رهان باسيل الخاطئ على الإمساك بمفاصل الدولة

حملاته طالت مدير الـ«ميدل إيست» واللواء عثمان بعد محاولاته التقليل من شأن حاكم «المركزي»

وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل
وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل
TT

رهان باسيل الخاطئ على الإمساك بمفاصل الدولة

وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل
وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل

لم يتردد رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل في تقديم نفسه منذ اللحظة الأولى لإقرار الموازنة في مجلس الوزراء وإحالتها إلى المجلس النيابي لمناقشتها والتصديق عليها، بأنه كان وراء إنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي وخفض العجز في مشروع الموازنة، مع أن وزراء من أكثر من مكوّن سياسي يحمّلونه مسؤولية التأخير بعد تذرعه بأن لديه أفكاراً لا بد من طرحها.
ومن خلال إصراره على تمديد جلسات مجلس الوزراء التي خُصّصت لإقرار الموازنة أراد الوزير باسيل أن يوحي للخارج كما يقول عدد من الوزراء لـ«الشرق الأوسط» بأن لا شيء يمر من دون موافقته، وأنه الآمر والناهي في كل شاردة وواردة، مستفيداً من موقعه اللصيق برئيس الجمهورية ميشال عون الذي يتيح له الإمساك بالمفاصل الرئيسية في الدولة.
ويعزو هؤلاء الوزراء إصرار باسيل على تمديد الجلسات إلى أنه يريد تعزيز موقعه في مواجهة من يعارضه في «التيار الوطني» من جهة، وفي كسب المزيد من التأييد الشعبي في حربه «المفتوحة» مع حزب «القوات اللبنانية» بعد أن أصبح «إعلان معراب» الذي وقّعه سمير جعجع مع عون قبل انتخابه رئيساً للجمهورية في خبر كان بسبب انقلاب باسيل عليه.
ويلفت الوزراء إلى أن باسيل يحاول توظيف ما نسبه إلى شخصه في منع الانهيار الاقتصادي في مخاطبة المجتمع الدولي، وبالتالي فهو الأقدر على إنقاذ البلد، في إشارة مباشرة إلى رغبته في تقليل الدور الذي يقوم به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يمكن أن يقدّمه في حال تسارع الوضع الاقتصادي على أنه رجل المرحلة والأقدر على تسلُّم زمام رئاسة الجمهورية.
ويستغرب الوزراء إصرار باسيل على الدخول في اشتباكات سياسية مع كل من لا يدين له بالولاء، ويؤكدون بأن إمساكه بالمفاتيح الأساسية على صعيدَي القضاء والأمن بات يشكّل إحراجاً لرئيس الجمهورية، وأن من ينصحه بوضع اليد في هذا المجال على مفاصل الدولة لا يريد مصلحته، وأن خصومه سيضطرون إلى التكتُّل ضده، خصوصاً أنه يتصرف انطلاقاً من حسابات شخصية تقوم على أنه الأقدر أن يأخذ من دون أن يعطي، وإذا اضطر إلى العطاء فلا شيء يمنعه من استرضاء محور الممانعة في كل الأمور ذات الصلة بالشأن الإقليمي.
ويسأل الوزراء «لماذا يعاود باسيل حملته على رئيس مجلس إدارة شركة (طيران الشرق الأوسط) محمد الحوت، بعد أن تراجعت حملة (التيار الوطني) على سلامة؟»، ويؤكدون أنه يخطئ إذا اعتقد أنه بهذه الطريقة يستطيع تطويع هذا أو ذاك.
وبالنسبة إلى الحملة التي يرعاها باسيل ويستهدف من خلالها المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مقربة من رئيس الحكومة سعد الحريري بأنه يتمسك ببقاء عثمان على رأس هذه المؤسسة، وأن استبداله غير مطروح، وأن ما يراهن عليه باسيل لن يُصرف في مكان.
وأكدت المصادر نفسها بأن عثمان خط أحمر بالنسبة للحريري، وقالت من غير الجائز «معاقبته» استرضاء لهذا أو ذاك وهو يقف على رأس مؤسسة أمنية حققت نجاحات في التصدّي للإرهاب وفي مكافحة الفساد.
في هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن لا مشكلة من جانب عثمان مع باسيل، وأن الأخير يتصرف وكأنه المسؤول عن الأمن، ويحاول التدخّل في تفاصيل هو في غنى عنها. إضافة إلى أنه يصرّ على مخاطبته من فوق، وأن ما حصل على هامش الإفطار الرمضاني الذي أقامه رئيس الجمهورية في بعبدا لم يكن له أي مبرر، وأن من صودف مروره لحظة اجتماعهما على الواقف في حديقة القصر فوجئ بطريقة تعاطي باسيل مع عثمان.
لذلك؛ فإن باسيل يخطئ في حسابه في حال إصراره على استبدال عثمان، كما أخطأ في السابق في الحملات التي تولاها «التيار الوطني» ضد سلامة والحوت. كما أن استهدافه أبرز الرموز في الطائفة السنّية في الإدارة يضعه في موقع صعب ليس في مواجهة الحريري فحسب، وإنما في علاقته مع تيار «المستقبل» الذي هو في الأساس يرسم لنفسه مسافة منه بصرف النظر عن علاقته بقيادته.
كما أن باسيل الذي يستفيد من موقعه في التركيبة الأقرب إلى رئاسة الجمهورية لم يترك مجالاً للتفاهم مع الآخرين باستثناء «حزب الله»، وما حصل على هامش مناقشة الموازنة يؤكد أن «الكيمياء السياسية» مفقودة بينه وبين وزير المال علي حسن خليل، إضافة إلى أن علاقته مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» تبقى في إطار المساكنة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى علاقته بتيار «المردة». وعليه، هل يستمر باسيل في خوض حروبه السياسية المتنقّلة بدلاً من أن يعطي لنفسه إجازة يعكف في خلالها على مراجعة حساباته لتبيان أين أخطأ وأين أصاب، خصوصاً أن علاقته ببعض الأجهزة الأمنية ليست على ما يرام، وأن الزيارة التي خص بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في زيارته الأخيرة لبيروت قائد الجيش العماد جوزف عون في منزله شكّلت كما تردّد قلقاً له، وقد حاول جاهداً معرفة ما دار فيها.
وما يزيد من قلق باسيل أن قيادة الجيش تحظى بتقدير خاص لدى المجتمع الدولي، وأن الدول المعنية بتسليح الجيش، وخصوصاً الولايات المتحدة تتعامل معها حتى لو كانت لديها ملاحظات على أداء الدولة، وموقفها من أبرز القضايا الإقليمية.
والقلق من عون لا مبرر له؛ لأن من يعرفه عن كثب يؤكد لـ«الشرق الأوسط» بأن ليس لديه أي مشروع سياسي، وأن ما يهمه تحصين المؤسسة العسكرية وتدعيمها وتعزيز تسليحها للحفاظ على استقرار لبنان والدفاع عنه في وجه الأطماع الإسرائيلية. فهل يهدأ باسيل ويعاود النظر في حساباته بدلاً من أن يوزّع حملاته يميناً وشمالاً؟ رغم أنه من السابق لأوانه فتح معركة رئاسة الجمهورية.



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.