رئيس جيبوتي: استضافة السعودية «القمم الثلاث» تعزيز للوحدة والأمن والاستقرار

جيلة قال لـ «الشرق الأوسط» إن بلاده تأمل في ترسيم الحدود مع إريتريا قريباً بفضل الجهود السعودية المستمرة

الرئيس الجيبوتي عمر جيلة
الرئيس الجيبوتي عمر جيلة
TT

رئيس جيبوتي: استضافة السعودية «القمم الثلاث» تعزيز للوحدة والأمن والاستقرار

الرئيس الجيبوتي عمر جيلة
الرئيس الجيبوتي عمر جيلة

أكد الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة، أن استضافة السعودية للقمم الثلاث الخليجية والعربية والإسلامية، يعد استشعارا بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقها، مشيرا إلى أن هذه القمة، ستسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في هذا الظرف الدقيق الذي يحيط بالمنطقة.
وتطلع إلى أن تخرج القمة الإسلامية، بقرارات تسهم في حل الأزمات والحفاظ على الوحدة والتضامن بين الدول الإسلامية صونا للسلم والأمن وتحقيقا للاستقرار، مشيراً إلى أن السعودية «رأس العرب وقبلة الإسلام والمسلمين وأي عدوان يستهدفها يعني الأمتين العربية والإسلامية».
وقال الرئيس الجيبوتي في حوار مع الشرق الأوسط»، إن استهداف محطتي ضخ نفط بالسعودية، هي من أعمال الإرهاب التي تهدد أمن المنطقة وسلامة إمدادات الطاقة، مشدداً على ضرورة التكاتف الدولي لمواجهة هذه الأعمال الإجرامية. كما نوّه إلى أن التعدي على المياه الإقليمية بالخليج والبحر الأحمر يهدد الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وهو عمل مرفوض ومستنكر بشدة.
وبيّن جيلة أن الأزمات التي تعيشها المنطقة، حاليا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والأوضاع في سوريا واليمن وليبيا والعراق وغيرها من البلاد العربية، ستكون أهم أجندة على طاولة القمم التي تستضيفها المملكة نهاية الشهر الحالي. وأكد أن بلاده تراقب تطورات الأحداث بالسودان، مبدياً استعداده لبذل كل ما يحفظ استقرارها.

> تشاركون في القمة الإسلامية في الأيام القليلة المقبلة بجانب قمتين عربية وخليجية... ما أهم التحديات التي تواجهها؟
- هذه القمم المقررة في 25 و26 رمضان بمكة المكرمة، تتزامن مع ظروف حرجة وتحديات متشعبة يمر بها العالم الإسلامي، فكثير من الدول الإسلامية والعربية تشهد أوضاعاً مضطربة بينها اليمن وسوريا وليبيا والعراق والجزائر والسودان والصومال، وكذلك الانتهاكات المستمرة التي يقوم بها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية والقدس الشريف، إلى جانب تنامي التطرف والإرهاب الذي يهدد الأمن العالمي، وكذلك مهددات المياه الاقتصادية في المنطقة.
وهي تحديات كبيرة تحتاج لجهد كبير لبحث المهددات الأمنية في المنطقة، وتحديدا حادث الفجيرة الأخير، وتدارس التطورات الإقليمية في إطار عربي وإسلامي موحد لبحث هذه الاعتداءات وتداعياتها على المنطقة.
> ما الثمرات المرجوة من القمم وأهم التوصيات التي تتطلعون إليها؟
- نأمل بأن تسلط القمة الضوء على مختلف المشاكل والأزمات التي تعصف بالعالم الإسلامي، وأن تخرج بقرارات مهمة من شأنها الإسهام في حل تلك الأزمات، والحفاظ على الوحدة والتضامن بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وتطوير العلاقات فيما بينها، صونا للسلم والأمن، وتحقيقا للاستقرار والازدهار.
نحن متفائلون بانعقاد هذه القمم الطارئة بقيادة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في أقدس بقعة على وجه الأرض مكة المكرمة، وفي ليالي القدر، آملين لهذه القمم التوفيق والسداد وكسب بركة الزمان والمكان.
