آلاف السجناء ينهون إضراباً عن الطعام في تركيا استجابة لنداء أوجلان

اعتداء على صحافي معارض ثانٍ خلال أسبوعين

أهالي وأنصار السجناء عقب الإعلان عن إنهاء إضرابهم عن الطعام في ديار بكر أمس (أ.ف.ب)
أهالي وأنصار السجناء عقب الإعلان عن إنهاء إضرابهم عن الطعام في ديار بكر أمس (أ.ف.ب)
TT

آلاف السجناء ينهون إضراباً عن الطعام في تركيا استجابة لنداء أوجلان

أهالي وأنصار السجناء عقب الإعلان عن إنهاء إضرابهم عن الطعام في ديار بكر أمس (أ.ف.ب)
أهالي وأنصار السجناء عقب الإعلان عن إنهاء إضرابهم عن الطعام في ديار بكر أمس (أ.ف.ب)

أنهت نائبة حزب «الشعوب الديمقراطي» (المؤيد للأكراد)، ليل جوفان، وآلاف المعتقلين الأكراد في سجون تركيا، حركة إضراب عن الطعام مستمرة منذ أشهر، استجابة لنداء من زعيم «حزب العمال الكردستاني» السجين في تركيا، عبد الله أوجلان، على خلفية إلغاء السلطات قرار منعه من مقابلة محامييه الأسبوع الماضي.
وأعلنت جوفان، وهي نائبة عن مدينة ديار بكر ذات الغالبية الكردية في جنوب شرقي تركيا، إنهاء إضرابها المفتوح عن الطعام الذي بدأته في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتبعها فيه آلاف السجناء، احتجاجاً على ظروف السجن الانفرادي لأوجلان، وفرض العزلة عليه، ومنعه من لقاء محامييه منذ عام 2011.
وقال دنيز كايا، أحد المتحدثين باسم السجناء، في بيان أمس (الأحد)، «نوقف إضرابات الجوع بطلب من أوجلان». وكان أوجلان قال، حسب نص قرأته محاميته نيروز أويصال، التي زارته مرتين خلال شهر مايو (أيار) الحالي، بعد منعها من ذلك منذ 2011، «أتوقع أن توقفوا تحرككم... هدفكم فيما يخصني تحقق، وأريد أن أعبر لكم عن ودي وامتناني». وقالت المحامية، في مؤتمر صحافي عقدته الأسبوع الماضي عقب زيارة أوجلان، إنه شدد خلال لقائها به على وجوب إنهاء إضرابات الجوع بعد أن حققت هدفها.
وسابقاً، أعلن حزب «الشعوب الديمقراطي» أن نحو 3 آلاف سجين يخوضون إضراباً عن الطعام انضم معظمهم إلى التحرك في الأشهر الأخيرة تضامناً مع نائبة الحزب ليلى جوفان، التي امتنعت عن تناول الطعام منذ نوفمبر الماضي، احتجاجاً على العزل المفروض على أوجلان في سجنه الانفرادي في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة، غرب تركيا، الذي يقبع فيه منذ اعتقاله في عام 1999 بعد الحكم بإعدامه، ثم تخفيفه إلى السجن مدى الحياة بعد إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا، في إطار مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي.
وتمكن اثنان من محاميي أوجلان من زيارته للمرة الأولى في 2 مايو (أيار) الحالي، ثم تمكنا من زيارته الأربعاء الماضي بعد رفع الحظر رسمياً، الأسبوع الماضي، خلال زيارة قام بها وفد من اللجنة الأوروبية لمناهضة التعذيب لعدد من السجون التركية، شملت سجن إيمرالي. وأعلن آنذاك وزير العدل التركي، عبد الحميد غل، أن قرار منع لقاء أوجلان بمحامييه قد ألغي، لكنه لم يوضح إذا ما كان وفد اللجنة التقى أوجلان.
وكان آلاف السجناء دخلوا إضراباً جزئياً عن الطعام، حيث يمتنعون عن تناول الأطعمة الصلبة، فيما خاض 30 منهم إضراباً أقسى عن الطعام، ولا يتناولون إلا ماءً محلى أو مالحاً.
وانتحر 8 من السجناء منذ بداية التحرك الداعم لأوجلان، حسب حزب «الشعوب الديمقراطي».
وأكد أوجلان، حسب محاميته أويصال، أن إلغاء منعه من مقابلة محامييه، لا يعني بدء «عملية مفاوضات» مع الحكومة، كما كان في عام 2013 قبل أن تنهار ما سميت بـ«عملية السلام الداخلي» في 2015، وهو ما أكده أيضاً الرئيس رجب طيب إردوغان.
ويرى أوجلان أن تركيا بحاجة، أساساً، إلى مفاوضات ديمقراطية وسلام مشرف، ويقول إن رد فعل السلطات سيتضح «في غضون 30 أو 40 يوماً»، دون مزيد من التفاصيل.
واعتقل أوجلان في كينيا في 15 فبراير (شباط) 1999، بعد هروبه إليها من سوريا، ثم حكم عليه بالإعدام في 29 يونيو (حزيران) من العام ذاته بتهمة الخيانة ومحاولة تقسيم تركيا، وتم استبدال الحكم في 2002 بالسجن المؤبد بعد إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا.
ورغم سجنه، والعزلة شبه التامة التي فرضتها السلطات التركية عليه، بقى أوجلان رمزاً لقيادة الأكراد الناشطين للمطالبة بالحكم الذاتي في تركيا منذ تأسيس «حزب العمال الكردستاني» عام 1984، حيث خلف نزاع مسلح بين مقاتلي الحزب والجيش التركي أكثر من 40 ألف قتيل من الجانبين.
على صعيد آخر، اعتدى مجهولون، ليل السبت - الأحد، بالضرب على الصحافي التركي المعارض لحكومة إردوغان، صباح الدين أونكبار، في واقعة هي الثانية من نوعها خلال أسبوعين فقط. وحسب وسائل إعلام تركية، انهال 3 أشخاص بالضرب على أونكبار الذي أصيب، وتم نقله إلى أحد مستشفيات العاصمة أنقرة للعلاج.
وقال أونكبار، في تصريح لموقع «أوضه تي في» الإخباري، إنه كان يتوقع مثل هذه الهجوم، مشيراً إلى أنه لولا أصحاب المحال التجارية بالمنطقة التي وقع بها الاعتداء لتم الفتك به. وكان صحافي آخر، هو ياووز سليم دميراتش، تعرض في 11 مايو الحالي لاعتداء بالضرب من قبل مجهولين ألحقوا به عدة إصابات في رأسه وجسمه، ما أدى إلى موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، شددت على أن حرية التعبير والرأي بتركيا باتت في خطر.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