الاقتصاد الفنزويلي يفقد نصف ثروته والبلاد تغرق في الفساد والفوضى

فنزويلي يسير بالقرب من ملصق ضخم للرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز (أ.ف.ب)
فنزويلي يسير بالقرب من ملصق ضخم للرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد الفنزويلي يفقد نصف ثروته والبلاد تغرق في الفساد والفوضى

فنزويلي يسير بالقرب من ملصق ضخم للرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز (أ.ف.ب)
فنزويلي يسير بالقرب من ملصق ضخم للرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز (أ.ف.ب)

اعترفت حكومة نيكولاس مادورو بالحالة الكارثية التي وصل إليها الاقتصاد الفنزويلي. فالبنك المركزي، الوفي الدائم للنظام، والذي لم يعلن أي أرقام منذ 3 سنوات، كشف أخيراً عن معدلات النمو والتضخم خلال 5 سنوات. والنتيجة أن البلاد فقدت نصف ثروتها بعدما تراجع الناتج بنسبة 47.5 في المائة بين 2013 و2018. وبالنسبة للسنة الحالية توقع صندوق النقد الدولي هبوطاً إضافياً في الناتج قدره 25 في المائة.
في جانب التضخم، قراءة الأرقام تصيب بالدوار، فالبنك المركزي اعترف بارتفاع الأسعار بنسبة 274.4 في المائة في 2016 وبنسبة 862.6 في المائة في 2017، وبنسبة خيالية بلغت 130060 في المائة في 2018، وهذه الأرقام أقل بكثير من تلك التي نشرها صندوق النقد الدولي الذي أعلن فيها عن تضخم في فنزويلا بنسبة زادت على مليون في المائة. ويقول مسؤول في صندوق النقد: «هذه الإحصاءات تعبر بقوة عن الكارثة الاقتصادية والإنسانية التي حلت ببلاد يعاني أهلها من نقص حاد في الأدوية والسلع الغذائية الأساسية وغير الأساسية».
ويطرح المراقبون السؤال التالي: كيف لبلد يمتلك أكبر مخزون نفطي في العالم أن يصل إلى هذه الحال المزرية اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا؟
الجواب، لدى الاقتصاديين الفنزويليين المستقلين، يكمن في فقدان القاعدة الإنتاجية منذ زمن طويل، والاعتماد فقط على الإيرادات النفطية لتمويل الاستيراد ومد النظام بالمال لإدارة شؤونه في اقتصاد موجّه من الدولة بنسبة تقترب من 100 في المائة في معظم القطاعات. وما سرع اشتعال هذه الأزمة غير المسبوقة هو هبوط أسعار النفط في 2014، بالإضافة إلى كوكتيل من سوء الإدارة وقلة الاستثمار وفساد في الشركة النفطية الوطنية.
ووفقاً للبنك المركزي، هبطت قيمة الصادرات النفطية من 85.6 مليار دولار في 2013 إلى 29.8 مليار دولار في 2018. وفي 10 سنوات هبط الإنتاج النفطي من 3.2 مليون برميل يوميا إلى مليون برميل فقط كما في أبريل (نيسان) الماضي، علماً بأن الإيرادات النفطية تشكل 96 في المائة من إجمالي إيرادات الدولة.
يُذكر أيضاً أن الأزمة تفاقمت وزادت الضغوط بسبب تشديد العقوبات الأميركية والأزمة السياسية الخانقة التي تمر بها البلاد. فواشنطن تدعم خوان غوايدو رئيس البرلمان الذي فيه أغلبية معارضة. وغوايدو أعلن نفسه رئيساً انتقالياً في يناير (كانون الثاني) الماضي واعترفت به 50 دولة حول العالم.
