ملكة بريطانيا تستقبل ترمب... والرئيس يصف عمدة لندن بـ«الفاشل»

الملكة إليزابيث خلال استقبالها ترمب (رويترز)
الملكة إليزابيث خلال استقبالها ترمب (رويترز)
TT

ملكة بريطانيا تستقبل ترمب... والرئيس يصف عمدة لندن بـ«الفاشل»

الملكة إليزابيث خلال استقبالها ترمب (رويترز)
الملكة إليزابيث خلال استقبالها ترمب (رويترز)

وصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إلى مطار ستانستد، في لندن، اليوم (الاثنين)، في زيارة دولة للمملكة المتحدة تستمر 3 أيام.
وقبل وصوله إلى لندن، جدد ترمب هجومه اللفظي على صادق خان عمدة لندن، اليوم، فوصفه بأنه «فاشل تماماً»، بعد أن انتقد خان قرار الحكومة البريطانية استضافته في زيارة دولة.
وكتب ترمب على حساب بموقع «تويتر» بعد فترة وجيزة من هبوط طائرته: «صادق خان، الذي قام بعمل مزعج على كل المستويات كرئيس بلدية لندن، كان بغيضاً جداً تجاه رئيس الولايات المتحدة الزائر، أهم حليف على الإطلاق لبريطانيا». وأضاف: «إنه فاشل تماماً ويتعين عليه التركيز على الجريمة في لندن وليس علي».
وكان خان قد وصف ترمب بأنه يمثل «خطراً عالمياً» و«لا ينبغي لبريطانيا بسط البساط الأحمر له»، وانتقد بشدة قرار الحكومة بتوفير استقبال رسمي سخي لترمب هذا العام. وكتب خان في صحيفة «أوبزرفر» البريطانية أن الموافقة على «زيارة دولة لرئيس... لا يتفق سلوكه المثير للجدل مع قيم المساواة والحرية والحريات الدينية التي تأسست عليها الولايات المتحدة، أمر لا يتماشى مع القيم البريطانية».
واستقبلت الملكة إليزابيث الرئيس الأميركي وزوجته ميلانيا لدى وصولهما إلى قصر باكنغهام. ورحب الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني وزوجته كاميلا بترمب وزوجته قبل أن يلتقيا بالملكة.
ووصل ترمب وميلانيا إلى القصر بطائرة هليكوبتر وهبطا في حديقة القصر الملكية الخلفية.
وسيلتقي ترمب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي انتقد طريقة إجرائها المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول «بريكست»، في مقابلات مع صحف بريطانية، وقام بتزكية وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي يؤيد «بريكست» بلا اتفاق، لتولي رئاسة الحكومة خلفاً لها.
كما أشاد ترمب بالشعبوي نايجل فاراج زعيم حزب «بريكست» الذي فاز في الانتخابات الأوروبية.
من جهته، دان زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربن تصريحات ترمب، معتبراً أنها «تدخل غير مقبول في ديمقراطيتنا».
ورفض كوربن حضور حفل العشاء الذي ستقيمه الملكة، لرئيس «يمزق المعاهدات الدولية ويدعم إنكار تبدل المناخ ويستخدم خطاباً عنصرياً».
وكغيره من الرؤساء الأميركيين الذين زاروا بريطانيا، سيركز ترمب على «العلاقة الخاصة» البريطانية - الأميركية التي واجهت اختبارات كثيرة مؤخراً في عدد من الملفات، بما فيها إيران التي تدافع بريطانيا عن الاتفاق النووي المبرم معها، والبيئة.
وتضغط واشنطن على لندن لاستبعاد مجموعة «هواوي» الصينية العملاقة للاتصالات من شبكتها للجيل الخامس (5جي).
وستحتل العلاقات التجارية الأساسية لبريطانيا في مرحلة ما بعد «بريكست» حيزاً كبيراً من المحادثات، وإن كان البعض في المملكة المتحدة يخشى ألا تجري الأمور في مصلحة بلدهم.
وقال ترمب، الأحد: «لدينا الإمكانية لنكون شريكاً تجارياً رائعاً للمملكة المتحدة»، مؤكداً استعداده للتفاوض حول اتفاق للتبادل الحر بين البلدين بسرعة.
وكما حدث خلال زيارته السابقة لبريطانيا في يوليو (تموز) 2018، التي نزل خلالها عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع، أطلقت دعوات كثيرة إلى التظاهر.
وسيحضر ترمب، الأربعاء، مراسم إحياء الذكرى 45 لإنزال النورماندي في بورتسموث مع الملكة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
بعد ذلك سيزور مع زوجته آيرلندا في 6 يونيو (حزيران)، ثم يتوجهان إلى النورماندي في فرنسا للمشاركة في الاحتفالات التي أعدتها فرنسا لهذه المناسبة.
 



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