> إلى أي حد ستكون القضية الفلسطينية والأزمتان السورية واليمنية والوضع في ليبيا والعراق محوراً رئيسياً في هذه القمة؟
- القضية الفلسطينية هي القضية الإسلامية والعربية المركزية الأولى، ومن الطبيعي أن تحتل الصدارة في كل اجتماع عربي وإسلامي. ولا شك أن الأزمة السورية وكذلك الأزمة اليمنية وما تشهده ليبيا والعراق من أوضاع أمنية مضطربة، أمر يثير القلق.
وبخصوص الأزمة السورية فإننا لا نزال متمسكين بأن الحل الوحيد لهذه المأساة هو الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري، ويعتمد على مقومات الحفاظ على وحدة البلاد ويصون استقلالها ويعيد لها الأمن والاستقرار.
وبالنسبة للأزمة اليمنية، فإننا نجدد دعوة الأشقاء إلى التكاتف من أجل دعم الشرعية الدستورية، والوقوف إلى جانب هذا البلد الشقيق وقيادته الشرعية، وإنهاء حالة الانقلاب الذي خلق الفوضى في اليمن، وأدى إلى ما آلت إليه الأمور، على أن يكون الحل السلمي والسياسي المبني على مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية هو المخرج من هذه الأزمة.
كما نجدد دعمنا للأشقاء في ليبيا، وندعو الأطراف الليبية إلى التكاتف وإنهاء الانقسام والصراع، بما يحقق تطلعات الشعب الليبي الشقيق للأمن والاستقرار والرخاء. وعلى الصعيد ذاته، نجدد دعمنا للعراق الشقيق في جهوده الرامية لتبيث الأمن والاستقرار والقضاء على العصابات الإرهابية.
> تتعرض المياه الإقليمية سواء في الخليج العربي أو البحر الأحمر وباب المندب إلى مهددات أمنية... ما تقييمكم لحجم هذه الأخطار ؟
- عادة ما ترتبط الخطورة الأمنية الشديدة بالأهمية الاستراتيجية العالية للموقع؛ ولهذا فإن ثمة مهددات متشعبة تحدق بالمياه الإقليمية العربية، ومن أبرزها: التطرف والإرهاب، والقرصنة البحرية، وإذكاء النعرات الطائفية، والتدخل السلبي من بعض القوى الدولية والإقليمية، وكلها عوامل تفرض حيطة وحذرا شديدين وتنسيقا دوليا عالي المستوى للحفاظ على الأمن والسلم العالميين.
ومعلوم أن معظم السواحل العربية تشرف على ممرات ملاحية بالغة الحساسية مثل مضيقي باب المندب في البحر الأحمر، وهرمز في الخليج العربي، وكلاهما في غاية الأهمية من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية؛ فالبحر الأحمر يتميز بمميزات استراتيجية هائلة منها طول سواحله، وتوسطه للقارات الثلاث: أفريقيا وآسيا وأوروبا، إضافة إلى أن أكثر من 13 في المائة من التجارة حول العالم تمر عبر مضيق باب المندب ذي الأهمية الشديدة. وكذلك الحال في مضيق هرمز الذي يعد شريان نفط الخليج العربي، وتمر عبره نحو 30 في المائة من الخام والسوائل النفطية المشحونة بحرا في العالم، و90 في المائة من المنتجات النفطية الخليجية.
> تعرضت الإمارات لهجوم على 4 سفن... ما خطورة ذلك ومن المستفيد منه؟
- التعرض للملاحة العالمية وتهديد السلم والأمن الدوليين عمل مرفوض ومستنكر بشدة، وعليه فإننا ندين بأقسى العبارات العملية الإرهابية التي استهدفت مؤخرا أربع سفن تجارية مدنية قرب إمارة الفجيرة وفي المياه الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، وأياً كان المستفيد من هذا الحادث فإنه يضاعف المسؤوليات للتنبه إلى خطر محتمل على هذه المنطقة الحيوية.
