هند المطيري: أنا رائدة شعر الغزل في السعودية

قالت إن النقد حالياً بائس جداً وقديم

د.هند المطيري ..... من إصداراتها
د.هند المطيري ..... من إصداراتها
TT

هند المطيري: أنا رائدة شعر الغزل في السعودية

د.هند المطيري ..... من إصداراتها
د.هند المطيري ..... من إصداراتها

تحولت د. هند المطيري، ومنذ 10 أعوام مضت، تحولت من شاعرة تتغنى بالقومية العربية إلى شاعرة غزل، وهي تعد نفسها رائدة الشعر الأنثوي في السعودية. وكانت المطيري التي بدأت تكتب الشعر منذ عقدين من الزمان، أصدرت ديوانها الأول «هند أنثى بروح المطر»، والديوان الثاني كان بعنوان «الجوزاء»، بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان «أنوثة بنكهة الملح الأزرق»، وهي تعكف الآن على كتابة سيرة ذاتية. هنا حوار معها:
* حديثنا عن تجربتك الشاعرية؟
- بدأت أكتب الشعر في مرحلة مبكرة من حياتي، ووقتها كنت على أعتاب أواخر المرحلة المتوسطة، ولكن الملكة الشعرية لم تكن قد تبلورت إلا إبان دراستي الجامعية في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة الملك سعود، وكان في عام 1995، عندما تخصصت في اللغة. وكانت أول قصائدي التي نظمتها قصائد «قومية» بشكل عام، حول فلسطين ومآسي الشعوب المكلومة، فضلا عن فظائع الحروب التي اندلعت ضد المسلمين والأقليات في البوسنة والهرسك، والشيشان ثم حرب العراق الأخيرة.
* ثم اتجهت لكتابة شعر الغزل لاحقا.. ما السرّ في هذا التحول؟
- نعم هذه حقيقة لا أنكرها، وكان ذلك في مرحلة لاحقة وتقريبا في عام 2000؛ حيث بدأت بشعر الغزل، الذي انتصرت فيه للمرأة السعودية في ظل غياب الحرية الاجتماعية ونظرة المجتمع اتجاه اقتحامها محراب شعر الغزل، ولذلك تجد عددا كبيرا منهن ينظمن الشعر في كل القضايا ما عدا الغزل، كانت فعلا بمثابة نقطة تحوّل بالنسبة لي، كانت كثيرات من الشاعرات ينظمن شعر الغزل على قلته بأسماء مستعارة، وأقله ضمن الشعر النبطي الشعبي، أما الشعر الغزلي الفصيح قليل جدا.
* هل تعتقدين أنك رائدة شعر الغزل في السعودية؟
- أنا حاولت السير في هذا المضمار بالفعل، لتحقيق الريادة في شعر الغزل، وإلى اليوم استمر في نظمه.
* جرأة في البوح أم إعلاء لصوت المرأة؟
- كانت محاولة لإيجاد وسيلة للتعبير عن مشاعر حقيقية لا يمكن أن تكون زائفة بأي حال من الأحوال، وهذه هي النقطة الأولى، والنقطة الثانية أردت أن تظهر المرأة السعودية الشاعرة بثوب مختلف، بمعنى أنني أردت أن أجدد الثوب التقليدي للقصيدة، من خلال تجديد شكلها وفي مضمونها وفي مستوى صراحتها، فالنص النسوي الأدبي السعودي كان بحاجة إلى ذلك، فاتجهت نحو نظم شعر الغزل منذ 10 أعوام.
* هل يمكن القول إنك تنتجين «أدبا أنثويا» إن صح التعبير؟
