«سيدات القمر» رواية بريئة من الغزل المزعوم بالقيم الأوروبية

«سيدات القمر» رواية بريئة من الغزل المزعوم بالقيم الأوروبية
TT

«سيدات القمر» رواية بريئة من الغزل المزعوم بالقيم الأوروبية

«سيدات القمر» رواية بريئة من الغزل المزعوم بالقيم الأوروبية

أثار فوز الروائية العُمانية جوخة الحارثي بجائزة مان بوكر العالمية للرواية لعام 2019 عن رواية «سيدات القمر»، الصادرة عن «دار الآداب» ببيروت، التي ترجمت للإنجليزية بعنوان «أجرام سماوية»، ردود أفعال إيجابية في وسائل الإعلام المكتوبة على وجه التحديد. وقد حظيت الرواية بدراسات نقدية معقمة في الصحف والمجلات العربية إثر صدورها عام 2010، ثم تضاعف هذا الاهتمام بعد فوزها الناجز على 5 منافسين من مختلف أنحاء العالم. ورغم كل ما كُتب عنها من مقالات تقريظية، فإنّ هناك منْ يعترض، ويقف في الصف المناهض لمنح هذه الجائزة المرموقة لكاتبة عربية، مستندين إلى حجج واهية تقلل من أهمية الفائزة، وتدمغها بمختلف النعوت لأنها «غازلت» الغرب، وكتبت ما يلائم منظومتهم الفكرية والأخلاقية والثقافية. غير أنّ منْ يقرأ هذه الرواية التي ترجمتها مارلين بوث إلى الإنجليزية تحت عنوان «الأجرام السماوية» لا يجد فيها مثل هذا التحيّز أو الغزل المزعوم للقيم الأوروبية. فالتيمة الروائية للنص السردي تتمحور على مفهومي الحُب والحرية، وما بينهما من انتصارات وانكسارات، كما أنها تلمّح إلى سنوات الخلاف بين السلطان الذي يحكم المناطق الساحلية، والإمام الذي يبسط نفوذه على المناطق الداخلية، أي أنّ الزمن الروائي يمتد إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويمر بمرحلة الاستعمار البريطاني، والتمرّد الشيوعي في ظفار، ومرحلة التحول الاقتصادي بعد إنتاج النفط في سبعينات القرن الماضي، والنهضة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد، وغيّرت وجه البلد الذي بدأ يستجيب لاشتراطات الحداثة، والتقدم العمراني الذي زحف حتى على القرى النائية وغيّر ملامحها، كما هو الحال في قرية «العوافي» التي يدور فيها الجزء الأكبر من أحداث الرواية التي تفحص التاريخ العُماني وتتمثله جيداً، من دون أن تقع في فخاخه المموّهة.
الرواية سلسة الأسلوب، متدفقة الأحداث، والشخصيات الرئيسة فيها تنمو باضطراد، وتتغير تبعاً للتغيير الذي يحدث في أورقة المجتمع العُماني، فلم تعد التقاليد الموروثة قادرة على الوقوف بوجه التغييرات الجذرية التي طالت عموم المدن والقرى والبوادي النائية.
تركّز جوخة الحارثي على الأُسَر المتنفِّذة في قرية «العوافي»، مثل أسرة الشيخ مسعود، والتاجر سليمان، وعزّان وأسرته التي ستكون بؤرة الرواية وعمودها الفقري الذي يمتد من الجملة الاستهلالية حتى الجملة الختامية من هذا النص السردي الذي ينطوي على لغة متوهجة لا تجد حرجاً في التعالق مع الأقوال المأثورة والأمثال الشعبية والمحكية العُمانية. كما تُطعّم الكاتبة روايتها ببعض القصائد الغزلية لكبار الشعراء العرب، أمثال المتنبي وابن الرومي وقيس بن الملوّح وأبي مسلم البهلاني، وثمة تلاقحات كثيرة مع التصوّف والدين والفلسفة، وقد انتظمت هذه المحاولات كلها ضمن أنساق سردية منسابة تشابكت مع نسيج النص، وأصبحت جزءاً من مادته الأولية التي يستمتع بها القارئ على اختلاف مستوياته الثقافية، فالرواية لا تقتصر على الحُب والخيانة والهجرة وحرية التعبير، وإنما تغوص في السحر والقصص الخرافية والفلكلور العُماني وقضية الرقّ والمتاجرة بالعبيد، وما إلى ذلك من موضوعات حسّاسة لم تغادرها بعض شرائح المجتمع العُماني حتى الوقت الحاضر.
تهيمن الشخصيات النسائية على النص السردي الذي يُروى بضمير الغائب تارة، وبضمير المتكلم تارة أخرى، سواء على لسان عبد الله أو بقية الشخصيات التي تصنع الأحداث، وتأخذها إلى الذروة قبل أن تنحدر بها إلى النهاية المنطقية التي تُقنع القارئ، وتترك له فرصة التأمل وإعمال الذهن في تيمة النص الذي قرأه. غير أن هذه الشخصيات لا تنجح في قصص الحب التي تتقد بينها وبين المُحبين، خصوصاً الشقيقتين ميّا وخولة، ويمكن أن نستثني هنا علاقة أسماء بالفنان التشكيلي خالد، كما لم ينجح والدهنّ غزّان في قصة حبه مع نجيّة البدوية، الملقبّة بـ«القمر»، مثلما تتعثر علاقة الطبيبة «لندن» بأحمد، الشاعر المثقف الذي بدأ يراقبها ويُحصي عليها أنفاسها.
