فرنسواز ساغان تكتب ذكرياتها «الطيبة»

عن قراءاتها وولعها بالقمار والسرعة والحياة الليلية

فرنسواز ساغان تكتب ذكرياتها «الطيبة»
TT

فرنسواز ساغان تكتب ذكرياتها «الطيبة»

فرنسواز ساغان تكتب ذكرياتها «الطيبة»

تختار فرنسواز ساغان شخصيات معروفة، قابلتها في حياتها وأعجبت بها، فتكشف بذلك جانباً من سيرتها، في كتاب «مع أطيب ذكرياتي»، الصادر عن دار «المدى» بترجمة عباس المفرجي. عشرة نصوص عن لقاءات وذكريات في حياتها، وكأن فرنسواز ساغان أرادت أن تتذكر فقط اللحظات السعيدة في حياتها والأشخاص الذين أحبتهم: بيلي هوليداي، أورسون ويلز، كارسون مكوليرز، ماري بيل، رودولف نورييف، تينيسي ويليامز... جان بول سارتر.
وهي ترسم الصورة الحساسة لهؤلاء الأشخاص الذين كانت تحبهم: بيلي هوليداي الصوت المؤلم، الممزق لأميركا السوداء، الصوت المهيِّج، الأجش كما في أنقى حالات الجاز، وأورسن ويلز، الغول الذي قام بسحبها «تحت ذراعه مثل حزمة غسيل، بحجة أنه لم يكن يريدني أن أدهَس بسيّارة، وحملني عبْر الشوارع، هادراً وناهراً، يتدلّى رأسي من جانب وقدماي في الجانب الآخر». وسارتر الذي كتبت له رسالة حب - إعجاب، والذي كانت تراه يرفض بعناد كل أكاليل الغار المعنوية وكل المكاسب المادية من مجدك، «رفضتَ الشرف المزعوم لنوبل، بينما كان يعوزك مادياً كل شيء، أصبتَ ثلاث مرّات بانفجارات بلاستيكية عند الحرب الجزائرية، رُميِتَ في الشارع دون حتى أن يطرف لك جفن».
وتتذكر في رسالتها إلى سارتر أنها تتقاطع معه ومع ميشيل بلاتيني أيضاً في يوم ميلادها 21 يونيو (حزيران)، حيث تصفه باليوم الميمون لفرنسا.
اختارت ساغان شخصياتها المحببة مثل اختارت الطريقة التي تعرضهم بها لنا، ليكونوا الجانب السعيد والحميم من حياتها، هي ترى أن «هناك ذاكرة انتقائية وكلّ منّا ينتخب الأحداث، محتفظاً بالسعيدة وناسياً الشقيّة - أو العكس بالعكس -، ذاكرة لا تأنف أحياناً من طلب يد العون من المخيلة. حينذاك فحسب».
ومن هنا فهي تتحدث عن ولعها بالقمار، والسرعة، والحياة الليلية (في سانت تروبيز)... وهي الميول التي لطالما اتهمت بها مع قدر كبير من الفكاهة واستنكار الذات، وتحكي قصصها عن الألعاب الخطرة في الكازينو «عندما يتم إطلاقها بأقصى سرعة على طريق ريفية، والعودة مع الحنين إلى الماضي حول سان تروبيه».
وهي تتحدث بشكل حميم عن بيلي هوليداي مغنية الجاز الأميركية، التي كان لها تأثير أساسي على موسيقى الجاز وغناء البوب. واشتهرت بإلقائها الصوتي ومهاراتها الارتجالية التي سدَّت النقص في تعليمها الموسيقي. تكتب: «كنّا في منتهى السعادة، لم نحلم بشيء أكثر من هذا. وأعتقد أننا عدنا نقطع تلك الكيلومترات الثلاثمائة في ذلك البرد بتلك السعادة نفسها، حتى لو لم يكلّف أحدهم نفسه عناء تقديمنا إليها. شُرِحَ لها أن فرنسيين صغيرين كانا عَبَرا المساحات الشاسعة للمحيط الأطلسي وضواحي نيويورك وحدود كونتيكت لغرض وحيد هو سماعها تغني».
بينما كانت ترى في القمار كيف تتحول الثروات إلى شيكات: «ما لم أعرفه أنه في الكازينو، كما في أي مكان آخر، تُترجَم الثروة إلى شيكات، وتُقبَل هذه الشيكات في الكازينو المعني باستعداد أكثر أو أقل، وإن احتراس مديري اللعبة المنفر في الغالب يأخذ دور الفرملة، المفيدة حيناً، المهلكة حيناً، لجنون اللاعبين».
تتحدث ساجان أيضاً عن تاريخها مع المسرح، وعملها مع الممثلين، ونجاحاتهم وإخفاقاتهم.
وفي واحد من أجمل فصول الكتاب حمل عنوان «قراءات»، تقدم فرنسواز ساجان القراءات التاريخية لمرحلة المراهقة من حياتها، حين اكتشفت الكتب العظيمة في حياتها، وتتحدث بحماس شديد عن نصوص أربعة كانت بالنسبة لها «بمثابة نقطة انطلاق، بوصلات». وهذه النصوص الأربعة هي «قوت الأرض» لأندريه جيد، و«الإنسان المتمرّد» لألبير كامو، و«المركب السكران» لرامبو، و«غرام سوان» لمارسيل بروست.
وفي هذا السياق، تقول ساغان: «اكتشفت أن مَلَكة الكتابة هي هبة منحها القدر لقلة قليلة من الناس، والأغبياء المساكين الذين أرادوا أن يجعلوا منها مهنة أو هواية هم ليسوا أكثر من مُدَنّسين بائسين. إن الكتابة تتطلّب موهبة مضبوطة، ثمينة ونادرة - حقيقة أصبحت غير مناسبة وتقريباً غير لائقة في أيامنا؛ بالإضافة إلى ذلك، وبفضل الازدراء النبيل تجاه كُهّانه المزيفين أو مغتصبيه، ثأرَ الأدب لنفسه: جعَلَ أولئك الذين تجرّأوا على مَسّه، حتى بطرف الأصابع، عُنُناً وعاجزين بمرارة - ولم يمنحهم شيئاً - عدا أحياناً، وبقساوة، نجاحات زائلة أضرَّت بهم في حياتهم».


