فضيحة تحرش جنود بطفل ووالدته في الموصل تهز العراق

وزارة الدفاع أعلنت اعتقال المتورطين في الحادث

لقطة عامة لأحد شوارع مدينة الموصل (رويترز)
لقطة عامة لأحد شوارع مدينة الموصل (رويترز)
TT

فضيحة تحرش جنود بطفل ووالدته في الموصل تهز العراق

لقطة عامة لأحد شوارع مدينة الموصل (رويترز)
لقطة عامة لأحد شوارع مدينة الموصل (رويترز)

هزّت الأوساط العراقية والموصلية بشكل خاص، أمس، فضيحة «الفيديو» الذي ظهر به أحد أفراد الجيش العراقي وهو يقوم بالتحرش الجنسي بطفل ويتحدث مع رفاقه عن قيامهم باغتصاب والدته التي تحمل طفلاً رضيعاً، وتظهر هي الأخرى بالفيديو في إحدى مناطق الموصل بمحافظة نينوى.
وساد الغضب العام أوساط المواطنين العراقيين، وطالب ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بإنزال أقصى العقوبات الرادعة بحق الجندي ورفاقه.
وفي حين توعد محافظ نينوى الجديد منصور المرعيد بمحاسبة وإيقاع أقصى العقوبات بمرتكبي جريمة التحرش، أصدرت وزارة الدفاع العراقية أوامر باعتقال الجنود. وقالت وزارة الدفاع في بيان: إن «رئيس أركان الجيش الفريق أول ركن عثمان الغانمي وجه (الخميس) بإيقاف واعتقال الأشخاص الذين ظهرت صورهم ضمن مقطع الفيديو الذي تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي». وذكرت أنها قامت بفتح تحقيق في الحادث مباشرة بعد انتشار «الفيديو». وأضاف البيان أن «هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يرتدون الزي العسكري أساءوا إلى سمعة الجيش العراقي».
وأعلنت خلية الإعلام الأمني، أمس، عن «قيام مديرية الاستخبارات العسكرية باعتقال الأشخاص الذين أساءوا لسمعة الجيش العراقي».
وكانت تقارير منظمات حقوقية محلية ودولية، إضافة إلى تقرير الخارجية الأميركية لحقوق الإنسان في العراق خلال عام 2018، أشارت إلى مختلف الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون في نينوى، كما نوهت في أكثر من مرة إلى أن السلطات العراقية لم تتمكن من السيطرة على بعض عناصر قوات الأمن الذين يرتكبون انتهاكات ولم تضع حداً نهائياً لها.
بدورها، طالب مفوضية حقوق الإنسان المستقلة مكتب القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي بـ«فتح تحقيق عاجل» في الموضوع، وقال عضو المفوضية علي البياتي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن «الكثير من التشكيلات الأمنية تحتاج إلى برامج حقوق إنسان، لكي تتم مراعاتها في تعاملهم مع المدنيين». ورأى أن «المؤسسة الأمنية والعسكرية تفتقر إلى الرقابة، وهي في حاجة إلى تفعيل المؤسسات الرقابية ومعاقبة المسيئين داخلها». وكشف البياتي عن وجود «تقارير خطيرة حول انتشار الأدوية المخدرة بين المنتسبين في الأجهزة الأمنية، وهي بكل تأكيد تترك آثاراً سلبية في الواقع، وتحتاج إلى تدخل وحلول سريعة». وأشار إلى أن «الأمن هو الأساس لنجاح وتقدم واستقرار العراق، ومن دون إصلاح حقيقي للمؤسسات الأمنية لن يتحسن وضع البلاد، والإصلاح يشمل إدارة وهيكلية ومراقبة المؤسسات، وصولاً إلى الاهتمام بشخصية الفرد الأمني أو العسكري».
وطالب «المرصد العراقي لحقوق الإنسان»، هو الآخر، السلطات العراقية الإسراع بمحاسبة الجنود الذين ارتكبوا «جريمة اغتصاب» في مدينة الموصل، ولا تسمح لهم بـ«الإفلات من العقاب مثلما حدث في انتهاكات سابقة». وقال «المرصد» في بيان: «أظهر هؤلاء الجنود تمادياً كبيراً في ارتكاب جريمتهم، وقاموا بعملية اغتصاب جماعي في نقطة تفتيش أو منطقة فاصلة بين حدود منطقتين بمدينة الموصل». وأضاف: «يبدو أن هؤلاء الجنود أمنوا العقاب من انتهاكات سابقة ارتكبها زملاء لهم، ولم يتوقفوا عند حد الاعتداء والتصوير، بل إلى بث جريمتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وإظهار شكل الطفل المُعتدى عليه كاملة».
وشدد بيان «المرصد» على ضرورة أن تقوم الحكومة العراقية بـ«تحركات سريعة وجدية للحد من الانتهاكات التي تُرتكب من قبل جنود وعناصر في الأجهزة الأمنية من خلال تقديم الجناة للمساءلة العادلة وتعويض الضحايا، حتى لا يتمادى غيرهم بارتكاب انتهاكات أخرى مستقبلاً».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.