ولكي نوضح الهيكل المعماري للرواية لا بد من الوقوف عند هذه القصص العاطفية الخمس التي تبدأ بميّا وعبد الله ابن التاجر سليمان الذي لم تكن تحبه لأنها كانت معجبة بعلي بن خلف الذي عاد من لندن بلا شهادة، وكانت تردد دائماً أنها لا تريد شيئاً سوى أن تراه! ومع ذلك، فقد تزوجت عبد الله، وأنجبت بنتاً سمتها «لندن»، خلافاً لكل الأسماء المتعارف عليها في «العوافي»، مثل مريم وزينب وصفية.
تُعدّ قصة أسماء مع خالد ناجحة، فهو خريج كلية الفنون الجميلة، ومولع برسم الخيول، وقد وافق على أن تكمل دراستها، فنالت دبلوم المعلّمات، وأصبحت «الزوجة الحرّة في حدود فلكه، وليس خارجه».
أما قصة الأخت الثالثة فهي الأكثر درامية، ربما لأنه كانت تحب ابن عمّها ناصر حُباً جماً، وقد رفضت كل العرسان الذين تقدّموا إليها، كما أنها شخصية مثقفة قارئة نهمة، وكانت تقرأ الكتب التراثية لأبيها، وتحتفظ لنفسها بالكتب والروايات الحديثة. وحين تزوجها ناصر، تركها بعد مدة قصيرة، عقب أن استولى على الإرث، وغادر إلى مونتريال، حيث تنتظره الزوجة الكندية التي آوته في بيتها عشر سنوات، قبل أن تطرده من منزلها وحياتها نهائياً. عندها، قرر العودة إلى بلده بعد أن أنجبت له أسماء خمسة أطفال، واطمأنت على مستقبلهم، فطلبت منه الطلاق، لتطرده هي الأخرى من حياتها.
تتقن جوخة الحارثي اللعبة السردية، وتضبط إيقاعها الهادئ الذي لا يلتزم بوحدة النص، ولا يضطر لاتباع الزمن الكرونولوجي، فلا غرابة أن تتداخل الأزمنة والأمكنة والأحداث، ثم تنتظم في فصول قصيرة لم تستعمل فيها الروائية الترقيم أو العناوين الداخلية، ومع ذلك فقد جاء النص الروائي شيقاً مرناً لا تعيقه العثرات السردية الناجمة عن تكرار بعض الأحداث أو جزء منها في المتن الروائي.
أما القصة الرابعة فهي قصة الطبيبة «لندن» التي أحبت أحمد، الشاعر المتمرد، قبل أن تكتشف خيانته، فقد أهانها أكثر من مرة، فقررت أن تفسخ خطوبتها، وتُبطل العقد الذي يربطهما، فهي امرأة شاعرية تحلم بأن تجلس فوق الغيم.
وتُعدّ قصة نجيّة البدوية مع عزّان أخطر القصص على الإطلاق لأنها تطعن في الموروث البدوي المتأصل في تلك المضارب، لكنها تتناغم مع الحسّ الإنساني لأي كائن بشري، بغض النظر عن جذره الاجتماعي، سواء أكان بدوياً أم قروياً أم مدينياً، فهو إنسان بالنتيجة، وله مطلق الحق في التعبير عن مشاعره ورغباته الداخلية. فنجيّة وقعت بطريقة غريبة في حُب عزّان، فهي تقول: «سيكون لي، ولن أكون له... سيأتيني حين أشاء، ويذهب حين أشاء». اختفت البدوية، فانتشرت الإشاعات التي تتحدث عن مرضها، أو استعانة زوجة عزّان بالسحر، أو قتلها على يد ابنها المنغولي الذي علموه استعمال المسدس. ورغم تعدد القصص الرئيسة، فإن جوخة الحارثي تؤثث المتن السردي بقصص جانبية كثيرة عن الاستعمار البريطاني والعبودية والهجرة إلى الكويت ومصر وكندا، والتحولات الكبرى التي شهدتها عُمان خلال السنوات التي أعقبت اكتشاف النفط وتصديره بكميات تجارية كبيرة غيّرت وجه البلاد وألسنة أهلها الذين بدأوا يتحدثون بالإنجليزية في المطاعم والفنادق الراقية. وقد أصدرت جوخة رواية «منامات» 2004، و«نارنجة» 2016، إضافة إلى سبعة كتب أخرى في القصة القصيرة، والنقد الأدبي، وأدب الأطفال.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)
الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر بيت الفلسفة بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة، هو أول مؤتمر من نوعه في العالم العربي ويشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً من تعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة مثل الفلسفة والأدب والعلوم.

ويتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطور الفكر المعاصر.

الدكتور عبد الله الغذامي (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويسعى المتحدثون من خلال هذا الحدث إلى تقديم رؤى نقدية بناءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي ومفاهيم مثل «نقد النقد» وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

وتسعى دورة المؤتمر لهذا العام لأن تصبح منصة غنية للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش، حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

ويأتي المؤتمر في ظل الاحتفال بـ«اليوم العالمي للفلسفة» الذي يصادف الخميس 21 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والذي أعلن من قبل «اليونيسكو»، ويحتفل به كل ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر، وتم الاحتفال به لأول مرة في 21 نوفمبر 2002.

أجندة المؤتمر

وعلى مدى ثلاثة أيام، تضم أجندة مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة؛ عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتتح اليوم بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد بيت الفلسفة، وكلمة لأمين عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتتضمن أجندة اليوم الأول 4 جلسات: ضمت «الجلسة الأولى» محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

كما ضمت الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أمّا الجلسة الثالثة، فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما تضم الجلسة الرابعة، محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، ويرأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما تضم أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

الدكتور أحمد البرقاوي عميد بيت الفلسفة (تصوير: ميرزا الخويلدي)

ويتكون برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر 2024) من ثلاث جلسات، تضم الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، ويرأس الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وتضم الجلسة الثانية، محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، ويرأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وتضم الجلسة الثالثة، محاضرة الدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم إي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

ويتكون برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تتناول الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي على طلاب الصف الخامس» تشارك فيها شيخة الشرقي، وداليا التونسي، والدكتور عماد الزهراني.

وتشهد الجلسة الثانية، اجتماع حلقة الفجيرة الفلسفية ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.