عالية عبد العزيزمصممة حقائب بنكهة إنسانية

المصممة  عالية عبد العزيز
المصممة عالية عبد العزيز
TT

عالية عبد العزيزمصممة حقائب بنكهة إنسانية

المصممة  عالية عبد العزيز
المصممة عالية عبد العزيز

على ممشى العروض نفسه الذي تسير عليه عارضات كبريات دور الأزياء الإيطالية، عرضت مصممة الحقائب المصرية عالية عبد العزيز أحدث تشكيلاتها، ولسان حالها يقول «كأني أحلم».
شاركت عالية في أسبوع ميلانو لموضة خريف وشتاء 2019 - 2020. وأتيحت لها فرصة ذهبية أن تعرض للعالم مجموعة من الحقائب المصرية المُطعمة بأحدث خطوط الموضة العالمية. مشاركة أي مصمم مبتدئ في أسبوع الموضة لا تأتي مجاملة، فالأمر يخضع لقواعد صارمة، أهمها التميز، خصوصاً إذا كان أسبوع موضة بارزاً مثل الذي تستضيفه ميلانو، فكيف جاءت الفرصة لرائدة أعمال في بداياتها مثل عالية؟ وكيف كان صدى هذه المشاركة؟ تساؤلات كثيرة أجابت عليها عالية عبد العزيز قائلة إن «المشاركة في أسبوع ميلانو للموضة تعد الخطوة الأبرز، لكن حكايتي مع التصميم بدأت قبل ذلك بسنوات عندما كنت أذهب مع والدتي وجدتي إلى ورش الخياطة، لألملم قصاقيص القماش في الخفاء، وأبدأ في تصميم أزياء لدميتي».
تخرجت عالية عبد العزيز من كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية، وعملت مهندسة تصاميم منزلية لفترة محدودة، عرفت فيها أن لديها طاقة إبداعية في انتظار اللحظة المناسبة.
أكثر من 10 سنوات مرت، وحلم عالية ما زال يراودها، حتى بعد أن تزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال، إلى أن صممت أول حقيبة عام 2016، تقول: «لم تكن بهدف الاحتراف على الإطلاق، فقط أردت أن أصمم حقيبة صيفية مميزة عن القطع المتوفرة في السوق، وبعد أسبوع انهالت الطلبات عليَّ، وهكذا قدمت أول تشكيلة دون أي تخطيط مسبق».
بعد انتهاء موسم الصيف بدأت زبوناتها في طلب حقيبة شتوية، وتوضح أنه «مع تشكيلة الشتاء شعرت أنني بالصدفة أمام مشروع حياتي، كان عليَّ أن أفكر جيداً فيما أقدمه لأتميز عن السوق، ورغم أن موضة المخمل في عام 2016 لم تكن قد صعدت إلى واجهة الموضة، إلا أنني قدمتها من خلال تشكيلة تخاطب زبونة من الطبقة الراقية تبحث عن الترف والتميز».
بيد أنه رغم أن المصممة تستهدف زبونة من الطبقة الراقية، إلا أنها خلف الكواليس تدعم مشروعاً إنسانياً اجتماعياً يربط طبقات المجتمع ببعض، ويحقق فائدة متبادلة، تشرح عالية: «من أهم ركائز علامة (أليشيا) التي أطلقتها قبل ثلاثة أعوام، مساعدة بعض نساء الطبقة الكادحة، وتعليم الفتيات مهنة يتكسبن منها. فوراء هذه الحقيبة المخملية المطرزة بـ(كريستال سوارفسكي)، قصص لنساء مُعيلات وفتيات في مراحل تعليمية يبحثن عن مصدر دخل يساعدهن في استكمال التعليم».
