ترمب يتطلع لاتفاق يكبح أنشطة طهران «الإقليمية» و«النووية»

رحب بالوساطة اليابانية وقال إنه لا ينوي إسقاط النظام الإيراني

ترمب مع آبي خلال مؤتمر صحافي في طوكيو أمس (أ.ب)
ترمب مع آبي خلال مؤتمر صحافي في طوكيو أمس (أ.ب)
TT

ترمب يتطلع لاتفاق يكبح أنشطة طهران «الإقليمية» و«النووية»

ترمب مع آبي خلال مؤتمر صحافي في طوكيو أمس (أ.ب)
ترمب مع آبي خلال مؤتمر صحافي في طوكيو أمس (أ.ب)

لمح الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، مؤكداً أن ذلك يرجع إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارته لكبح جماح الطموحات الإيرانية، كما وجه رسالة تهدئة للإيرانيين بأنه لا يتطلع للإطاحة بالنظام الحالي.
ولم يستبعد ترمب التوصل إلى اتفاق جديد حول برنامج إيران النووي، وفي حين دافع عن فاعلية العقوبات الاقتصادية في كبح الأنشطة الإقليمية للنظام الإيراني، نوه بأن التوصل إلى اتفاق جديد أمر ممكن. وأكد أن العقوبات الأميركية ضد طهران تأتي بنتائج جيدة، وقال: «لقد كانوا يحاربون في كثير من المواقع. الآن هم يتراجعون لأن لديهم مشكلات اقتصادية خطيرة».
وقال ترمب في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، بقصر أكاساكا في طوكيو، إنه يعتقد بأن إيران «ترغب حقاً في إبرام اتفاق. وأعتقد أن ذلك ينم عن ذكاء، وأعتقد أن هذا يمكن أن يتحقق». وقال: «إذا رغبوا في الحوار فنحن راغبون أيضاً».
ورسالة التهدئة من ترمب ذهبت أبعد من ذلك، وقال إنه «لا يسعى لإيذاء طهران على الإطلاق»، مضيفاً أن إيران بقيادتها الحالية «أمامها فرصة لكي تصبح دولة عظيمة»، وأضاف: «نحن لا نتطلع لتغيير النظام. أريد فقط أن أوضح ذلك. نحن نتطلع إلى عدم امتلاك (إيران) أسلحة نووية» وفق ما نقلت «رويترز».
وتأكيد ترمب على عدم نيته تغيير النظام يأتي رداً على ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني، السبت الماضي، الذي اعتبر الضغوط الأميركية محاولة لتحريض الإيرانيين ضد النظام.
وقال روحاني لوسائل إعلام إيرانية، إن: «تقليص موائد الشعب الإيراني ليس مهماً؛ لكن ما هو مهم أن يدرك الأعداء أنه بتقليص الموائد لن يتراجع الإيرانيون عن تأييد النظام». وقبل ذلك بيوم، رفض روحاني «تراجع إيران عن أهدافها حتى إذا تعرضت للقصف».
وقبل ذلك بأسبوع، قال المرشد علي خامنئي، إن إيران «لن تحارب ولن تتفاوض»، مشيراً إلى أن خيار إيران الوحيد هو «المقاومة».
وجاءت تعليقات ترمب غداة تصريحات مستشاره للأمن القومي جون بولتون، حول معلومات مخابراتية «عميقة وخطيرة» عن تهديدات تمثلها إيران من دون أن يكشف التفاصيل. وانفتاح ترمب على المفاوضات بموازاة زيادة حد التوتر خلال الشهر الحالي ليس جديداً. وكان ترمب قبل نحو أسبوعين قد أعلن عن إرسال رقم هاتفه عبر الرئاسة السويسرية إلى طهران. جاء ذلك بعدما أطلق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حملة في وسائل إعلام أميركية، أبدى فيها استعداد إيران للتفاوض.
ورحب ترمب، في اليوم الثاني على زيارة دولة تستغرق أربعة أيام لليابان، بمساعدة آبي في التعامل مع إيران.
وكانت هيئة التلفزيون اليابانية قد ذكرت أن آبي يدرس القيام بزيارة لطهران في وقت قريب، ربما في منتصف يونيو (حزيران). وقالت إيران إن الزيارة مستبعدة في المستقبل القريب.
وقبل ترمب بأسبوعين توجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى طوكيو، وذلك بعدما أعلن مسؤولون يابانيون عن نية الوساطة بين طهران وواشنطن.
ويأتي تأكيد ترمب على تمسكه بالتوصل إلى اتفاق جديد حول برنامج إيران النووي، في وقت يحاول فيه ظريف ترغيب دول المنطقة في قبول مبادرة إيرانية عنوانها «عدم اعتداء على الآخرين» لخفض التوتر بين طهران ودول المنطقة، وذلك في محاولة من الحكومة الإيرانية لإبعاد دول الجوار عن سياسة الإدارة الأميركية، بفرض أقصى العقوبات على طهران لتعديل سلوكها الإقليمي.
وكانت إدارة ترمب قد أعلنت العام الماضي 12 شرطاً تتضمن البرنامج النووي وأنشطة إيران لتصنيع الصواريخ الباليستية، ودور «الحرس الثوري» الإيراني المتمثل بأنشطة «فيلق القدس» الإقليمية.
وتصاعدت التوترات بين إيران والولايات المتحدة، بعد هجمات هذا الشهر على ناقلات نفط في منطقة الخليج. وجاءت الهجمات تزامناً مع حرب كلامية بين إيران والولايات المتحدة، عقب تشديد العقوبات النفطية، وتصنيف قوات «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب. وأرسلت الولايات المتحدة مجموعة قتالية تضم حاملة طائرات وقاذفات قنابل إلى منطقة الشرق الأوسط، وأرسلت قوات إضافية قوامها 1500 جندي إلى الخليج، مما أثار مخاوف من اندلاع صراع.
في شأن متصل، رحب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، باقتراح إيران توقيع معاهدة عدم اعتداء مع دول المنطقة أمس. وقال لافروف، في تصريحات بموسكو: إنها «يمكن أن تكون الخطوة الأولى نحو نزع فتيل التوترات» وفق ما نقلت وكالات روسية.
وجاء تعليق لافروف رداً على ما قاله نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، حول عرض إيران معاهدة عدم اعتداء مع دول الجوار.



