السلطة تستخدم مدرعاتها الجديدة في مواجهة «شبح الفلتان»

استخدمت السلطة الفلسطينية لأول مرة منذ يومين مركبات مدرعة أرسلتها واشنطن، للسيطرة على مشكلات عائلية في مدينة الخليل في الضفة الغربية. وظهرت المدرعات في وقت تفاقمت فيه الدعاية الإسرائيلية حول انهيار محتمل للأجهزة الأمنية الفلسطينية، إذا توقف التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل بفعل السياسات الإسرائيلية والأميركية، وفي وقت استخدمت فيه العائلات أسلحتها في «الطوشة» العادية، إلى الحد الذي بدا فيه الأمر كأنه يمكن أن يخرج عن السيطرة.
وهذه المدرعات الجديدة أرسلت قبل شهور من قبل الولايات المتحدة إلى السلطة، وصادق عليها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن آنذاك أفيغدور ليبرمان، بهدف تعزيز أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في مواجهة ظروف معقدة.
وجاء القرار الإسرائيلي على خلفية الأزمة المالية التي عصفت بالسلطة، بعد قرار إسرائيل خصم أموال من العوائد الضريبية الخاصة بالفلسطينيين، كعقاب على استمرار السلطة في دفع رواتب عائلات مقاتلين وأسرى، وهي الأزمة التي تثير قلقاً من اتساع حالة الفلتان الأمني.
وقال مسؤول إسرائيلي إن السلطة الفلسطينية طلبت منذ 4 سنوات المصادقة على إدخال المركبات المدرعة، ولكن إسرائيل كانت ترفض ذلك، قبل أن تؤيد الولايات المتحدة الطلب الفلسطيني. وتسلمت السلطة بالفعل 10 مركبات من الأردن، بعد أن تلقى عناصر أمن فلسطينيون تدريبات مكثفة في المملكة على قيادتها واستخدامها.
وقالت مصادر سياسية في إسرائيل، إنه «قبل تسعة شهور، تقرر تقديم عشر آليات مصفحة لتكون بمثابة هدية من الولايات المتحدة الأميركية، باعتبار أن إسرائيل لا تستطيع الاعتراض على إرادة الولايات المتحدة. ولذلك فقد صادق عليها كل من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن في حكومته في ذلك الوقت، أفيغدور ليبرمان، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غادي آيزنكوت».
وعلى الأثر تم إرسال المدرعات العشر إلى الأردن، وهي مفككة إلى قطع، وتم تجميعها وتركيبها في قاعدة عسكرية في الأردن، ثم أدخلت عبر الحدود الجنوبية من جسر اللنبي إلى الضفة الغربية في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بشكل اعتيادي وبلا ضجيج. ويدور الحديث عن سيارات عسكرية رباعية تلقت تصفيحاً ضد الرصاص.
وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط»، إن إسرائيل أعاقت لسنوات طويلة حصول السلطة على مثل هذه المدرعات، حتى في ظل أفضل مراحل التنسيق الأمني بين الطرفين. وأضافت: «قبل نحو 10 سنوات رفضت إدخال 50 مدرعة روسية، على الرغم من إجراء تعديلات طلبتها إسرائيل بنفسها، من بينها إزالة أسلحة هجومية».
وتابعت: «هذه المرة جرى إدخال المصفحات بعد أن جرى تصفيحها إلى مرحلة محددة. ليس تصفيحاً عالياً».
والمقصود بذلك تصفيح ضد الأسلحة الخفيفة وليست الثقيلة. ويبدو أن المدرعات على بساطتها أدت الغرض المطلوب، وهو إظهار هيبة أو قدرة السلطة على رفع مستوى النار إذا أرادت التعامل مع حالات الفوضى.
وحظيت المصفحات الجديدة باهتمام فلسطيني وإسرائيلي على السواء، وتحولت إلى مادة للنقاش في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وغمز معارضون في قناة السلطة متسائلين: ضد من ستستخدم هذه المدرعات؟.
وذهبت مصادر سياسية في تل أبيب للقول إن النشر عنها في هذا الوقت، ومصاحبة النشر بزوبعة إعلامية، جاء في إطار المعارك الداخلية الإسرائيلية، وفي إطار المماحكات بين مختلف عناصر الائتلاف الحكومي في إسرائيل، إذ إن هناك من له مصلحة في القول: «إن نتنياهو استجلب هذه المجنزرات حتى يفرض أمراً واقعاً على وزير أمنه القادم، ليبرمان، فيما رأت جهات أخرى أن من نشر هذا النبأ هو اليمين المتطرف، حتى يشكل ضغطاً على نتنياهو ويتنازل في المفاوضات الائتلافية. وقد استغل نتنياهو هذا النشر ليرد على منتقدي سياسته، الذين يتهمونه بتقوية حكم «حماس» وتمويله بثلاثين مليون دولار قطرية شهرياً. فقال إن سماحه بدخول المجنزرات يدل على أنه يوازن بين «حماس» والسلطة.
لكن رؤساء المجالس الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة هاجموا هذه الخطوة، واعتبروها دليل استهتار من حكومة نتنياهو بحياة السكان (يقصدون المستوطنين)، ومخاطرة غير معقولة، زاعمين أن «تزويد (مخربين) بمركبات مصفحة ومزودة برشاشات، هو قرار قد يكلف كثيراً من الدماء».
وقال يوسي داغان، رئيس المجلس الاستيطاني «شمرون»، إن «كثيراً من العمليات التي حدثت في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، تمت برعاية أو بمساعدة رجال (فتح) وعناصر من أمن السلطة».
ولم تعقب السلطة رسمياً على أمر المدرعات الجديدة، كما لم تعقب على تقارير حول احتمال انهيار أو اتساع رقعة الفلتان.