«المعتكف الكتابي» يتحدى ظاهرة «الشللية» في الوسط الثقافي المصري

تأسس بهدف {هزيمة الخوف والإبداع في الهواء الطلق}

من إحدى جلسات {المعتكف الكتابي}
من إحدى جلسات {المعتكف الكتابي}
TT

«المعتكف الكتابي» يتحدى ظاهرة «الشللية» في الوسط الثقافي المصري

من إحدى جلسات {المعتكف الكتابي}
من إحدى جلسات {المعتكف الكتابي}

مجموعة من الكتاب من مختلف الأعمار يحركهم شغف الكتابة، يرتحلون بعيداً عن صخب القاهرة وضجيجها، أملاً في الانتهاء من أول عمل أدبي لهم، يكشفون خلال رحلتهم عن التحديات التي يمرون بها وتقف كعقبات أمام ظهور كتاباتهم للنور. يساند بعضهم بعضاً، يقيمون حفلات توقيع وندوات أدبية وورش عمل في تحدٍّ لظاهرة «الشللية» في الوسط الثقافي المصري. هذه شهي فكرة «المعتكف الكتابي» التي أطلقتها الروائية المصرية هدى أنور، تحت شعار «بيت صناعة الأدباء بمصر والوطن العربي»، التي حققت نجاحاً لافتاً.
تقول هدى أنور، مؤسسة المعتكف لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت المبادرة مارس (آذار) 2017 وذلك عقب نشر أول رواية لي. الفكرة جاءت نتيجة للصعوبات التي واجهتها لكي تخرج روايتي للقراء، كان من بينها عقبات في تقنيات الكتابة والنشر والتوزيع؛ لذا فكرت في تقديم المساعدة للكثير من الشباب الموهوبين الذين تواجههم مشكلات أكبر من تقنيات الكتابة ذاتها... فكرت ما الذي يمكن تقديمه غير ورش العمل التقليدية، واهتديت إلى أن نعتكف مع الكتابة خارج القاهرة، في أماكن تتسم بالهدوء ذات طابع سياحي، سواء في وادي النطرون أو سانت كاترين وغيرها، وبالفعل لقيت الفكرة إقبالاً واسعاً».
وحول أهم المشكلات التي يعاني منها الكتاب الشباب، تقول صاحبة رواية «سحر حلال»: «من أبرز المشكلات ما يمكن أن أسميه (السّدة الكتابية)، وعدم الثقة بالنفس، والخوف من النقد وخروج العمل للقراء، والانشغال بالعمل اليومي، وهكذا». وتضيف: «نحن بصدد الإعداد للمعتكف الثاني عشر. وخلال عامين انضمّ إلينا أكثر من 100 كاتب وكاتبة، من مختلف الفئات العمرية، والجنسيات المقيمة في مصر، وفي عام 2017 نجحنا بالتعاون مع دار نشر (ليان) في إصدار 6 روايات، وخلال عام 2018 أصدرنا 16 كتاباً من بينها روايات ومجموعات قصصية».
الأمر اللافت أن المشاركين لا تنقطع علاقتهم عقب انتهاء المعتكف، بل تحرص هدى أنور على جمعهم في لقاءات دورية، وتحاول متابعة التقدم في استكمال مشروعهم الكتابي. وهي تشير إلى أن «المعتكف الكتابي ليس ورشة كتابية، ولكن رحلة خارج المألوف تبدأ بالخروج من عالم الواقع المليء بالأعباء والمسؤوليات إلى عالم ينفصل فيه المشتركون عن الواقع ويعتكفون على ذواتهم لإعادة إحياء موهبتهم الكتابية، وجميع المشاركين يشكّلون حلقة دعم بعضهم لبعض ولي أيضاً».
