لندن تتألق بروح الشباب بفضل برامج تدعم المصممين اليافعين

من منح دراسية وجوائز إلى تقديم دورات تدريبية

تانيا فارس مع ستيفاني فير وميغا ميتال مع بعض الفائزين بجائزة «فاشن تراست» (تصوير: جيمس بيليكيان)
تانيا فارس مع ستيفاني فير وميغا ميتال مع بعض الفائزين بجائزة «فاشن تراست» (تصوير: جيمس بيليكيان)
TT

لندن تتألق بروح الشباب بفضل برامج تدعم المصممين اليافعين

تانيا فارس مع ستيفاني فير وميغا ميتال مع بعض الفائزين بجائزة «فاشن تراست» (تصوير: جيمس بيليكيان)
تانيا فارس مع ستيفاني فير وميغا ميتال مع بعض الفائزين بجائزة «فاشن تراست» (تصوير: جيمس بيليكيان)

لا يختلف اثنان على أن لندن هي عاصمة تفريخ المواهب. فمنها تخرج وخرج جون غاليانو، والراحل ألكسندر ماكوين، وفيبي فيلو، وكريستوفر كاين، وهلم جرا من الأسماء التي تنجح دائماً في تذكير عشاق الموضة بما يتضمنه الابتكار من فنون وجنون. لهذا، ليس غريباً أن أسبوعها، وبعد أن كان الحلقة الضعيفة بين أسابيع الموضة العالمية، بنيويورك وميلانو وباريس، يتصدر الواجهة في العقد الأخير. بعد أن لمّع صورته واشتد عوده، سحب السجاد من تحت بعض هذه العواصم بسهولة. فميلانو مثلاً بدأت تشيخ بالنظر إلى أن معظم مصمميها الكبار تعدوا السبعين، إن لم نقل الثمانين، ونيويورك فقدت بريقها بعد أن طغى التجاري فيها على الفني. باريس وحدها ظلت صامدة، فقط لأنها باريس.
لندن في المقابل، وبعد أن ظلت لسنوات طويلة تواجه نظرات الاستهجان ومواقف التجاهل، ردت بالمزيد من الفنون. لكنها لم تصل إلى هذه المكانة من فراغ، فقد جاءت نتيجة أعمال جبارة يقف وراءها جنود خفاء يعملون من دون كلل ليُبقوا عليها شُعلتها متوهجة. معظم هؤلاء الجنود يعملون في مجالات المال والأعمال، أو استشاريون أو إداريون من المستوى الرفيع. القاسم المشترك بينهم حبهم للفن وللموضة، وتعاطفهم مع المصممين الشباب. من هؤلاء نذكر مثلاً تانيا فارس التي كانت وراء تأسيس «فاشن تراست»، وديزيره بولييه الرئيس التنفيذي لمجموعة «ريتايل فاليو» التي تُدير مجمعات التسوق المعروفة بالـ«آوتليت»، مثل «بيستر فيلدج» في بريطانيا، و«لافالي» في باريس، و«روكا» في إسبانيا، وهلم جرا، وتقدم برنامجاً لمدة سنة كاملة يتدربون فيها على الجانب التجاري والإداري في «بيستر فيلدج». هؤلاء يؤمنون بالموضة البريطانية، ولا يبخلون عليها بتبرعاتهم ولا بخبراتهم، وكان لهم الفضل في تدشين مؤسسات غير ربحية تجمع أموالاً طائلة تصرفها على المصممين الشباب.
فالتحدي الكبير الذي كانت تواجهه صناعة الموضة البريطانية لم يكن يوماً نقصاً في المواهب، بل في الموارد، إلى جانب عدم إلمام بعض المصممين حديثي التخرج بالجانب التجاري. ما تقوم به هذه المؤسسات أنها تُجند عقولاً فذة في هذا المجال لكي تُدربهم حتى يتمكنوا من خلق التوازن المطلوب بين الفني والتجاري.
وبعض هذه البرامج تعمل على توفير منح دراسية للمتفوقين، ممن ليست لديهم الإمكانيات لإكمال دراستهم العليا والحصول على شهادة الماجستير. وهكذا، تقيهم الحاجة إلى السؤال أو التفكير في أشياء أخرى غير الإبداع. برامج كثيرة أخرى تصب في الاتجاه نفسه؛ نذكر منها «فاشن إيست» الذي أسسته لولو كنيدي، كذلك «نيو جين»، وغيرهما. كلها تنضوي تحت مظلة منظمة الموضة البريطانية التي باتت تتمتع بشهرة عالمية، ومثالاً يُحتذى به في مجال تنمية ودعم المواهب الناشئة.