مقالات ذات صلة

الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام

خاص الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام play-circle 01:52

الحجيلان يكشف حدود الدور الفرنسي في تحرير المسجد الحرام

في الحلقة الأخيرة من مذكراته، يوضح رجل الدولة السعودي الشيخ جميل الحجيلان، حقيقة الدور الفرنسي في جهود تحرير الحرم المكي الشريف من مجموعة جهيمان العتيبي.

بندر بن عبد الرحمن بن معمر (الرياض)
يوميات الشرق تبدأ فصول من المعرفة والفكر والثقافة على مدى 10 أيام من عمر المعرض (واس)

رحلة معرفية جديدة تنطلق في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024

تنطلق (الخميس)، التظاهرة الثقافية الدولية للكتاب، تحت شعار «الرياض تقرأ»، التي تبدأ معها فصول من المعرفة والفكر والثقافة.

عمر البدوي (الرياض)
كتب دليل من أجل الحكم الرشيد

دليل من أجل الحكم الرشيد

أسئلة مهمة يطرحها هذا الكتاب بشأن السمات والمهارات وطرائق التفكير التي تصنع القائد الناجح، ويقترح عليهم مؤلفه من وحي خبرته الشخصيّة أموراً ينبغي للقادة فعلها - أو تجنُّب القيام بها - للحصول على صيت خالد في التاريخ.