طفل في جنوب لبنان ينجو بعد 14 ساعة تحت الأنقاض

دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
TT

طفل في جنوب لبنان ينجو بعد 14 ساعة تحت الأنقاض

دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)
دمار في موقع غارات جوية إسرائيلية استهدفت أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

بعد 14 ساعة قضاها تحت ركام مبنى استهدفته غارة إسرائيلية في جنوب لبنان، نجا الطفل علي خليفة من الموت بأعجوبة. لكنه خسر، كما يروي أحد أقربائه، والديه وشقيقته وجدتيه. واضطر الأطباء لبتر يده.

على سرير في قسم العناية المشدّدة للأطفال في أحد مستشفيات مدينة صيدا الساحلية قبل نقله إلى مستشفى أكثر تجهيزاً في بيروت، كان الطفل ذو السنتين تحت تأثير منوّم: رأسه ملفوف بضمادة بيضاء، وجفناه منتفخان، ووجهه المتورم تكسوه الجروح، في حين يخرج أنبوب التنفس الاصطناعي من فمه. وتبدو من تحت غطاء أبيض طبي يده المبتورة فوق المعصم.

بتأثّر شديد، قال حسين خليفة (45 عاماً)، خال والد الطفل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «علي هو الناجي الوحيد من عائلته. قُتل والده محمّد، وأمه منى، وشقيقته الصغيرة نور، وجدتاه. كان يتنفّس بصعوبة عندما أُخرج بعد 14 ساعة تحت الأنقاض».

الطفل اللبناني علي خليفة يرقد في المستشفى (أ.ف.ب)

واستهدفت غارة إسرائيلية ليل 29 أكتوبر (تشرين الأول) مبنى من طبقات عدة في بلدة الصرفند الواقعة على بعد قرابة 15 كيلومتراً جنوب صيدا؛ ما أسفر وفق حصيلة أوردتها وزارة الصحة في الليلة ذاتها عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 21 آخرين بجروح. لكن حصيلة القتلى ارتفعت في اليوم اللاحق، وفق سكان البلدة، إلى 15 قتيلاً غالبيتهم أقرباء.

