عبد الهادي الجزار في أول موسوعة فنية بالإنجليزية

«سكيرا» الإيطالية تنشر ثاني «كتالوغ» موثق لتشكيلي عربي

من الكتالوغ
من الكتالوغ
TT

عبد الهادي الجزار في أول موسوعة فنية بالإنجليزية

من الكتالوغ
من الكتالوغ

دخلت الكتالوغات الموثقة سوق الفن التشكيلي العالمي كوثيقة ضمان وحصانة لأعمال كبار الفنانين، والتي غالباً ما تتعرض للتقليد والتزوير. ويجري العمل حالياً على إصدار كتالوغ عن الفنان التشكيلي المصري الراحل عبد الهادي الجزار، وهو ثاني كتالوغ موثّق لتشكيلي عربي وذلك بعد أن شهد العام الماضي إصدار كتالوغ للفنان محمود سعيد.
يعكف على إعداد الكتالوغ الناقد التشكيلي د. حسام رشوان، والناقدة الفرنسية فاليري هيس، بالتعاون مع أسرة الجزار ومؤسسته الفنية، سعياً منهما لترسيخ مفهوم الكتالوغات المسببة أو الموثّقة في العالم العربي والتي يعوَّل عليها كثيراً في الحد من تزوير الأعمال الفنية.
وُلد الفنان عبد الهادي الجزار في الإسكندرية عام 1925 وانتقل إلى القاهرة وتوفي عام 1966. لعب دوراً كبيراً في الحركة التشكيلية المصرية في الأربعينات، ويعد أحد روادها المؤثرين المتنوعين فنياً، وهو أحد مؤسسي جماعة الفن المعاصر، وشارك في معارضها التي أقيمت في باريس ولاقت نجاحاً مدوياً في أوج ازدهار موجة السريالية عالمياً.
في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، يقول الباحث ياسر عمر أمين، المحامي المتخصص في مجال الملكية الفكرية وقانون سوق الفن، والمستشار القانوني للكتالوغ: «(الكتالوغ المُسبب)، أو الموثق، مصدر أساسي من مصادر إثبات الصحة في ضوء قانون سوق الفن، ويأتي الكتالوغ الثاني مرسخاً لمنهج بحثي استقرائي يقيني، يقوم عليه د. حسام رشوان وفاليري هيس انطلاقاً من الثوابت المتعارف عليها في سوق الفن الدولي؛ ليكون حُجيَّة من خلال العمل على حصر وتتبُّعِ وتحديد وتوثيق الأعمال الفنية الكاملة للإنتاجِ المتكامل للرائد الفنان عبد الهادي الجزار في تاريخِ الفن، مضافاً إليها المعايير الأخرى التي اتكأ المؤلفان عليها لتحديد وتصنيف أعمال الفنان».
والقيمة القانونية «للكتالوغ المُسبب»، كما يقول أمين، «تكمن في تأثيره الرادع على كل من تسول له نفسه الاتجار في مجال تزييف اللوحات الفنية بحسبانه خط الدفاع الأول لحماية أعمال الفنانين وتراثهم العظيم، فهو بوضعه هذا يعد كاشفاً لكل حيل وألاعيب مَن يتاجر في مجال تزييف اللوحات ويكون حامياً أميناً ومحصناً لأعمال الفنان عبد الهادي الجزار، خصوصاً أن دور المزادات العالمية ومهنيي سوق الفن يعوّلون على تلك الكتالوغات في الفصل في صحة العمل الفني من عدمه، حال إذا ما كان الكتالوغ يتمتع بحجية معترف بها من قبل مهنيي سوق الفن».
ويلفت إلى أن أهم التداعيات القانونية للكتالوغ على مستوى سوق الفن العربي والدولي تكمن في كونها تمثل سلطة لمؤلفها في سوق الفن، قائلاً: «إن المتأمل في القضاء الفرنسي على سبيل المثال لا بد أن يدرك على التوّ مدى أهمية الكتالوغات المُسببة، وتداعياتها القانونية على سوق الفن، بعدما أصبحت تخوّل لمؤلفها سلطة لا يستهان بها في التأثير على القيمة التسويقية لأعمال الفنان المطروحة في سوق الفن، أو في المنازعات المتعلقة بتقرير صحة تلك الأعمال الفنية».