> إلى أي حد يشكل التدخل الإيراني في دول المنطقة واستهداف السعودية بالصواريخ والطائرات المسيّرة تهديداً لأمن واستقرار المنطقة العربية والخليجية؟ وما تطلعاتكم لكبح جماح أطماعها بالمنطقة؟
- السعودية هي الشقيقة الكبرى ورأس العرب وقبلة الإسلام والمسلمين، وأي عدوان يستهدفها فهو يستهدفنا جميعا، ومن هنا نجدد الإدانة والتنديد بالاعتداء الأخير على محطتي ضخ نفط في الداودمي وعفيف بمنطقة الرياض، باستخدام طائرات دون طيار، ومن قبله الصواريخ الباليستية التي استهدفت أكثر من موقع في المملكة. ومؤخرا استهداف مدينة جدة في منطقة مكة المكرمة قبلة المسلمين حيث الكعبة المشرفة.
ونؤكد أن هذه الأعمال الإرهابية تشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة، وسلامة إمدادات الطاقة، كما نجدد تضامننا المطلق مع المملكة حكومة وشعبا في مواجهة هذه التهديدات الأمنية وكل ما من شأنه النيل من أمن واستقرار بلاد الحرمين الشريفين، ونشدد على ضرورة التكاتف الدولي لمواجهة هذه الأعمال الإجرامية.
> كيف تقيّمون مستوى العلاقات السعودية - الجيبوتية على المستوى السياسي والاقتصادي؟
- العلاقات الجيبوتية السعودية تضرب جذورها في أعماق التاريخ وتمتد إلى ما قبل نيل جيبوتي الاستقلال عام 1977؛ إذ كان للمملكة دور بارز في دعم شقيقتها جيبوتي للحصول على الاستقلال. أؤكد مرة أخرى أن علاقات أخوية تاريخية متينة تربطنا بالمملكة الشقيقة تقوم على أسس راسخة من الثقة والتفاهم والتنسيق العالي على المستويات كافة، ما يعكس توافقا تاما وتناغما في الرؤى السياسية في كثير من الملفات والأزمات الدولية والإقليمية.
ومنذ زيارتي الرسمية ولقائي بأخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، فإن علاقاتنا مع المملكة شهدت نقلة نوعية كبيرة، كما أنها تزداد قوة ومتانة يوما بعد يوم، وأصبحت استراتيجية. وأنا على تواصل دائم بأخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وكذلك ولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وعلى صعيد التعاون والتنسيق المستمر، هناك اللجنة الجيبوتية السعودية المشتركة التي تمثل إطارا عاما يندرج تحته التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، وعقدت أواخر أبريل (نيسان) الماضي دورتها الثالثة بنجاح في جيبوتي، إضافة إلى وجود مجلس مشترك لرجال الأعمال الجيبوتيين والسعوديين، انعقدت دورته الثانية أيضا أواخر أبريل الماضي في جيبوتي. يضاف إلى ذلك اللجنة العسكرية المشتركة التي تختص بالتعاون العسكري بين البلدين، واللجنة الأمنية المشتركة التي تختص بالتعاون الأمني.
> ما موقفكم مما آل إليه الوضع في السودان؟ وإلى أي حد مستعدون للإسهام في خلق شكل من التوافق السياسي؟
- كنّا على مر التاريخ - وما زلنا - متضامنين مع السودان الشقيق، انطلاقاً من عمق ومتانة العلاقات التي تربطنا به. وكما عرفت جيبوتي بأدوارها المشرّفة في رعاية السلام والمصالحات في القرن الأفريقي، فإنها أسهمت بجهود تصالحية للتقريب بين فرقاء السودان في مراحل سابقة، ومن ذلك اتفاق السلام الشامل الذي رعيناه أواخر عام 1999 بين الحكومة السودانية وحزب الأمة المعارض، بحضور الرئيس السابق للسودان عمر حسن البشير ورئيس حزب الأمة رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، وأسهم ذلك الاتفاق في حلحلة كثير من المشكلات والصراعات التي كانت قائمة آنذاك، كما وضع الفرقاء على طريق التعايش السلمي وتغليب المصلحة العليا.