- ثمة حقيقة لا بد منها وهي أنني، على المستوى الشخصي، ضد الفصل بين الأدب الذكوري والأدب الأنثوي، أو الاعتقاد بأن هناك شعرا أنثويا وآخر ذكوريا، فالأدب إلهام كما يبدع فيه الرجل تبدع فيه أيضا المرأة، والمهم أن تثبت المرأة وجودها إلى جانب الرجل، ذلك أن الرجل منذ بداية التاريخ مبدع ومجهر بإبداعه، لأنه وجد الملهمة وهي المرأة، وبالتالي عندما تجد المرأة الملهم، فهي أيضا ستبرع بالحجم نفسه في نظم الشعر، وأنا أراهن لولا وجود الملهمات ما وجدنا شعرا في الغزل، وهذا يدل على قلة الملهمين لدينا في الوطن العربي؛ إذ إن قلة الشعر الأنثوي في الغزل ناتج عن قلة الملهمين والعكس صحيح. كثرة الشعر الغزلي في الوطن العربي دليل على وجود أنثى ملهمة حاضرة دائما.
* هناك أيضا عناصر أخرى في شعرك كالقلق، والاضطراب، والحزن، والأمل، والصحراء، والنخلة، تبدو واضحة في إنتاجك..
- أعتقد أن قصيدة الشاعر المعاصر عموما، سواء أكان رجلا أم امرأة، لا تخلو من ألم أو حزن أو قلق وبكائيات ذلك أن الظروف المحيطة بالشاعر في هذا العصر سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أو فيما يتعلق بصراع الحضارات والأديان تهيئ مثل هذه الأجواء، وتثير مكوناتها في النص الأدبي، ولا أعتقد أن هناك قصيدة خالية منها.
* لقد توجهت أخيرا نحو كتابة القصة القصيرة.. ما وراء هذا التحول؟
- أعتقد أن الشاعر الحقيقي يملك اللغة بقوة، على مستوى القافية والوزن والعروض، وبالتالي له من القدرة على أن يعبر عن أحاسيسه بأي شكل من أجناس الأدب، والعكس غير وارد، بمعنى أن الروائي البحت قد لا يستطيع أن ينظم قصيدة، ولكن الشاعر بمقدوره أن يقتحم أي مجال أدبي آخر ويحسن التعبير من خلاله، ذلك أن القصيدة تعتمد على استخدام لغة مكثفة، تمكن ناظمها بأن يكتب رواية أو قصة قصيرة وغير ذلك.
* ما أكثر ما يستفزك لنظم قصيدة؟
- إن الرغبة في الوصول إلى المحبوب هي أكثر ما يدفعني لنظم القصيدة أو كتابة النص، ذلك أن الحرمان محفز قوي لإشعال فتيلة الرغبة إلى الوصول، وأعتقد أن ذلك أساس كتابتي الشعرية، وكذلك الرغبة إلى الوصول بالمجتمع إلى أفكار وقناعة معينة، هي التي تحفزني لكتابة القصة القصيرة، لأصل إليه بما أمتلك من قناعات في محاولة لتغييره.
* نلت الدكتوراه في بحثك «البطل الضدّ في شعر الصعاليك».. ما حيثيات هذا العنوان؟
- بالنسبة لبحثي «البطل الضدّ في شعر الصعاليك - دراسة أسلوبية وظيفية» الذي نلت به درجة الدكتوراه في فلسفة اللغة، استخدمت منهج الأسلوب الوظيفي، وهو منهج من المناهج التي تهتم بالوظيفة اللغوية، التي تؤديها العناصر اللغوية في صياغاتها المختلفة، وكيف يمكن لعنصر لغوي أن يكون وظيفيا، بمعنى أن العنصر اللغوي يؤدي وظيفته في موقع ما بشكل مغاير ومختلف عند استخدامه في موقع آخر. لقد اشتغلت على «البطل الضد»، وهو الشخص الآخر داخل الصعاليك الجاهليين واخترت أنموذج تأبّط شرّا، وعروة بن الورد، وثابت بن أوس المعروف بـ«الشنفري»، وتحدثت عن مفهوم الآخر في شعر هؤلاء.
* الحديث عن الآخر في الشعر الجاهلي؟
