طائرات روسية تشارك في قصف جنوب إدلب

قتلى مدنيون في غارات على معرة النعمان

بعد قصف كفروما في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
بعد قصف كفروما في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
TT

طائرات روسية تشارك في قصف جنوب إدلب

بعد قصف كفروما في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
بعد قصف كفروما في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)

قُتل مدنيون في غارات من قوات النظام السوري على مناطق في جنوب إدلب ضمن مناطق «خفض التصعيد» بموجب اتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، في وقت لفت مشاركة الطائرات الروسية في قصف جنوب إدلب.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس، إنه «ارتفع إلى 7 على الأقل عدد الذين قتلوا الخميس جراء القصف الجوي ضمن منطقة (خفض التصعيد)، وهم 4 أطفال ومواطنة قتلوا في مجزرة نفذتها طائرات النظام الحربية باستهدافها مدينة معرة النعمان جنوب إدلب». كما قضى منشق عن قوات النظام وقتلت طفلته؛ وذلك جراء قصف الطيران الحربي التابع للنظام على بلدة كفروما، في حين لا يزال عدد القتلى مرشحاً للارتفاع لوجود جرحى بعضهم في حالات خطرة.
وقال «المرصد» إن طائرات روسية «شنت أكثر من 5 غارات مستهدفة بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوبي، كما نفذت طائرات النظام الحربية 9 غارات على الأقل على مناطق في بلدة كفروما وغارات أخرى على حزارين وعابدين، ليرتفع إلى 51 عدد الغارات الجوية التي نفذتها طائرات النظام الحربية منذ صباح الخميس ضمن منطقة (خفض التصعيد)، مستهدفة كلاً من اللطامنة، وكفرزيتا، وأرينبة، والهبيط، وكفروما، ومحور كبانة بجبل الأكراد، وأريحا، ومعرة النعمان، وخان شيخون ترملا، والفقيع، وكفرموس، ومنطف، وترملا، ومنطقة جبل الأربعين، وعابدين، وحزارين».
على صعيد متصل، استهدفت فصائل متطرفة مواقع قوات النظام بالصواريخ في قرية السكرية جنوب شرقي محافظة إدلب، في وقت سقطت قذائف صاروخية أطلقتها الفصائل على بلدة قمحانة الخاضعة لسيطرة قوات النظام بريف حماة الشمالي.
ومع سقوط المزيد من الخسائر البشرية، يرتفع إلى 947 شخصاً ممن قتلوا منذ بدء التصعيد الأعنف على الإطلاق ضمن منطقة «خفض التصعيد» في 30 أبريل (نيسان) الماضي، بحسب «المرصد» الذي وثق مقتل 15 مسلحاً من فصائل المعارضة خلال قصف جوي واستهدافات في مناطق متفرقة خلال الـ24 ساعة الفائتة.
وقال «المرصد» إن القوات الروسية «تستكمل الشهر الـ44 من مشاركتها في الصراع الدائر على الأرض السورية»؛ إذ يأتي الشهر الثامن من العام الرابع لـ«يضم خسائر بشرية، في سلسلة الهجمات التي تنفذها روسيا بحق أبناء الشعب السوري، متذرعة بـ(محاربة الإرهاب)، الذي مارسته بحق المدنيين».
وقال: «كل هذا جرى جنباً إلى جنب مع عمليات دعم روسيا بقواتها البرية والعسكرية، قوات النظام السوري والمسلحين الموالين لها، في تقدمها على حساب الفصائل المقاتلة والإسلامية و(هيئة تحرير الشام) (جبهة النصرة سابقاً) وتنظيم (داعش) فمع مشاركة الروس في الـ30 سبتمبر 2015، كانت قوات النظام تسيطر على مساحة 48146 كلم مربع، بنسبة 26 في المائة من مساحة الأراضي السورية، في حين بلغت سيطرة الفصائل المقاتلة والإسلامية 21666 كلم مربع بنسبة 11.7 في المائة من مساحة الجغرافية السورية، كما بلغت سيطرة تنظيم (داعش) 96663 كلم مربع بنسبة 52.2 في المائة من مساحة الأراضي السورية، في حين بلغت مساحة سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية) 18705 كلم مربع بنسبة 10.1 في المائة من مساحة سوريا، لكن التدخل الروسي لم ينجح في توسعة سيطرة النظام وحلفائه إلا بعد مطلع عام 2017، عقب أن تدنت مستوى سيطرة النظام إلى 31419 بنسبة 17 في المائة في مطلع عام 2017، وهي أقل نسبة وصلت إليها قوات النظام خلال السنوات السبع الفائتة».
وتابع «المرصد» أنه وثق خلال الشهر الـ44 من عمر دخول روسيا على خط العمليات العسكرية في سوريا مقتل 44 مواطناً مدنياً، بينهم 15 طفلاً و13 مواطنة بقصف الطائرات الحربية الروسية، حيث بلغت حصيلة الخسائر البشرية 18397 منذ الـ30 سبتمبر.
وكان «المرصد» أشار أول من أمس إلى «قصف النظام وروسيا يتواصل بكثافة على مناطق عدة. الغارات الروسية تتركز على مدينة خان شيخون وضواحيها».
ومنذ الأحد أدت الغارات الجوية التي يشنها النظام والقصف المدفعي على إدلب وضواحيها إلى مقتل أكثر من خمسين مدنياً، بينهم الكثير من الأطفال، بحسب «المرصد».
ويقع القسم الأكبر من محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام»، وهي الفرع السوري لتنظيم «القاعدة». في حين تسيطر القوات الموالية للنظام على قسم من جنوب شرقي وشرق إدلب، إضافة إلى الجزء الأكبر من المحافظات الثلاث الأخرى.
والثلاثاء، قُتل 27 مدنياً على الأقل، بينهم 11 طفلاً في قصف لقوات النظام السوري على مناطق في محافظتي إدلب وحلب، وهو قصف يتواصل من دون توقف تقريباً منذ نحو شهر.
ولم تعلن قوات النظام السوري عن هجوم فعلي تشنه على مواقع «هيئة تحرير الشام»، لكنها كثفت عمليات القصف ودخلت في مواجهات على الأرض مع الجهاديين منذ نهاية أبريل، وتمكنت من استعادة بعض المناطق في جنوب محافظة إدلب وشمال محافظة حماة.
وقالت مورغن أورتيغاس، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، للصحافيين الثلاثاء: إن «الهجمات على المدنيين والبنى التحتية العامة مثل المدارس أو الأسواق أو المستشفيات تشكّل تصعيداً متهوّراً وغير مقبول».
وأمام مجلس الأمن الدولي أكدت الثلاثاء مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أورسولا مولر أن نحو 270 ألف شخص قد تهجّروا جراء أعمال العنف في إدلب منذ نهاية أبريل، وقد علّقت منظمات إغاثة عملها في عدد من القطاعات.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.