد ظهر أمس غارات عدة استهدفت خلالها أماكن في سحاب وترملا والصهرية ضمن جبل شحشبو، في حين ارتفع إلى 61 على الأقل عدد الغارات التي نفذتها طائرات النظام الحربية مستهدفة كلاً من معرة حرمة وكفر عويد ومعرة الصين وحزارين وجبل الأربعين وسفوهن وكنصفرة واحسم ودير سنبل والفقيع ومحيط كفر نبل، وخان شيخون وترملا والشيخ مصطفى وأريبنة وكرسعة ضمن ريف إدلب الجنوبي، ومحور كبانة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، وبلدة اللطامنة بريف حماة الشمالي».
وأشار إلى «قصف مكثف من قبل الفصائل بالصواريخ والقذائف على قلعة المضيق وكفر نبودة والقصابية وتل هواش الخاضعة لسيطرة قوات النظام بريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، فيما دارت اشتباكات بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من طرف، والمجموعات المتطرفة على محور خربة الناقوس بسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، ترافقت مع قصف واستهدافات متبادلة وسط معلومات مؤكدة عن قتلى وجرحى بين الطرفين».
وأفاد «المرصد» بأنه «مع سقوط المزيد من الخسائر البشرية يرتفع إلى 1116 شخصاً ممن قتلوا منذ بدء التصعيد الأعنف على الإطلاق ضمن منطقة (خفض التصعيد) في الـ30 من شهر أبريل (نيسان)، وهم 346 مدنياً، بينهم 82 طفلاً و74 مواطنة ممن قتلتهم طائرات النظام و(الضامن) الروسي، بالإضافة للقصف والاستهدافات البرية، وهم 48 بينهم 15 طفلاً و16 مواطنة في القصف الجوي الروسي على ريفي إدلب وحماة، و36 بينهم 8 مواطنات و4 أطفال قتلوا في البراميل المتفجرة من قبل الطائرات المروحية، و187، بينهم 39 مواطنة و48 طفلاً وعنصراً من فرق الإنقاذ استشهدوا في استهداف طائرات النظام الحربية، كما قتل 53 شخصاً، بينهم 7 مواطنات و5 أطفال في قصف بري نفذته قوات النظام، و22 مدنياً، بينهم 10 أطفال و4 مواطنات في قصف الفصائل على السقيلبية وقمحانة ومخيم النيرب وأحياء بمدينة حلب، كما قتل في الفترة ذاتها 446 على الأقل من المجموعات والفصائل الأُخرى في الضربات الجوية الروسية، وقصف قوات النظام واشتباكات معها، بالإضافة لمقتل 324 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها في استهدافات وقصف من قبل المجموعات الجهادية والفصائل».
وأكد «المرصد» أنه رصد تصاعداً في حدة القصف الجوي من قبل طائرات النظام الحربية، منذ صباح الأربعاء، حيث ارتفع إلى 42 على الأقل عدد الغارات التي نفذتها منذ الصباح.
ومنذ القمة الروسية - الإيرانية - التركية في 15 فبراير (شباط)، رصد «المرصد» مقتل 1645 شخصاً. ومنذ توقيع اتفاق خفض التصعيد في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، تم تسجيل مقتل 1874 شخصاً في مناطق الهدنة الروسية - التركية.
إلى ذلك، قال «المرصد»، أمس، إن «النظام السوري وحليفه (الضامن) الروسي أنهيا شهر رمضان المبارك بمجازر بشرية تسببت بها طائراتهم الحربية والمروحية والقوات البرية، حيث نفذت طائرات النظام الحربية والمروحية وطائرات الروس أكثر 3199 ضربة جوية خلال شهر رمضان المبارك، إذ استهدفت طائرات النظام الحربية 1691 غارة جوية، فيما ألقى الطيران المروحي 1129 برميلاً متفجراً، كما نفذت طائرات (الضامن) الروسي 379 غارة جوية، في حين استهدفت قوات النظام بأكثر 23300 قذيفة وصاروخ، وطالت الضربات الجوية والبرية مناطق ممتدة من جبال الساحل في ريف اللاذقية الشمالي، وصولاً إلى ضواحي حلب الغربية والجنوبية الغربية، مروراً بإدلب وحماة، ولم تكتف روسيا والنظام السوري بقتل المئات وجرح الآلاف من المدنيين، فعمدت إلى تدمير ممتلكاتهم وحرق أراضيهم الزراعية عبر مواد محرمة دولياً جرى استخدامها بالقصف من قبل النظام». ووثق «المرصد السوري» مقتل 989 شخصاً خلال شهر رمضان المبارك.
إلى ذلك, نقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية عن مصدر عسكري في حماة أن مضادات الدفاع الجوي التابعة للجيش تصدت لطائرات مسيّرة تابعة للتنظيمات المسلحة في إدلب، «مانعةً إياها من استهداف مهبط طيران مروحي في منطقة جب رملة غرب حماة».
كانت وحدات الجيش السوري قد تصدت يومي السبت والأحد الماضيين لسربين من الطائرات المسيّرة المفخخة كانت تحاول استهداف أحد المواقع العسكرية في منطقة جب رملة بريف حماة الغربي، حيث تمكنت المضادات الأرضية في الجيش من إسقاط بعضها وتفجير عدد كبير منها في الجو.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.