- بالطبع، إن الحديث عن الآخر في الشعر القديم كان موجودا بكثرة، ولكن الوقوف على الوسائط اللغوية عند الشاعر وكيفية استخدامها وتوظيفها على لسان الآخر هو ما تهتم به البحوث، ولذلك كان بحثي مركزا على وجود الآخر في الشعر القديم، ولكن كان الاهتمام بكيفية تمثيل اللغة تحديدا في الآخر، واستخدام اللغة من قبل الشاعر لتصوير هذا الآخر، سواء أكان على مستوى الحوار أم مستوى رواية الأحداث أم التخييل قليل جدا، وذلك لقلة الاهتمام بالمنهج الأسلوبي، كما كان التنظير للأسلوبية أكبر من التطبيق.
* بين طفرة الإنتاج الشبابي وقلة النقد.. كيف تقيمين المشهد الثقافي اليوم في الساحة الثقافية؟
- أرى أن وزارة الثقافة والإعلام مهتمة بالنتاج الأدبي للشباب اليوم اهتماما واضحا لم يجده الكبار؛ إذ إنه على الرغم من عراقة الكثير من الأسماء الموجودة لدينا في عالم الأدب من جيل الكبار، فإنها لم تجد الفرصة التي وجدها شباب اليوم، الذين أتاحت لهم الوزارة فرص المشاركات الداخلية والخارجية، وأدخلتهم في أجواء جديدة وقيم جديدة كالانتخاب والتصويت في الأندية الأدبية.
* يعتقد البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي هي المسؤول الأول عن طوفان دخلاء على الإبداع من الشباب لا يملكون قيمة أدبية.. ما تعليقك؟
- بالنسبة لوسائط التواصل الاجتماعي، أعتقد أن لها آثارها الإيجابية والسلبية في الوقت نفسه؛ إذ إن عددا كبيرا من الأدباء اعتمد عليها اعتمادا كليا في نقل وتداول منتجاتهم الأدبية ونشرها خارج بلادهم. ويمكن اليوم لأي قارئ الاطلاع على أي منتج أدبي، ولو كان في أقصى العالم، وهذا خلق انفتاحا ثقافيا، أرى أن له فوائد كبيرة على مستوى إشاعة الثقافة والأدب، غير أنه في المقابل خلق أزمة إقحام أشخاص في دائرة الأدباء من خلال منتجات لا ترقى لمستوى التصنيف ضمن الأدب، وأصحابه ليسوا بأدباء، ومثل هؤلاء من الصعوبة بمكان إزاحتهم وإقناعهم بأنهم دخلاء على الساحة الأدبية، بخلاف ما يمكن السيطرة عليه في معارض الكتب أو مؤسسات النشر والتوزيع في حالة عدم مطابقة المنتج للمعايير والمواصفات المطلوبة.
* هناك من يرى خلو الساحة الأدبية من النقاد في حين بعض النقاد لا يرون أن هناك أدبا يستحق النظر إليه في ظل الطفرة الإنتاجية التي تفوق القدرة على متابعتهم.. كيف ترين ذلك؟
- النقد في مشهدنا السعودي بائس جدا، لسببين؛ الأول أن الأسماء النقدية نفسها تتكرر منذ عقود على قلتها، وهي التي تقوم النصوص وتحللها، وتغطي جزءا يسيرا من الإنتاج الذي أخذ يتنامى إلى حد الطفرة، وبالمقابل لا توجد أجيال جديدة من النقاد، تساهم في العملية النقدية الجديدة وتتناول شيئا من المنتجات الحالية.
والسبب الثاني أن الناقد السعودي يعتمد كليا في نقدياته على الأدب القديم وقضايا وترجمات قديمة من الخارج، ولا يلتفت إلى الحديث منه إلا بقدر يسير جدا، في ظل التدفق المذهل للمنتج سنويا، سواء كان شعرا أو روايات أو قصصا تملأ الساحة الآن، ولذلك لم يستطع النقاد مواكبة هذه الطفرة الأدبية في الساحة، فتخلف النقد كثيرا عن ملاحقة الإنتاج الأدبي.



رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ
TT

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

«لا أتذكر آخر مرة اكتشفت فيها رواية ذكية ومبهجة كهذه وعالماً واقعياً، إلى درجة أنني ظللت أنسى معها أن هؤلاء الأبطال ليسوا أصدقائي وجيراني الفعليين، كافئوا أنفسكم بهذا الكتاب من فضلكم حيث لا يسعني إلا أن أوصي بقراءته مراراً وتكراراً».

هكذا علقت إليزابيث جيلبرت، مؤلفة كتاب «طعام صلاة حب» الذي تحول إلى فيلم شهير بالعنوان نفسه من بطولة جوليا روبرتس، على رواية «جمعية جيرنزي وفطيرة قشر البطاطس» التي صدرت منها مؤخراً طبعة جديدة عن دار «الكرمة» بالقاهرة، والتي تحمل توقيع مؤلفتين أميركيتين، هما ماري آن شيفر وآني باروز، وقامت بترجمتها إيناس التركي.

تحكي الرواية كيف أنه في عام 1946 تتلقى الكاتبة جوليت آشتون رسالة من السيد آدامز من جزيرة جيرنزي ويبدآن في المراسلة ثم تتعرف على جميع أعضاء جمعية غير عادية تسمى «جمعية جيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطس».

من خلال رسائلهم، يحكي أعضاء الجمعية لجوليت عن الحياة على الجزيرة وعن مدى حبهم للكتب وعن الأثر الذي تركه الاحتلال الألماني على حياتهم، فتنجذب جوليت إلى عالمهم الذي لا يقاوم فتبحر إلى الجزيرة لتتغير حياتها إلى الأبد.

وفي ظلال خيوط السرد المنسابة برقة تكشف الرواية الكثير عن تداعيات الحرب العالمية الثانية في إنجلترا، وهي في الوقت نفسه قصة حب غير متوقعة وتصوير للبطولة والنجاة وتقدير رقيق للرابطة التي يشكلها الأدب.

وتسلط الرسائل التي يتألف منها العمل الضوء على معاناة سكان جزر القنال الإنجليزي في أثناء الاحتلال الألماني، لكن هناك أيضاً مسحة من الدعابة اللاذعة إثر انتقال جوليت إلى «جيرنزي» للعمل على كتابها؛ حيث تجد أنه من المستحيل الرحيل عن الجزيرة ومغادرة أصدقائها الجدد، وهو شعور قد يشاركها فيه القراء عندما ينتهون من هذا النص المبهج.

وأجمع النقاد على أن المؤلفتين ماري آن شيفر وآني باروز أنجزا نصاً مدهشاً يقوم في حبكته الدرامية على الرسائل المتبادلة ليصبح العمل شبيهاً بأعمال جين أوستن من جانب، ويمنحنا دروساً مستفادة عبر قراءة التاريخ من جانب آخر.

عملت ماري آن شيفر التي توفيت عام 2008 محررة وأمينة مكتبة، كما عملت في متاجر الكتب وكانت «جمعية جيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطس» روايتها الأولى. أما ابنة شقيقها «آني باروز» فهي مؤلفة سلسلة الأطفال «آيفي وبين» إلى جانب كتاب «النصف السحري» وهي تعيش في شمال كاليفورنيا.

حققت هذه الرواية العذبة نجاحاً كبيراً واختارتها مجموعة كبيرة من الصحف والمجلات بوصفها واحدة من أفضل كتب العام، كما تحولت إلى فيلم سينمائي بهذا الاسم، إنتاج 2018. ومن أبرز الصحف التي أشادت بها «واشنطن بوست بوك وورلد» و«كريستشيان ساينس مونيتور» و«سان فرانسيسكو كورنيكل».

ومن أجواء هذه الرواية نقرأ:

«لم يتبق في جيرنزي سوى قلة من الرجال المرغوبين وبالتأكيد لم يكن هناك أحد مثير، كان الكثير منا مرهقاً ومهلهلاً وقلقاً ورث الثياب وحافي القدمين وقذراً. كنا مهزومين وبدا ذلك علينا بوضوح، لم تتبق لدينا الطاقة أو الوقت أو المال اللازم من أجل المتعة. لم يكن رجال جيرنزي يتمتعون بأي جاذبية، في حين كان الجنود الألمان يتمتعون بها. كانوا وفقاً لأحد أصدقائي طويلي القامة وشُقراً ووسيمين وقد اسمرّت بشرتهم بفعل الشمس ويبدون كالآلهة. كانوا يقيمون حفلات فخمة ورفقتهم مبهجة وممتعة، ويمتلكون السيارات ولديهم المال ويمكنهم الرقص طول الليل.

لكن بعض الفتيات اللواتي واعدن الجنود أعطين السجائر لآبائهن والخبز لأسرهن، كن يعدن من الحفلات وحقائبهن مليئة بالخبز والفطائر والفاكهة وفطائر اللحم والمربى، فتتناول عائلاتهن وجبة كاملة في اليوم التالي. لا أعتقد أن بعض سكان الجزيرة قد عدوا قط الملل خلال تلك السنوات دافعاً لمصادقة العدو، رغم أن الملل دافع قوي كما أن احتمالية المتعة عامل جذب قوي، خاصة عندما يكون المرء صغيراً في السن. كان هناك، في المقابل، الكثير من الأشخاص الذين رفضوا أن يكون لهم أي تعاملات مع الألمان، إذ إنه يكفي أن يلقي المرء تحية الصباح فحسب حتى يُعد متعاوناً مع العدو».