«ما زال نائماً»

في اليوم التالي للغارة، أحضرت فرق الإنقاذ معدات ورافعات ثقيلة لرفع الأنقاض. وشاهد مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» في الموقع طبقات متكدسة من الركام، بعدما أسفرت الغارة عن تفتت المبنى بأكمله فوق رؤوس قاطنيه وتضرر أبنية وسيارات مجاورة.

وروى حسين: «كاد عمال الإنقاذ يفقدون الأمل في العثور على أحياء تحت الركام (...) حتى اللحظة التي أصابت الجميع بصدمة، حين ظهر علي بين الحجارة في رفش الجرافة، بعدما كان الجميع ظنوا أنه فارق الحياة».

بعد نقله إلى المستشفى، قرّر الأطباء المشرفون على علاج علي «بتر يده اليمنى من المعصم»، وفق ما قال حسين.

ونُقل علي في وقت لاحق إلى مستشفى في بيروت لاستكمال علاجه وحاجته إلى البقاء في العناية المشددة.

وقال حسين: «حين أصابت الغارة علي، كان نائماً على كنبة في منزله، وما زال حتى اليوم نائماً... ننتظر التئام جراحه وأن يصحو»، مضيفاً بتأثر شديد: «متى يصحو؟!».

عام من التصعيد

الطفل علي هو في عداد آلاف الجرحى الذين أصيبوا جراء غارات كثيفة تشنها إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول)، وتستهدف بشكل خاص معاقل «حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها، حيث أوقعت أكثر من 2600 قتيل، وفق وزارة الصحة.

وخلال أكثر من عام من التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل، أحصت وزارة الصحة مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين.

وقلبت الغارة الدامية على المبنى في الصرفند حياة الشقيقتين زينب (32 عاماً) وفاطمة (30 عاماً) خليفة رأساً على عقب خلال لحظات مرت ثقيلة عليهما في حين كانتا تتسامران في الغرفة ذاتها.

زينب خليفة ترقد في المستشفى (أ.ف.ب)

إثر الغارة، تم نقل الشقيقتين إلى مستشفى في الصرفند، لتبدآ رحلة علاج طويلة من كسور وشظايا وحروق وفقدان أحبة ترك ندوباً قاسية.

ونقل حسين خليفة، وهو خال الشقيقتين، عن زينب قولها إنها «لم تسمع أصوات الصواريخ التي انهالت على منزل عائلتها، بل شعرت بظلمة تعمّ المكان وصراخاً يصمّ الآذان».

وأوضح أنها بقيت ساعتين تحت أنقاض المبنى قبل نقلها إلى المستشفى حيث تبلغت لاحقاً بمقتل والديها وزوجها وأطفالها الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وسبع سنوات.

«أكبر من إصابة جسدية»

واستدعت إصابتها نقلها قبل أيام إلى أحد مستشفيات بيروت لحاجتها إلى تلقي علاج متخصص بالعيون، في حين تتابع شقيقتها فاطمة علاجها في مستشفى البلدة.

وشرح طبيب العناية الفائقة والتخدير علي علاء الدين من المستشفى في الصرفند، أن «الإصابات توزعت في أنحاء جسديهما: كسور في القدمين وتضرّر في الرئتين».

فاطمة خليفة ترقد في المستشفى (أ.ف.ب)

وبينما خضعت فاطمة في المستشفى لـ«عمليات ترميم الجمجمة والصدر، ومعالجة الرئتين»، فقدت شقيقتها زينب «إحدى عينيها وتحتاج العين الأخرى إلى علاج جراء إصابة بالغة»، وفق الطبيب.

وتكسو الجروح وجه زينب وتحيط بعينها اليمنى، في حين تغطي ضمادة بيضاء عينها اليسرى. أما شقيقتها فاطمة، فرأسها ملفوف بضمادات والحروق تعلو وجهها.

وتابع الطبيب: «حالة زينب وفاطمة ليست من أصعب الحالات التي نواجهها خلال الحرب، لكنها الأقسى من الناحيتين النفسية والإنسانية». وقال: «الأضرار النفسية التي لحقت بزينب أكبر بكثير من إصابتها» الجسدية.

ورغم أنها لا تتمكن اليوم إلا من رؤية نور خافت، قال الطبيب: «يبقى أملنا كبيراً في أن تستعيد الرؤية».