عندما شكلت عالية عبد العزيز فريق العمل الذي يصنّع هذه الحقائب، لم تكن تعرف أنها ستصل إلى أسابيع الموضة. لكن هذا ما حصل «ففي 2018، بعد أن بزغ نجم علامة (أليشيا) بين نساء كن لا يحملن سوى حقائب بتوقيع دور الأزياء الكبيرة مثل (شانيل) و(غوتشي)، بدأت تراودني فكرة المشاركة في أسابيع الموضة، بهدف إطلاع العالم على التصاميم والحرفية المصرية. راسلت الفريق المسؤول عن أسبوع الموضة في مونت كارلو، الذي قد لا يكون بأهمية أسابيع الموضة الأخرى، لكنه خطوة أولية بالنسبة لي، وفوجئت بقائمة من الشروط الصارمة تتطلب حجم أعمال ضخماً، ورغم عدم مطابقة علامة (أليشيا) لشروط المشاركة، فإن المنظمين قبلوا مشاركتي بعد أن علموا بأن وراء المجموعة نساء وفتيات كادحات، وطبيعة المشروع الإنساني الذي ندعمه».
يبدو أن عالية عبد العزيز لديها نظرة استشرافية لاتجاهات الموضة، فمثلما قدمت المخمل قبل أن يذيع صيته، قدمت أيضاً تشكيلة كاملة من جلد الثعبان بألوان غير مألوفة مثل السماوي والبرتقالي والأحمر، قبل أن تصعد هذه الألوان إلى واجهة الموضة. وجاءت هذه الحقائب المصنوعة من الجلود الطبيعية مزدانة بالتطريزات السخية، حتى تتمكن من منافسة المنتج العالمي.
وفي حين يتعلق أغلب المصممين المصريين بأهداب التراث، اختارت عالية عبد العزيز أن تقدم منتجاً مختلفاً، تقول: «بالطبع كل مصري مشبع بالفنون المصرية، لكنها ليست مصدر الإلهام الوحيد لي... فكل ما يحيط بي يؤثر في فكري وخيالي».
وبالفعل بعض التطريزات التي تقدمها قد تكون مستوحاة من ألوان القبائل الأفريقية، أو متأثرة بالمرأة السيناوية، إذ يصعب تحديد خط واحد في تصاميمها.
ما ساعدها على الانتشار أيضاً ارتباطها بإطلالات النجمات في مصر، لا سيما بعد أن حملت النجمة نادية لطفي حقيبة مخملية تحمل صورة أيقونية لها في أحد أدوارها في سينما الأبيض والأسود. وتكشف عالية بعض تفاصيل هذه الحقيبة قائلة: «طلبت مني الإعلامية بوسي شلبي أن أصمم حقيبة للنجمة نادية لطفي، ولم أجد أجمل من صورتها المحفورة في أذهان المصريين، لأبدأ على الفور في تصميمها مستعملة المخمل، وإطار من الكريستال، ألهمتني به إحدى لوحات فان غوخ، وضعت بداخله صورة نادية لطفي». كانت الحقيبة فألاً حسناً عليها. فبين ليلة وضحاها اشتهرت بين النجمات، وحملتها نجمات أخريات مثل رجاء الجداوي وعبير صبري وليلي علوي ووفاء عامر وغيرهن.



هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
TT

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)
من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

إذا اتفقنا على أن مجلس الموضة البريطاني هو الربان الذي يقود دفة هذا القطاع بتقديم وسائل الدعم والأمان لصناعها والمبدعين فيها، فإن تعيين لورا وير رئيساً له، ذو أهمية قصوى. ربما الآن قبل أي وقت مضى. فهذا القطاع يعاني منذ عدة مواسم. محلات كبيرة أغلقت أبوابها واكتفت بتوفير منتجاتها عبر التسوق الإلكتروني، ومصممون شباب اختفوا من الساحة، أو على الأصح من الواجهة بسبب شح الموارد والإمكانات وغيرها من المشكلات التي لا تزال تبحث عن حلول.

شح الموارد والتغيرات الخارجية

حتى دار «بيربري» التي كانت أكبر قوة جذب لأسبوع لندن تعرضت لمشكلات كثيرة (بيربري)

لهذه الأسباب، كان من البدهي أن يفقد أسبوع لندن وهجه، إلى حد أنه بات يمر مرور الكرام من دون تهليل أو حماس في الآونة الأخيرة. المقياس هنا لا يقتصر على تراجع حجم التغطيات الإعلامية فحسب، بل أيضاً على عدد الحضور العالمي، الذي تقلص بشكل ملحوظ، بسبب الحجر أيام جائحة كورونا ومنع السفر بدايةً، ثم بسبب خفض الميزانيات المخصصة لمجلات الموضة، التي لم تسلم هي الأخرى من تبعات الأزمة الاقتصادية.

في ظل هذا التخبط، بين شح الإمكانات ومتطلبات الأسواق العالمية الجديدة وتغير سلوكيات تسوق جيل شاب من الزبائن، يأتي تعيين لورا مثيراً للحماس والفضول. فالمطلوب منها هو تحريك المياه الراكدة وقيادة الدفة بالاتجاه الذي تحتاج إليه الموضة البريطانية لتتجاوز العاصفة إلى بر الأمان.

مَن لورا وير؟

لورا وير الرئيس الجديد لمجلس الموضة البريطانية (مجلس الموضة)

السؤال الذي يمكن أن يطرحه البعض :هو كيف وصلت وير إلى هذا المنصب المؤثر؟ وما سيرتها الذاتية؟ والجواب أنها حتى عهد قريب عملت في محلات «سيلفردجز» اللندنية رئيساً في قسم الإبداع والتواصل. قبل ذلك ولعقدين من الزمن، عملت محررة أزياء متخصصة في عدة مجلات، نذكر منها «درايبرز» و«فوغ» النسخة البريطانية، وصحيفة «ذي صانداي تايمز». في عام 2015، عُيِنت رئيسة تحرير للملحق الأسبوعي ES لجريدة «إيفنينغ ستاندرد» الذي أعادت تصميمه بالكامل. بعد أن تركت المجلة ES أنشأت وكالة استراتيجية متخصصة في الاتصالات والتوجيه الإبداعي، وفي عام 2023، انضمت إلى محلات «سيلفردجز» للإشراف على فريق الإبداع والتسويق والاتصالات. هذا فضلاً عن مناصب أخرى شغلتها وكانت لها ذات الأهمية. كانت مثلاً عضواً في مجلس الموضة البريطاني قبل أن تكون رئيساً له. كما كانت مستشارة للأكاديمية البريطانية لفنون الأفلام والتلفزيون (بافتا).

هذه المناصب وغيرها فتحت أمامها أبواب التعامل المباشر مع صناع الموضة الكبار والصغار وأيضاً مع المواهب الصاعدة من شتى الفنون. تعرفت على طموحاتهم ومشكلاتهم. على خبايا الأمور وظاهرها. وهذا ما يجعلها خير خلف لكارولاين راش التي تبوأت هذه الوظيفة لـ16 عاماً، وأعلنت مغادرتها له في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

التحديات

كادت «روكساندا» تُعلن إفلاسها لولا تدخل مستثمرين (روكساندا)

رغم أهمية المنصب الذي ستبدأه بشكل فعلي في شهر أبريل (نيسام) المقبل، فإن التوقيت شائك ويحتاج إلى دراية عالية ونَفَس طويل. فصناعة الموضة البريطانية تعاني من تباطؤ وركود منذ سنوات، وأسبوعها الذي يعد الأوكسجين الذي يتنفس منه مبدعوها ويطلون من خلاله على العالم أصابه الوهن بشكل لم يشهده منذ انطلاقه في عام 1984. صحيح أنه مرَّ بعدة أزمات في السابق، لكنها كانت ماليّة في الغالب، إذ كان يشكو من شح التمويل والإمكانات، فيما هي الآن نفسية أيضاً بسبب التراكمات الاقتصادية والسياسية وما نتج عنها من ضغوط وقلق.