في هذه الأثناء، تحاول الطبقات الشعبية التعايش مع هذا الواقع المرير وباتت المياه نادرة وخدمة الكهرباء متقطعة، ويؤكد مراسلون في كاراكاس أن شرائح من الطبقة الوسطى فقدت مدخراتها وهي الآن بين الأكثر فقراً، وتبحث في النفايات عن شيء ينفعها أو تأكله، والمحظوظ هو الذي يستقبل مالاً من أقارب مهاجرين خارج فنزويلا. ومن لديهم الإمكانيات يدفعون بالدولار أو بطاقات الائتمان. أما العملة الوطنية فلم تعد تساوي قيمتها شيئاً يُذكر. وندرت في الأسواق السلع الأساسية التي تدعم الدولة أسعارها. لكن الحكومة تستمر في توزيع مواد شهرياً على الأكثر فقراً للحفاظ على قاعدة شعبية ما للنظام. وتزداد باطراد أعداد الراغبين في الهجرة. فوفقاً لأرقام صادرة عن الأمم المتحدة فإن 3 ملايين شخص هربوا من البلاد أو تركوها في السنوات القليلة الماضية وتحديداً منذ 2015. وكل يوم تشهد البلاد هذه السنة خروج ما بين 3000 و5000 شخص باتجاه الخارج، كما صرحت أخيراً الناطقة الرسمية باسم مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة.
ويضيف اقتصاديون غربيون متابعون للشأن الفنزويلي أنه عندما وصل هوغو شافيز إلى السلطة في 1998 بدأ بتوزيع إيرادات النفط بسخاء بالغ وبعدة برامج اجتماعية كثيفة التغطية. وللمثال كان الفنزويليون يتزودون بالبنزين مجاناً، ولم يبذل شافيز أي جهد لتنويع الموارد الاقتصادية.
والخطأ القاتل، برأيهم، كان تسريح وإنهاء خدمات 19 ألف كادر وموظف ومهندس من شركة البترول الوطنية، ليوظف مكانهم محاربين ومؤيدين وأنصاراً لسياسته حتى بلغ عدد هؤلاء في الشركة نحو 100 ألف معظمهم بلا خبرات ولا مهارات أو كفاءات لازمة لتشغيل المرافق النفطية وإدارتها، واستطاع بواسطتهم الغرف من الإيرادات النفطية بلا رقابة حتى ساد الفساد على نحو واسع النطاق. وبفعل نقص الاستثمارات وقلة الصيانة بدأ الإنتاج يقل تدريجياً.
ويؤكد اقتصاديون من المعارضة أنه عندما وصل مادورو إلى السلطة في 2013، كان الاقتصاد بدأ يدخل الحلقة المفرغة، وما إن هبطت أسعار النفط في 2014 حتى دخل الاقتصاد الحلقة الجهنمية. وكلما اشتد الخناق الاقتصادي كان النظام يزيد قبضته الصارمة وربما التعسفية على المؤسسات وعلى الحريات العامة تحت شعار معاداة الإمبريالية الأميركية، وتوثقت عرى التعاون مع أنظمة مثل إيران وكوبا ونيكاراغوا. وتخشى الصين حاليا فقدان نحو 50 مليار دولار هي مبالغ قروض منحتها لكاراكاس واستثمارات صينية في عدة قطاعات فنزويلية.
ويقول عضو في اتحاد المزارعين: نعيش حالياً بلا أي مورد ثابت مستدام. فالقطاعات المنتجة شبه مدمرة. وللمثال ضربت سياسات هوغو شافيز وخلفه نيكولاس مادورو القطاع الزراعي في الصميم. فبعدما كان كبار المزارعين ينتجون 1.25 مليون طن من الدواجن في عام 2000، هبط الإنتاج تدريجياً ولا يزيد حالياً على 250 ألف طن سنوياً. ويقول أحد المزارعين: «علينا الوقوف في طوابير طويلة لعدة أيام للحصول على الوقود اللازم لتشغيل المعدات، وعلينا أن نتحمل انقطاع الكهرباء والماء»، ويسأل: «كيف لنا أن نعمل وننتج في ظروف كهذه؟».
ويؤكد اتحاد المزارعين أن إنتاج الذرة البيضاء كان في عام 2000 نحو مليون طن، أما الآن فالإنتاج 100 ألف طن سنوياً فقط. وكان إنتاج السكر 9 ملايين طن، والآن أقل من 2.5 مليون طن، وهبط إنتاج حليب البودرة من 150 ألف طن إلى 50 ألفاً فقط. وتراجع الإنتاج الحيواني بعد فقدان 4 ملايين رأس ماشية، وإنتاج الأرز هبط من 1.25 مليون طن إلى 300 ألف طن فقط، وإنتاج حبوب القهوة انخفض من 1.5 مليون قنطار إلى 500 ألف. وبعدما كانت البلاد شبه مكتفية ذاتياً من ذلك الإنتاج الزراعي العام والمواد الأساسية أضحت الآن تستورد أكثر من 50 في المائة من احتياجاتها الغذائية.



مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).