ما اكتشفته المنظمة أنه من الصعب على أي شاب يخطو أولى خطواته في مجال تصميم الأزياء أن يؤسس داراً خاصة به، ويستمر من دون دعم مادي ومعنوي. فعدد كبير منهم يتخرجون وهم شبه نجوم، إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يتمتعون به من قدرات هائلة على الابتكار والإبداع، لكن الواقع يصدمهم بعد التخرج، ويجعلهم يرزحون تحت وطأة تكاليف الإنتاج الضخمة التي تتطلبها غالبية المتاجر، ويمكن أن تبدأ من 50 ألف جنيه إسترليني، فضلاً عن عدم خبرتهم في مجال التسويق والترويج لأنفسهم أو إدارة الأعمال.
وغالباً ما تكون السنوات الأربع أو الخمس الأولى من حياتهم المهنية هي الأكثر صعوبة، وهي التي يعاني فيها المصمم من التخبط. تانيا فارس التي ساهمت في تأسيس «فاشن تراست» الذي يخصص مبلغاً محترماً للمصممين المتألقين، عبارة عن جائزة سنوية تشمل أيضاً تدريبات وأنشطة تركز على صقل خبراتهم، تقول إنه مهما كان المصمم موهوباً، فإنه يجد صعوبة كبيرة إذا لم تكن لديه الإمكانيات اللازمة لإطلاق ماركته. وفي عام 2011، عندما أطلقت تانيا فارس مبادرة «فاشن تراست»، لم تكتفِ بالتنظير، بل بدأت فعلياً في تجنيد شخصيات تحب الموضة وتؤمن بها لجمع التبرعات. وكان لبرنامجها نتائج لا تقدر بثمن، ليس أقلها أن «روكساندا» و«إيمليا ويكستيد» و«إريدم» و«ماري كاترانزو» وغيرهم كثر تلقوا جائزة «فاشن تراست»، وكلهم يعترفون بمدى تأثيرها على مسيرتهم. فالجائزة لا تقتصر على مبلغ مالي مهم، بل تشمل أيضاً احتضانهم لمدة 3 سنوات، يتم فيها تقديم النصح والبحث عن سُبل التسويق لهم من قبل أعضاء من الوزن الثقيل، إضافة إلى معاهد الموضة في بريطانيا. وقد تم الإعلان عن أسماء المصممين الفائزين لعام 2019 مؤخراً في حفل كبير، وهم: هيليير بارتلي، وويشان زانغ، و«ماذرر أوف بيرل»، و«بايبر لندن» وشارون وشوب.
وقد استطاعت مؤسسة «فاشن تراست» منذ إطلاقها في عام 2011 جمع مبلغ 2.3 مليون جنيه إسترليني، وتقديم مكافآت شملت 42 مصمماً، سواء على هيئة منح أو إرشادات أو تعليم، وأحياناً تنجح في إيجاد منافذ لهم، ينطلقون منها إلى فضاءات واسعة. فالمستثمرون لا يترددون عندما يكون المشروع ناجحاً، حتى وإن كانت العائدات تتطلب بعض الصبر، مقارنة بالاستثمار في مجالات التجارة أو التكنولوجيا، على سبيل المثال.
أما منحة التعليم للحصول على شهادة الماجستير، فقد أطلقتها منظمة الموضة البريطانية في عام 1998، وتلتها جوائز لدعم طلبة البكالوريوس في عام 2015. وفي العام الماضي فقط، ازداد عدد المنح الدراسية من 11 إلى 21، مما يزيد قيمة الالتزامات المالية للمنظمة من 127 ألف جنيه إسترليني إلى أكثر من 200 ألف جنيه إسترليني، أي بزيادة نسبتها 60 في المائة، مقارنة بالعام الماضي.
وتتزايد أهمية البرنامج سنة بعد أخرى، وتنوي المنظمة تقويته أكثر بزيادة الوعي بأهمية التعليم من جهة، وجمع المزيد من التبرعات من جهة ثانية. وفي العام الماضي، التحق المصمم إريديم موراليغلو بالبرنامج كممول، ليعبر عن امتنانه له كونه تمتع بمنحة منه عندما كان في بداية حياته، قائلاً: «لقد كنت محظوظاً عندما فُزت بالمنحة الدراسية، وكنت طالباً في (رويال كوليدج أوف آرت). الآن، أعرف أكثر من أي وقت مضى أهمية هذه المنحة بالنسبة لأي طالب مبتدئ». المشكلة التي يواجهها طلبة اليوم أن تكاليف الدراسة ترتفع بشكل يعيق كثيراً منهم عن تكملة الطريق، وهذا ما تطمح منظمة الموضة وكل من وراء البرنامج لمكافحته، وهذا أيضاً ما يجعل لندن تغلي وتفور بالشباب.


