ما بين القوات الأميركية و«طالبان»... مقتل أسرة كاملة والناجي الوحيد يطالب بالقصاص

في غارة جوية شُنت على منزل في مقاطعة وارداك الأفغانية

تشييع أحد ضحايا العنف في أفغانستان (إ.ب.أ)
تشييع أحد ضحايا العنف في أفغانستان (إ.ب.أ)
TT

ما بين القوات الأميركية و«طالبان»... مقتل أسرة كاملة والناجي الوحيد يطالب بالقصاص

تشييع أحد ضحايا العنف في أفغانستان (إ.ب.أ)
تشييع أحد ضحايا العنف في أفغانستان (إ.ب.أ)

قُتل امرأة و11 طفلاً في غارة جوية شُنت على منزل في أفغانستان الخريف الماضي. ولقد تحدثنا إلى الوالد الذي ما زال يبحث عن إجابات. وبرأت الولايات المتحدة جانبها في بادئ الأمر من أي مسؤولية تتعلق بالحادث الأليم، ثم تغيرت الرواية الأميركية في أعقاب التحقيقات الواقعية الدامغة. كان مسيح الرحمن مبارز يعمل في إيران عندما جاءته مكالمة هاتفية من زوجته في تمام الرابعة صباحاً من منزلهما في شرق أفغانستان، قالت إن القوات الأميركية والأفغانية كانت في المنزل، لقد كانت غارة. كان ذلك في 23 سبتمبر (أيلول) 2018، وفي المرة التالية التي نجح فيها مبارز، 39 عاماً، في إجراء المكالمة الهاتفية، كان هاتف زوجته مغلقاً.
انتظر مبارز كلمة من زوجته وأطفاله السبعة في مقاطعة وارداك الأفغانية منذ الساعة 10:30 صباحاً حتى الظهر، وفي ذلك الوقت أسقطت إحدى المقاتلات الأميركية قنبلة موجّهة بنظام تحديد المواقع على منزله، مما أسفر عن مصرع زوجته وأطفاله إلى جانب أربعة أفراد آخرين من نفس العائلة، وذلك وفقاً لما قاله مبارز بنفسه وأهل القرية الأفغانية الذين عاونوه في انتشال جثث ذويه من تحت أنقاض الغارة. ونفت البعثة العسكرية بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان تنفيذ تلك الغارة الجوية في بداية الأمر. وبعد مرور ثلاثة أشهر، عادت القيادة الأميركية وأكدت تنفيذ الغارة نفسها وفق الإحداثيات الدقيقة لمنزل مبارز في قرية الملا حافظ الصغيرة. ولكن القيادة الأميركية قالت إن القوات الأميركية تعرضت لنيران القناصة من ذلك المبنى، منزل مبارز، وأنه بعد استعراض الأمر، قدّرنا أن الغارة أسفرت عن مقتل العناصر المقاتلة التي كانت تطلق النار عليهم. ويعد التباين الصارخ بين ادعاءات مبارز –الذي فقد 12 فرداً من أفراد أسرته دفعة واحدة– وحالة إنكار الأمر الواقع من طرف الجيش الأميركي، هو الانعكاس الحقيقي للحرب الضروس المستمرة في تلك البلاد منذ 18 عاماً، حيث نال المدنيون في كل ركن من أركان البلاد نصيبهم المفروض من أعمال العنف والقتال والموت المتواصلة على أيدي الجانبين المتحاربين هناك. وبعد المقابلات التي أُجريت مع مبارز وأهل القرية في مكان الحادث، وبعد تحليل اللقطات المصورة قبل وبعد الغارة الجوية، خلص التحقيق المفتوح الذي أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» ومكتب التحقيقات الصحافية الاستقصائية إلى مقتل المدنيين الأفغان بسبب الغارة الجوية الأميركية التي استُخدمت فيها القنبلة الأميركية الموجّهة بدقة فائقة والمصنّعة في الولايات المتحدة. وفي أفغانستان، لا تستخدم هذا النوع من الأسلحة المتطورة إلا القوات الأميركية العاملة في البلاد. ولا يزال مبارز يبحث