وحول تزوير شهادات توثيق صحة الأعمال الفنية منسوبة إلى الفنان عبد الهادي الجزار، يقول أمين: «مؤخراً أُسيء استخدام شهادات توثيق صحة الأعمال الفنية للفنان ذاته في مصر ما حدا بها لأن تكون محلاً للتزوير في الآونة الأخيرة. ووصل الأمر إلى حد تزوير ختم أسرة الفنان الجزار وتوقيع الأستاذة فيروز الجزار على إحدى الشهادات التي أُعطيت للوحات مزورة ومقلّدة وشهادة أخرى مزوَّرة تحمل ختماً لقطاع الفنون التشكيلية... ومن هنا نهيب بمَنْ يرغب في توثيق لوحات وأعمال الفنان الجزار أن يعود إلى مؤسسة الجزار فقط».
أما الناقد سمير غريب، الذي يشارك بدراسة موسعة عن أعمال عبد الهادي الجزار، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «الكتالوغ تقوم عليه أكبر دار نشر للكتب الفنية في إيطاليا (سكيرا) والتي لها قدرها عالمياً ودولياً ويأتي الكتالوغ كمبادرة من الدكتور حسام رشوان الذي يقوم بجهود فردية لتوثيق أعمال الفنانين المصريين».
ويرى غريب أن هذه الكتالوغات التي تصدر باللغة الإنجليزية تفتح الآفاق لتوثيق مسارات الفن التشكيلي العربي وتاريخه وما قدمه للإنسانية من إبداع وحضارة.
وحول قيمة الكتالوغ وأهمية صدوره بالنسبة إلى عشاق الفن التشكيلي، أوضحت د. أمل نصر، أستاذة ورئيسة قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة، جامعة الإسكندرية أن «هذا الكتالوغ المسبب يأتي في الوقت الذي تتزايد فيه كل يوم قيمة أعمال عبد الهادي الجزار الذي يعد من رواد الفن التشكيلي المصري نظراً إلى عدم غزارة إنتاجه الفني، ويعد إضافة لما يحتويه من دراسات نقدية خصوصاً أنه كفنان لم ينل حقه من الدراسات البحثية التي تناولت في غالبيتها مدخل الرموز الشعبية في أعمال الجزار».
وتذكر نصر أن الجزار على المستويين الإنساني والفني كان يجمع بين التعاطف مع الفقراء والمهمشين، وفي الوقت نفسه كان ساخطاً على أوضاعهم لاعتمادهم على الجهل والخرافة في التعامل مع الحياة. وهي تعد الآن دراسة «تتخذ مدخلاً جديداً لدراسة أعمال الجزار وتتناول منابع تجربته بشكل جديد خصوصاً أن مشواره الفني كان متعدد المسارات ما بين الخط التجريدي والرموز الشعبية ومرحلة التأثيرية لنتتبّع تأثره بمدارس الفن التشكيلي الغربية في فترة إقامته في إيطاليا. كما أقوم بالربط بين أعماله وكتاباته الشعرية والقصص القصيرة في محاولة لقراءة شخصية الفنان من زوايا جديدة».
وتشير أمل نصر إلى أن قيمة الكتالوغ تكمن في جمعه أعمال الجزار المنتشرة في جميع أنحاء العالم، ولذلك هو بمثابة موسوعة فنية شاملة، في الوقت الذي يفتقر فيه العالم إلى ثقافة توثيق الأعمال الفنية، فضلاً عن أن الكثير من الفنانين لا يوقّعون أعمالهم أحياناً، أو لا يؤرخونها ولا يحتفظون ببيانات عنها ولا يحرصون على تتبع مساراتها، مما يفتح الباب لتزويرها.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».