وفي المرحلة الحالية، فإن جمهورية جيبوتي تراقب تطورات الأحداث التي يمر بها السودان الشقيق، وتبدي استعدادها التام من خلال عضويتها في كثير من المنظمات القارية والإقليمية لبذل كل ما يحفظ استقرار السودان الحبيب ووحدته، ويحقق مصلحة شعبه الشقيق.
> لا يزال الصومال يعاني الفوضى بسبب نشاط الجماعات المسلحة فضلا عن نشاط القرصنة وغيره... ما الدور الذي تضطلع به جيبوتي تجاه هذا الأمر؟
- انطلاقاً من العلاقات المتينة بين جيبوتي والصومال، والتداخل الإنساني الكبير بين البلدين الشقيقين، فإن جيبوتي كانت - وما زالت - إلى جانب شقيقتها الصومال لدعمها ومساندتها في كل ما تواجهه من أزمات ومشاكل. وعلى سبيل الاختصار، يمكن إلقاء الضوء على ذلك من خلال عدة نقاط منها استقبال لاجئي الحروب الأهلية في الصومال مطلع التسعينات عقب انهيار الدولة المركزية، وتنظيم كثير من المؤتمرات الرامية إلى تحقيق مصالحة وطنية وبناء حكومة ائتلافية، حتى انتقل الصومال من مرحلة الحكومات الانتقالية إلى نمط الحكومة الفيدرالية الحالي.
ومعلوم أن جيبوتي رعت أكثر من مبادرة ومؤتمر لإعادة بناء الصومال وإنهاء الانقسام بين الفرقاء فيه على مدى أكثر من عقدين، أشهرها مؤتمر عرتا للمصالحة الذي أقيم في مايو (أيار) 2000 بمحافظة عرتا في جيبوتي، وكان ذلك المؤتمر أساسا للمصالحات القبلية والسياسية وقاعدة بعد ذلك لوضع الميثاق والدستور. وجدير بالذكر أيضاً أن أول مؤتمرين للمصالحة الصومالية عُقدا في جيبوتي.
وكذلك المشاركة العسكرية الميدانية ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية «أميصوم» لإعادة الأمن والاستقرار، إذ إن جيبوتي تشارك بأكثر من ألفي جندي ضمن قوات أميصوم المتمركزة في الصومال.
وسبق أن أكدنا في أكثر من مناسبة أن الصومال بدأ في السنوات الأخيرة، يستعيد عافيته بعد أن بنى مؤسساته الدستورية بنفسه وخاض أكثر من تجربة انتخابية ديمقراطية رغم التحديات الأمنية الجسيمة، مما يقودنا مرة أخرى إلى التأكيد على أن الصومال بحاجة إلى مساندة قوية من الدول الإسلامية والعربية، وإلى دعم عاجل يمكّنه من تجاوز الأزمات التي طال أمدها، بما يحفظ وحدة أراضيه واستقلاله ويصون كرامته.
> ما التطورات على صعيد العلاقات الجيبوتية الإريترية بعد المصالحة التي قادتها السعودية في جدة مؤخراً؟
- أتت جهود حلحلة الأزمة الجيبوتية الإريترية، ضمن حراك دبلوماسي نشط شهده القرن الأفريقي خلال النصف الثاني من العام الماضي، وتم تتويجه بالمصالحة التاريخية في جدة التي رعاها أخي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، بحضوري الشخصي ورئيس إريتريا آسياسي أفورقي. وكانت هذه المصالحة التاريخية إيذاناً بطي صفحة القطيعة بيننا وبين الجارة إريتريا واستعادة الثقة بين الجانبين، وفي الطريق إلى وضع حل نهائي لأسباب الخلاف بالوصول إلى ترسيم الحدود المرضي لكلا الطرفين، ليكون حلاً أبدياً لكل الأجيال المقبلة. ونأمل بأن يتم ذلك قريباً باستمرار الجهود السعودية في هذا الصدد.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.