عن تفسير لما حدث وسبب مقنع يبرر مقتل عائلته، ولا يزال يبحث عن العدالة. وعندما توجه إلى حركة «طالبان» باحثاً عن بعض الإجابات، أنكروا المزاعم الأميركية تماماً بأن عناصر الحركة كانوا يتحصنون في منزله ويطلقون النار على القوات الأميركية. وقال مبارز في مقابلته مع صحيفة «نيويورك تايمز» الشهر الماضي: «عندما غادرت البلاد مسافراً كان منزلي بخير، وعندما قفلت راجعاً كان مدمراً، وأطفالي مسجاة جثثهم في القبور. ولكنني لن ألزم الصمت على ذلك». عمل مبارز لمدة 4 سنوات كمدرس لدى إحدى منظمات الإغاثة السويدية في قريته قبل سفره إلى إيران بسبب ضيق ذات اليد والضرورة الاقتصادية لإعالة نفسه وأسرته، على حد قوله.
وما حدث في صباح ذلك اليوم من سبتمبر العام الماضي في قرية الملا حافظ، تلك القرية الصغيرة التي تسيطر عليها حركة «طالبان» حيث يجري إغلاق أبراج الهواتف الخلوية بانتظام والاتصالات الخارجية متقطعة باستمرار، هو من الأمور غير الواضحة تماماً.
ونفى عبد الرحمن مانغال، المتحدث باسم حاكم إقليم وارداك الأفغاني في ذلك الوقت، وقوع أي وفيات في صفوف المدنيين. وصرح السيد مانغال لصحيفة «باجهواك» الأفغانية بأن العملية نُفذت ضد سجن تستخدمه حركة «طالبان»، وأن عناصر من قيادة الحركة كانوا بين القتلى.
ولكن راز محمد همت وزير، حاكم الإقليم، قال إن الغارة الجوية على منزل مبارز قد أسفرت بالفعل عن مصرع 12 مدنياً، بمن فيهم النساء والأطفال، وأضاف قائلاً: «تم تنفيذ الغارة الجوية من جانب القوات الجوية الأميركية خلال غارة عسكرية شنّوها على القرية».
كان صفي الله رسولي، ابن عم مبارز، موجوداً في القرية في أثناء الغارة، وقال إن الليلة السابقة على الغارة المشؤومة شهدت سلسلة من الغارات الجوية قبل وصول القوات الخاصة الأفغانية والأميركية إلى القرية. وأكد رسولي مع نور خان، وهو أحد المزارعين من القرية، أن القوات أجرت عمليات تفتيش للمنازل حول سجن «طالبان» في القرية. ولقد تم احتجاز بعض القرويين ثم أُطلق سراحهم لاحقاً، وأُلقي القبض على ثلاثة أشخاص وتم اقتيادهم إلى العاصمة كابل.
وقال رسولي إن المشتبه فيهم كانوا مقيدين وتعرضوا للضرب وأُجبروا على المكوث في غرفة واحدة خلال الليل في منزل قريب. وفي صباح اليوم التالي، وكانت القوات الأفغانية والأميركية لا تزال في القرية، كما قال شهود العيان، قصفت القوات الأميركية منزل مبارز. وقال رسولي إنه نظر إلى الأعلى وشاهد العديد من الطائرات الأميركية تحلق في سماء المنطقة.
وقال بعض القرويين وبعض من مسؤولي الحكومة الأفغانية للسيد مبارز إن مقاتلي حركة «طالبان» كانوا يطلقون النار على الطائرة الأميركية وعلى القوات المنتشرة على الأرض قبل تنفيذ الغارة الجوية، وإن بعضهم كان يطلق النار من منزل مبارز نفسه. ولكنّ خان ورسولي قالا إنه لم يكن هناك إطلاق للنار في القرية ذلك الصباح. وبالنسبة إلى الناس الذين يعيشون في القرى الخاضعة لحكم حركة «طالبان»، مثل قرية الملا حافظ، فإن تأكيد حدوث إطلاق للنار يعرّضهم فوراً لانتقام عناصر الحركة بعد رحيل القوات الأميركية والحكومية.
- خدمة «نيويورك تايمز»



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».