تشعّبت المشاكل البيئية والأمنية الناجمة عن قرار وزير الصناعة السابق حسين الحاج حسن (حزب الله)، الذي أعطى بموجبه رخصة لآل فتوش، لبناء معمل للإسمنت في منطقة عين دارة في جبل لبنان، رغم الرفض المطلق لأبناء المنطقة ومسؤولي بلديتها الذين اعتبروا أن «مواجهة هذا المشروع يعدّ مسألة حياة أو موت بالنسبة إليهم، نظراً للآثار البيئية الكارثية على الطبيعة وعلى المياه الجوفية، والخشية من تحوّله إلى مربّع أمني في مرحلة لاحقة».
ناشطون معارضون للمشروع الذي لم تبدأ أعمال بناؤه بعد، اتهموا صاحبه بيار فتوش، شقيق النائب والوزير السابق نقولا فتوش، بأنه «استحصل على رخصة بناء المعمل، من خلال علاقاته الوثيقة بالنظام السوري وحزب الله، دون أن يكترث للأضرار الجسيمة التي سيلحقها بالبيئة في هذه المنطقة الجبلية المحاذية لمحمية أرز الشوف». وتحدّثوا عن «تجنيد عناصر أمنية لمواجهة أبناء المنطقة المعترضين على المشروع وفرضه بالقوّة، ما يعزز المخاوف من تحويل المعمل إلى قاعدة عسكرية وأمنية لحزب الله، بالنظر للموقع الاستراتيجي الذي يقع عليه، والذي يفصل منطقة الشوف عن المتن، ويؤدي إلى الإمساك بمنطقة البقاع، كونه يشكل مدخلاً لها»، على حدّ تعبير الناشطين المعارضين لـ«حزب الله».
وتسبب هذا المشروع في أزمة سياسية بين «حزب الله» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، غداة إلغاء وزير الصناعة الحالي وائل أبو فاعور الترخيص الذي أعطاه سلفه حسين الحاج حسن لبناء معمل الإسمنت بسبب أضراره البيئية، كما يواجه اعتراضاً سياسياً وشعبياً، حيث أكد نائب رئيس حركة «التجدد الديمقراطي» الدكتور أنطوان حداد لـ«الشرق الأوسط»، أن «معمل الإسمنت لن يبصر النور في عين دارة، وهو مسألة حياة أو موت بالنسبة لأبناء المنطقة، خصوصاً أن الترخيص الذي أعطي للمعمل، يقوم على مجموعة من المخالفات والتعديات على الأملاك العامة والخاصة، وينتهك قانون المقالع والكسارات، ويشكل خطراً كبيراً على محمية أرز الشوف المتاخمة له». وحول ما يثار عن أخطار أمنية وإمكانية تحويل المعمل لاحقاً إلى قاعدة أمنية، أوضح حداد أن «لا أدلة ملموسة على تحويله إلى قاعدة عسكرية».
وكان مجلس شورى الدولة أبطل قرار وزير الصناعة الحالي وائل أبو فاعور، ومنح آل فتوش حقاً مكتسباً ببناء هذا المعمل. لكنّ هذا الحقّ القانوني لم يثنِ أبناء المنطقة عن مواجهته. وكشف رئيس بلدية عين دارة العميد المتقاعد مارون بدر لـ«الشرق الأوسط»، أن مشروع بناء معمل الإسمنت «يقع فوق آبار مياه وينابيع جوفية تغذّي عين دارة وبلدات بقاعية»، لافتاً إلى «تراجع محاصيل التفاح بسبب اللوث البيئي والكسارات التابعة لآل فتوش في المنطقة»، بحسب رأيه.
وعن التحذيرات من استغلال المشروع لخلفيات أمنية أو عسكرية، قال رئيس بلدية عين دارة: «لست متأكداً من وجود أبعاد أمنية، ونحن ضدّ هذا المعمل سواء بناه آل فتوش أو حزب الله أو الحزب الاشتراكي أو أي فريق سياسي آخر»، لافتاً إلى أن المشروع محمي من عناصر أمن ومسلحين، و«هذا ينذر بوقوع إشكال مع أبناء المنطقة في أي لحظة، ما يعني أن هذا المشروع المبطّن ينذر بخطر أمني».
ولم يستبعد منسّق هيئة المبادرة المدنية في عين دارة عبد الله حداد، وهو أحد أبرز المعارضين لهذا المشروع، وجود خلفيات أمنية وراء هذا المشروع، ورأى أن «الدليل يكمن باستماتة حزب الله في الدفاع عنه، لدرجة افتعال أزمة سياسية مع وليد جنبلاط، من أجل المضي ببنائه».
إلى ذلك، اعتبرت مصادر مقرّبة من «حزب الله» أن «اتهام الحزب ببناء قاعدة عسكرية في عين دارة لا يستحقّ الردّ أو التعليق». وأكدت لـ«الشرق الأوسط» غياب «الدواعي الأمنية لبناء مقرّ عسكري في هذه المنطقة». وقالت: «إذا كان البعض يجد أهمية في هذه النقطة لأنها قريبة من البقاع وسوريا، فإن منطقة البقاع تشكل القاعدة التمثيلية الأوسع لحزب الله، كما أن الوجود العسكري للحزب في سوريا علني».