ندى حطيط (لندن)
كتب الحياة على هامش الوحدة

الحياة على هامش الوحدة

ينقسم أبطال المجموعة بين أبطال يتخبطون بحثاً عما يريدونه من الحياة، وآخرين يؤرقهم وعيهم التام بما يريدون، في واقع ضاغط يجعل الأحلام كابوسية لا مسافة بينها وبين الواقع

منى أبو النصر (القاهرة)
كتب «لا تقل إنني لم أحذرك»... تأملات في كواليس الكتابة والإبداع

«لا تقل إنني لم أحذرك»... تأملات في كواليس الكتابة والإبداع

يمنح الكتاب خلاصة خبرة مؤلفه، وهو كاتب شهير، كلَّ مهتم بحرفة الكتابة دليلاً واضحاً وملهماً وعملياً يعد كشفاً مذهلاً لقوة الكتابة الإبداعية وتأثير فن السرد القصصي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي

«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي  بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي
TT

«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي

«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي  بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي

تنظم مؤسسة الشارقة للفنون ضمن برنامجها لخريف 2024، الدورة الثانية عشرة من معرضها السنوي للتصوير الفوتوغرافي «الشارقة... وجهة نظر»، الذي يقام في بيت عبيد الشامسي التراثي، في الفترة بين 28 سبتمبر (أيلول) و8 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

تسلط هذه النسخة الضوء على المصورين الصاعدين من المنطقة وخارجها، وتقام تحت عنوان «لو كنتُ غيري» المستوحى من قصيدة للشاعر محمود درويش، وتستحضر الأعمال المعروضة تجارب شخصية على مستويي التاريخ والذاكرة الجماعية، ورغم تنوّع المنهجيات المستخدمة في إنشاء الصور الفوتوغرافية، فإن جميعها تجمعها ذكريات متشظية تتناغم مع التجارب الإنسانية المشتركة.

واختارت المؤسسة أربعة فنانين من الشباب، ممن قدموا طلباتهم للمشاركة في المعرض وذلك من خلال دعوة دولية مفتوحة، هم: سارة قنطار، وثاسيل سوهارا بكر، وأروم دايو، ومشفق الرحمن جوهان، ليجمع المعرض بين أصوات وتجارب متنوعة، مجسداً روح التجريب في التصوير الفوتوغرافي المعاصر، ويقدم منصة ديناميكية تستعرض مجموعة واسعة من الأساليب، بدءاً من الوثائقية وصولاً إلى التجريبية.

تعاين أروم دايو (مواليد 1984، جاوة الوسطى، إندونيسيا) من خلال مشروعها: الثقافة والمجتمع الحديثَين في جاوة، مركِّزةً على قضايا النسوية والأمومة والضغوط التي تواجهها النساء العازبات.

ويسافر المصور الوثائقي وعالم الأنثروبولوجيا مشفق الرحمن جوهان (مواليد 1997، بنغلاديش) في جميع أنحاء بنغلاديش لالتقاط السرديات البصرية التي تسلط الضوء على القضايا الإنسانية وتوثيق مصاعب المجتمعات المهمشة في صراعها مع النزوح.

أما المصورة والمخرجة السورية سارة القنطار فتوثّق تجاربها الشخصية في المنفى ململمةً شظايا الذكريات المنسية ومعاينةً آثار النزوح عبر سلسلتها الفوتوغرافية «نحو النور»، إذ تسجل عبورها من سوريا إلى اليونان مروراً بتركيا بين ديسمبر 2015 وفبراير (شباط) 2016، حيث استخدمت هاتفها المحمول لتصوير رحلتها المحفوفة بالمخاطر، وشاركت الصور مع عائلتها، لطمأنتهم عن وضعها وسلامتها.

وفي سلسلته «شواطئ مضاءة» يعاين ثاسيل سوهارا بكر (مواليد 1992، كيرلا) مواضيع البيئة والسياسات الحيوية عبر عدسة مزدوجة عمادها المسرح والفن البصري. في رحلة استمرت استمرت لثلاثة أشهر زار فيها خمس ولايات هندية، وتتضمن صوراً التقطها خلال الاضطرابات التي عمّت البلاد، جراء جائحة كوفيد-19 وأدت إلى تشريد مجتمعات الطبقة العاملة والتسبب بخسائر فادحة في الأرواح، بما لا يتناسب مع خسائر الطبقات الأخرى.

يُذكر أن أعمال كل فنان ستُعرض في هذه الدورة بشكل مستقل على امتداد بيت الشامسي كما تتضمن برنامجاً إرشادياً مهنياً فردياً، يتيح للفنانين فرصة التواصل مع ممارسين ثقافيين محترفين يختارونهم بأنفسهم.