بدء أشهر محاكمات «عهد بوتفليقة» في الجزائر

رجل الأعمال الأبرز علي حداد يكشف تورط مسؤولين كبار في تجاوزات قانونية

رجل الأعمال الجزائري  علي حداد
رجل الأعمال الجزائري علي حداد
TT

بدء أشهر محاكمات «عهد بوتفليقة» في الجزائر

رجل الأعمال الجزائري  علي حداد
رجل الأعمال الجزائري علي حداد

بدأت بالجزائر أمس، محاكمة رجل الأعمال البارز علي حداد، أحد أشهر رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وأرجأ القضاء إصدار الحكم إلى 17 من الشهر الجاري، فيما طلبت النيابة إنزال عقوبة 18 شهراً حبساً نافذاً بحقه. وكشف حداد أثناء استجوابه من طرف القاضي، تورط رئيس الوزراء سابقا عبد المالك سلال في تجاوزات بحق القوانين. وسلال نفسه يواجه تهمة فساد برفقة مسؤولين كبار.
وغصت «محكمة مراد رايس» بالعاصمة أمس، بالصحافيين والمصورين والفضوليين، الذين جاءوا لمتابعة انطلاق «محاكمة عهد بوتفليقة»، باعتبار حداد واحداً من رجال الأعمال والشخصيات الذين يوجدون بالسجن حاليا، والذين التصقت أسماؤهم وتصرفاتهم بالرئيس السابق، وخاصة بشقيقه سعيد بوتفليقة المًوجود بالسجن العسكري منذ نحو الشهر.
واتهمت النيابة حداد بحيازة جوازي سفر جزائريين، وهو ما يمنعه القانون. وتم اعتقاله نهاية مارس (آذار) الماضي بمركز حدودي مشترك مع تونس. وعثر بسيارته على مبلغ كبير بـ«اليورو». وأشيع يومها بأنه كان «بصدد الهروب»، على خلفية ملاحقات طالت مسؤولين محل شبهة فساد. ووقعت تلك الأحداث في سياق انفجار الشارع ضد ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.
ونفى حداد قصة «الهروب»، وقال للقاضي إنه كان مسافرا لـ«قضاء إجازة في تونس». هذه الرواية للأحداث بدت غير مقنعة، لأن موقع حداد في المجتمع كأحد أكبر أثرياء البلد يؤكد أن إمكاناته تتيح له السفر عبر الطائرة. وإجازاته كان يقضيها دائما في بلدان بعيدة. ومن أكثر أطوار المحاكمة إثارة، حديثه عن سلال الذي ترأس الحكومة من 2012 إلى 2017، فقد قال إنه طلب منه جواز سفر ثانيا، وأن سلال طلب من نور الدين بدوي رئيس الوزراء الحالي، لما كان وزيرا للداخلية، أن يصدره لحداد، وقد كان له ذلك، ومن دون أن يقدم ملفا إداريا يتعلق بطلب جواز السفر. وبرر حداد رغبته في حيازة وثيقة سفر أخرى، بـ«كثرة أسفاره»، وهو ما لم يقنع القاضي.
وقال البرلماني الإسلامي المعارض الأخضر بن خلاف إن «الطريقة التي تصرف بها بدوي في هذه القضية كافية لتنحيته»، وهو ما يطالب به الحراك الشعبي منذ ثلاثة أشهر، إلى جانب مطلب تنحية رئيس الدولة عبد القادر بن صالح.
وظهر حداد (54 سنة) مرهقاً وكان يتحدث بصوت خافت. وقال محاموه إن البيانات الشخصية التي وردت في جواز السفر الثاني «صحيحة ومطابقة للوثيقة الأولى»، ما يعني حسبهم، انتفاء أي أثر لتزوير. وذكر المحامي خالد بورايو أن «حداد طلب وثيقة سفر ثانية ليس لغرض شخصي، وإنما بسبب كثر تنقلاته إلى الخارج لبيع سمعة الجزائر اقتصاديا». وكان حداد يرأس «منتدى رؤساء المؤسسات»، وهو تكتل لأرباب العمل كان الذراع المالية لـ«جماعة بوتفليقة» على مدى 20 سنة من الحكم، في مقابل امتيازات كبيرة كانوا يتحصلون عليها، من بينها مشروعات مربحة وقروض بنكية من دون ضمانات.
وعلى أساس هذه الممارسات، جرّ حداد، سلال ورئيس الوزراء سابقا أحمد أويحيى وعدة وزراء، إلى المتابعة بالمحكمة العليا التي تختص بمحاكمة كبار المسؤولين. وسيفتح هذا الملف قريبا، بحسب مصادر قضائية. يشار إلى أن حداد يملك أكبر شركات مقاولات وله استثمارات في الكثير من القطاعات.
ويرجح مراقبون إصدار حكم بالحبس مع وقف التنفيذ ضد حداد، فيما يشكك قطاع من الإعلام في جدية محاكمته. وكان متوقعاً أن يحاسب رجل الأعمال على الثروة التي كونها في سنوات معدودة، بفضل قربه من بوتفليقة، وأن يتم كشف من سهّل له الطريق ليصبح مليارديرا.
ويوجد في السجن أربعة رجال أعمال آخرين، هم الإخوة كونيناف الثلاثة الذين بنوا إمبراطورية اقتصادية من المال العام، إضافة إلى يسعد ربراب صاحب أكبر مجموعة اقتصادية للصناعات الغذائية، المتابع بتهمة تضخيم فواتير. وعلى عكس الآخرين، يعد ربراب من أشهر معارضي بوتفليقة لذلك أثار سجنه استغرابا. غير أن مصادر مؤكدة تفيد بأن قائد الجيش الجنرال قايد صالح، الذي يقف وراء سجنه، يعتبره محسوبا على مدير المخابرات العسكرية سابقا، الجنرال توفيق المعتقل في السجن العسكري بتهمة «التآمر على سلطة الجيش».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.