وحول النوع الأدبي للمعتكف تقول: «المعتكف معنيٌّ بأي نوع من أنواع الكتابة سواء رواية أو شعراً أو قصة قصيرة، وفي كل الأنواع يجد الكاتب عادةً مشكلات غالبها يكون نفسياً، ونحن نحاول مساعدته على التقدم وتخطي تلك العقبات». وتروي مثالاً على ذلك: «انضم إلينا الكاتب محمود فريد وقال لنا: كتبت 60% من روايتي ولا أتمكن من استكمالها. وكانت مشكلته في اعتقاده أنه لن يتمكن من الكتابة وإنهاء روايته. ثم نشرت روايته ونجحت بالفعل وانتشرت في عدد من الدول العربية. الأمر يتعلق بتعلم كيفية السيطرة على الصوت الباطني للكاتب وكيفية تخصيص وقت ومكان محددين للكتابة».
«الكتابة الإبداعية» هي ما يحرص المعتكف على تدريب المشاركين عليها، لذلك تقوم أنور أيضاً بتقديم استشارات كتابية. وهي ترفض الانتقادات الموجهة إليها لدعمها الكتاب الجدد بسبب ضعف نتاجهم، لافتةً إلى أن «النقد لا بد أن يكون بشكل بنّاء حتى لا نهدم موهبة. ونحن عادةً نُجري تقييماً مبدئياً لكل مَن ينضم إلينا لنعرف إذا كان جاداً أم لا، وإذا كان شغوفاً حقاً بالكتابة وهي علامات أولية لمن يريد استكمال مشواره الأدبي».
وحول المشكلات التي تواجه الملتقى، ذكرت أنور أن «المبادرة قامت بجهد ذاتي، والدولة دعمتنا معنوياً من خلال مشاركة المعتكف الكتابي ككيان في منتدى شباب العالم، لكننا نحتاج إلى دعم النشر لتقليل العبء المادي على الشباب».
وتقول الكاتبة رانيا بيومي، التي نشرت أول رواية لها عبر المعتكف الكتابي تحت عنوان «جميلة... هي الحياة»: «تجربتي في المعتكف الكتابي كانت من التجارب التي غيّرت مجرى حياتي بالفعل. المعتكف حالة تعيشين فيها بكل كيانك وتخرجين بها عن روتين الحياة اليومي... ساعدتني التجربة كثيراً في صقل موهبتي، ووضعي على الطريق السليم، فتحولت موهبة الكتابة عندي إلى عمل مطبوع ومتداول في المكتبات».
أما الروائية الأردنية دانة خياط فتقول: «كنت أكتب منذ فترة طويلة في مجلة خليجية ونشرت نحو 300 قصة، ولكن كنت أحتاج إلى توجيه ودعم، ووجدت بالفعل إعلان المعتكف الكتابي، وجئت لمصر وحضرت معتكفاً في القاهرة وفي الفيوم. وشاركت في القصص الجماعية وكتبت رواية لدعم مرضى السرطان بعنوان (رسائل البحر) صدرت في معرض القاهرة للكتاب». وتذكر أن العقبة الرئيسية بالنسبة إليها كانت النشر لكنها تخطت ذلك مع المعتكف الكتابي.
لم تكتفِ أنور بمبادرة «المعتكف الكتابي» بل أطلقت فكرة «أبجديات صناعة الرواية» كبرنامج مكثف لوضع الكتاب على الطريق الصحيح منذ بداياتهم. وعلى حد قولها: «الكتابة حرفة وهي كباقي المهن تحتاج إلى الممارسة وصقل المهارة وتعلم أساسياتها، وهو ما أحاول تعريف الشباب به عبر برنامج تدريبي مكثف مدته لا تتجاوز 16 ساعة يتعرف فيه المشارك على أبجديات كتابة الرواية وتقنيات نسج العمل الروائي وعناصره من أساليب السرد وخلق الشخصيات وغيرها، وهي دورة نعقدها على مدار يومين فقط بمكتبة مصر العامة، لمن لا يتمكن من حضور رحلة المعتكف الكتابي خارج القاهرة».
وتأمل أنور في أن تتوسع فكرة المعتكف الكتابي ليكبر وينتشر في العالم العربي.



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.