مودي يبدأ محادثات لتشكيل حكومته... وتكهنات باستقالة زعيم حزب المؤتمر

مودي يجتمع مع الرئيس الهندي أمس بعد فوزه بالأغلبية البرلمانية والتي تخوله تشكيل حكومته القادمة (أ.ف.ب)
مودي يجتمع مع الرئيس الهندي أمس بعد فوزه بالأغلبية البرلمانية والتي تخوله تشكيل حكومته القادمة (أ.ف.ب)
TT

مودي يبدأ محادثات لتشكيل حكومته... وتكهنات باستقالة زعيم حزب المؤتمر

مودي يجتمع مع الرئيس الهندي أمس بعد فوزه بالأغلبية البرلمانية والتي تخوله تشكيل حكومته القادمة (أ.ف.ب)
مودي يجتمع مع الرئيس الهندي أمس بعد فوزه بالأغلبية البرلمانية والتي تخوله تشكيل حكومته القادمة (أ.ف.ب)

بعد فوزه في الانتخابات بأغلبية برلمانية كاسحة وتاريخية بدأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي جولة من المحادثات أمس الجمعة لتشكيل حكومة جديدة تعكف على معالجة تحديات أخرى تواجه فترة ولايته الثانية. وينظر لهذه الانتخابات على أنها بمثابة استفتاء على السياسيات القومية الهندوسية لمودي. وحقق مودي فوزه رغم البطالة المتزايدة والمخاوف من تباطؤ الاقتصاد والاستقطاب الديني. وقال متحدث باسم الحكومة إن مودي سيجتمع مع الوزراء لمناقشة تشكيل حكومة جديدة. وأظهرت مفوضية الانتخابات حصول حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي بزعامة مودي على 302 مقعد من أصل 545 مقعدا برلمانيا، مقابل 282 مقعدا حققها الحزب في الانتخابات السابقة. ويبدو أن الائتلاف الوطني الديمقراطي بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا في طريقه للفوز بنحو 350 مقعدا، حسب قناة «إن دي تي في»، وذلك مع اقتراب عملية الفرز من نهايتها. ومن شأن هذا أن يجعل بهاراتيا جاناتا أول حزب يحصل منفردا على أغلبية لمرتين متعاقبتين في مجلس النواب منذ عام 1984.
وشهدت الانتخابات العامة الهندية، التي تعد أكبر ممارسة ديمقراطية في العالم، مشاركة 605 ملايين مواطن، أي 67 في المائة من إجمالي الناخبين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم، في الانتخابات التي أجريت في الفترة من 11 أبريل (نيسان) وحتى 19 مايو (أيار).
ولم يحدد مودي بعد موعد تدشين إدارته الجديدة لكن مسؤولين في حزب بهاراتيا جاناتا توقعوا أن يتحرك سريعا نحو ذلك. ومن المنتظر اتخاذ قرار سريع بشأن إبقاء أرون جيتلي القيادي البارز في حزب بهاراتيا جاناتا في منصبه وزيرا للمالية رغم سوء حالته الصحية أو تعيين وزير السكك الحديدية والفحم بيوش جويال محله. وتولى جويال (54 عاما) المنصب مؤقتا مرتين خلال حكم مودي عندما كان جيتلي مريضا. ورغم سيطرة حزب بهاراتيا جاناتا وحلفائه على مجلس النواب، يقول محللون إنه لم يحصل بعد على العدد المطلوب في المجلس الأعلى بالبرلمان لتمرير إصلاحات قاسية مثل تيسير القوانين المتعلقة بالعمل والأرض كما تطلب دوائر الأعمال.
وعاد التركيز مجددا إلى الاقتصاد الذي يعاني تباطؤا في وقت تتصاعد خلاله الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتتجه أسعار النفط العالمية صوب الارتفاع بعد حملة انتخابية سادها الانقسام والتشاحن.
وكتب رام مادهاف الأمين العام لحزب بهاراتيا جاناتا في عمود رأي في صحيفة (إنديان إكسبرس) اليومية «على الرغم من أن صورة الاقتصاد الكلي تبدو مستقرة وواعدة، تحتاج شرائح مهمة كثيرة لدعم الحكومة». وأضاف، كما نقلت عنه وكالة «رويترز»: «لا يمكن للهند أن تظل بمنأى تام عن الحرب التجارية الراهنة بين الولايات المتحدة والصين أو النزاع الجيو - استراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران».
وفي سياق متصل أفادت تقارير أمس الجمعة بأن حزب المؤتمر المنافس، الذي مُنِي بهزيمة هي الثانية في الانتخابات العامة الأخيرة، سيعقد اجتماعا رفيع المستوى قد يقدم فيه زعيم الحزب راهول غاندي استقالته. وجاء حزب المؤتمر في المرتبة الثانية بـ52 مقعدا، وهو تحسن طفيف مقارنة بـ44 مقعدا حصل عليها في عام 2014 وهو أقل عدد من المقاعد يناله الحزب على الإطلاق. ومن المقرر أن تجتمع اللجنة التنفيذية للحزب، والتي تمثل هيئة اتخاذ القرارات، في وقت مبكر اليوم السبت لتحليل الأسباب وراء الهزيمة الساحقة التي تعرض لها، حسبما قال عضو اللجنة التنفيذية أفيناش باندي للصحافيين.
ونقلت وسائل الإعلام الوطنية الرئيسية عن مصادر بالحزب قوله إن مستقبل رئيس حزب المؤتمر، راهول غاندي، 48 عاما، وريث سلالة نهرو - غاندي، سيكون على جدول أعمال الاجتماع. وقالت التقارير إن غاندي سيقدم استقالته ولكن ليس من المتوقع أن يقبلها المسؤولون البارزون بالحزب، حيث سيتحملون المسؤولية الجماعية عن الهزيمة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