من تشكيلة إيرديم الأخيرة (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

ما لا يختلف عليه اثنان أن أسبوع لندن لا يزال يتمتع بروح الابتكار، وأنه لا يزال أكثر واحد من بين العواصم العالمية الأخرى، نيويورك وميلانو وباريس، احتضاناً للآخر. يفتح الأبواب على مصراعيها لكل الجنسيات، ويمنح فرصاً لكل من توسّم فيه الإبداع، إلا أنه يتعثَّر منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فنسبة عالية من العاملين في صناعة الموضة من جنسيات مختلفة. كأن هذا لا يكفي، جاءت جائحة كورونا ثم حرب أوكرانيا وغيرها من الأحداث التي كان لها أثر مباشر على كثير من المصممين وبيوت الأزياء. روكساندا إلينشيك، مثلاً، وهي مصممة صربية الأصل ومن أهم المشاركين في أسبوع لندن، كادت تتعرض للإفلاس العام الماضي، لولا تدخل أحد المستثمرين. وإذا كانت «روكساندا» محظوظة في هذا الجانب، فإن غيرها تواروا عن الأنظار بصمتٍ لأنه لا أحد أمدَّهم بطوق نجاة.

دار «بيربري» لم تنجُ من تبعات الأزمة الاقتصادية وتغيرات السوق (بيربري)

بل حتى دار «بيربري» التي كانت تتمتع بأكبر قوة إعلانية في بريطانيا، الأمر الذي يجعلها عنصر جذب مهماً لوسائل إعلام وشخصيات عالمية تحرص على حضور الأسبوع من أجلها، تشهد تراجعاً كبيراً في المبيعات والإيرادات. بدأت مؤخراً تراجع استراتيجياتها وتُعيد النظر في حساباتها.

استثمار في المواهب

ومع ذلك فإن قوة الموضة البريطانية تكمن في شبابها. هم الورقة الرابحة التي تُعوِّل عليها للإبقاء على شعلة الإبداع من جهة، وعلى سمعة أسبوعها العالمي منبعاً للابتكار وتفريخ المصممين من جهة ثانية. قد يجنحون إلى الغرابة أو حتى إلى الجنون أحياناً لكنه جنون يغذّي الخيال ويحرِّك الأفكار الراكدة، وهذا ما تعرفه لورا جيداً بحكم تعاملها الطويل معهم.

من عرض «روكساندا» لربيع وصيف 2025 (روكساندا)

والدليل أن لورا لا تقبل التحدي فحسب، بل تعده مثيراً. في بيان صحفي وزَّعه مجلس الموضة البريطاني قالت: «يشرفني أن أقود الفصل الجديد في وقت مثير ومحوري لصناعة الأزياء البريطانية... إني أتطلع إلى العمل مع فريق المجلس لدعم الثقافة والإبداع، وتحفيز نمو الأزياء البريطانية، محلياً وعالمياً، وكذلك دعم المصممين الناشئين والمخضرمين على حد سواء».

ما مهمات الرئيس؟

رغم موهبة «روكساندا» وبراعتها الفنية تعثّرت مؤخراً وتدخُّل مستثمرين أعاد لها قوتها (روكساندا)

ما خفيَ من مسؤوليات منصب رئيس مجلس الموضة البريطانية أكبر من مجرد دعم الشباب وتحريك السوق. من بين ما على لورا وير فعله، عقد شراكات مجدية مع صناع الموضة، من رجال أعمال وأصحاب مصانع وحرفيين من شتى المجالات، إلى جانب التواصل مع جهات حكومية. فقطاع الموضة من أهم القطاعات الصناعية في بريطانيا، ويعد الثاني بعد صناعة السيارات، وهو ما يجعله من أعمدة الاقتصاد الأساسية.

في دورها الجديد أيضاً، ستشرف لورا على المعاهد الدراسية والأكاديميات المتخصصة، بتوفير منح للمتفوقين أو من ليست لديهم الإمكانات لدفع رسوم الدراسات العليا من خلال برامج عدة جرى إنشاؤها منذ سنوات، وكل ما عليها الآن هو إمدادها بطاقة جديدة تُعيد لها حيويتها وديناميكيتها.