مقالات ذات صلة

2024... عام التحديات

لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)

2024...عام الإقالات والتعيينات

ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)
ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)
TT

2024...عام الإقالات والتعيينات

ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)
ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

تعيين ماثيو بلايزي مصمماً لدار «شانيل»

ماثيو بلايزي يدخل دار «شانيل» (غيتي)

ربما يكون هذا التعيين هو الأهم لما تتمتع به الدار الفرنسية من أهمية. بلايزي الذي كان إلى عهد قريب مصمم دار «بوتيغا فينيتا» لن يخلف في الواقع فيرجيني فيارد، التي كانت اليد اليمنى للراحل كارل لاغرفيلد لعقود، فهي لم تكن سوى محطة توقفت عندها الدار الفرنسية لجس النبض والحفاظ على الاستمرارية. بلايزي كما يعرف الجميع سيخلف الراحل كارل لاغرفيلد نفسه، بكل ما يحمله هذا الاسم من قوة. لكن خبراء الموضة متفائلون، كون بلايزي أثبت نفسه في دار «بوتيغا فينيتا»، وخلال 3 سنوات فقط، حقّق لها نقلة مهمة. تعويذته كانت الحرفية في التنفيذ والتفاصيل، والابتكار في التصميم والألوان، الأمر الذي نتجت عنه منتجات حققت المعادلة بين الفني والتجاري التي راوغت العديد من أبناء جيله حتى الآن.

هادي سليمان يغادر «سيلين»

صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)

قبل تعيين ماثيو بلايزي مصمماً لدار «شانيل»، راجت شائعات بأن المنصب سيكون من نصيب هادي سليمان، لا محالة. لكن حتى الآن لم يُعلن المصمم عن محطته التالية، فيما عيّنت «سيلين» مايكل رايدر خليفة له في اليوم نفسه، وهو ما يجزم بأن المفاوضات كانت طويلة وشائكة بين الطرفين كما أشيع حينها. فالتخلي عن سليمان بعد 6 سنوات، لم يكن سهلاً، لا سيما وأنه ضاعف إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها هذا العام.

حيدر أكرمان في دار «توم فورد»

حيدر أكرمان مصمم «توم فورد» الجديد (غيتي)

تعيين حيدر أكرمان مديراً فنياً لدار «توم فورد» أثلج صدور الكثيرين من العاملين في قطاع الموضة، لما يتمتع به من احترام لأسلوبه الخاص في التفصيل والابتكار. كان من بين الأسماء التي طُرحت لتسلم مقاليد دار «شانيل» من فيرجيني فيارد، خصوصاً أن الراحل كارل لاغرفيلد وصفه في أحد تصريحاته بأنه «خليفته المثالي في (شانيل)». لكن يبدو أن كفة ماثيو بلايزي غلبت.

جوليان كلاوسنر مديراً فنياً لدار «دريس فان نوتن»

جوليان كلاوسنر المدير الفني الجديد لدار «دريس فان نوتن» (دريس فان نوتن)

أُعلن مؤخراً تولي البلجيكي جوليان كلاوسنر منصب المدير الإبداعي للدار بعد أشهر من التكهنات إثر استقالة مؤسسها دريس فان نوتن من منصبه في شهر مارس (آذار) الماضي. المؤسس برّر قرار التقاعد في سن الـ65، بأنه نابع أولاً من رغبة في أن يُفسح المجال لدماء جديدة وشابة، وثانياً في أن يتفرّغ إلى نشاطات وهوايات أجّلها طويلاً.

«فالنتينو» تودّع بكيولي وتستقبل ميكيلي

أليساندرو ميكيلي المدير الإبداعي الجديد لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

ربما يمكن استغناء دار «فالنتينو» عن بييرباولو بكيولي واستبداله بأليساندرو ميكيلي مصمم «غوتشي» السابق مفاجأة العام. فبييرباولو بكيولي محبوب من قبل خبراء الموضة ومتابعيها. عروضه كانت دائماً تثير العواطف والمشاعر، وليس أدل على هذا من دموع النجمة سيلين ديون وهي تتابع أحد عروضه في باريس. لكن المشاعر شيء والربح شيء آخر على ما يبدو بالنسبة للمجموعات الضخمة.

في أقل من أسبوع من خروجه، دخل أليساندرو ميكيلي، المعروف بأسلوب «الماكسيماليزم» الذي يدمج فيه الـ«فينتاج» بطريقة جريئة رآها البعض أنها لا تتناسب مع روح «فالنتينو» الرومانسية. لكن في عرضه الأول، قدّم تشكيلة أجمع الكل على أنها كانت إيجابية، على عكس التوقعات بأنه سيفرض أسلوبه الخاص ويمحي كل ما قبله، مثلما فعل في دار «غوتشي» سابقاً.

أوساط الموضة تُودّع ديفيد رين

المصمم الراحل ديفيد رين (موسكينو)

لم يمر سوى شهر فقط على تعيينه مديراً فنياً لدار «موسكينو»، حتى وافت المنية مصمم الأزياء الإيطالي ديفيد رين بعد تعرضه لمشكلة في القلب.

تعيينه خلفاً لجيريمي سكوت الذي غادرها في شهر مارس الماضي، كان خطوة مهمة في مسيرة الدار الإيطالية التي صرّحت بأن آمالاً كبيرة كانت معقودة عليه؛ نظراً لخبرته التي تمتد على مدى عقدين من الزمن عمل فيها في دار «غوتشي». كان لا بد من اتخاذ قرار سريع انتهى بتعيين أدريان أبيولازا مديراً إبداعياً جديداً لها.