في سوق الحسكة المركزي... لوائح الأسعار تصدم متسوقي رمضان

الضرائب تُدفع مرتين... والتجار يشكون أزمة الوقود

تمور رمضان وسلع أخرى مرتبطة بالشهر باتت صعبة الشراء في الحسكة (الشرق الأوسط)
تمور رمضان وسلع أخرى مرتبطة بالشهر باتت صعبة الشراء في الحسكة (الشرق الأوسط)
TT

في سوق الحسكة المركزي... لوائح الأسعار تصدم متسوقي رمضان

تمور رمضان وسلع أخرى مرتبطة بالشهر باتت صعبة الشراء في الحسكة (الشرق الأوسط)
تمور رمضان وسلع أخرى مرتبطة بالشهر باتت صعبة الشراء في الحسكة (الشرق الأوسط)

في السوق المركزي لمدينة الحسكة الواقعة شمال شرقي سوريا، تبدو الحركة شبه طبيعية. فواجهة المحال مزينة بمختلف أصناف الحلويات والأطعمة الشرقية، ورائحة الطعام تجذب المار، أما التمور الخليجية والعراقية فكانت حاضرة بقوة.
ورغم الهدوء النسبي الذي تعيشه هذه المدينة منقسمة السيطرة، إلا أن غلاء الأسعار يثير دهشة المتسوقين ويحصد ما بجيوبهم، فأزمة الوقود في العاصمة دمشق وتواتر أسعار صرف الدولار مقابل الليرة السورية عكست سلباً على القوة الشرائية للمواطنين، والكثير من الأسر تستذكر الموائد الرمضانية بأصنافها والأكلات الشعبية التي كانت سائدة خلال شهر رمضان المبارك، لكن هذا العام وبسبب ارتفاع الأسعار حرم سكان المنطقة من هذه الطقوس.
تقول سمية (43 سنة) التي كانت تتبضع في السوق المركزي أمام فرن مزدحم لشراء المعجنات، بأن من أطيب الأكلات التي لا يمكن الاستغناء عنها في شهر رمضان، «المعروك أو العجوة المحشوة بالتمر والزبيب، إلى جانب العصائر الشعبية مثل العرقسوس والتمر الهندي وقمر الدين والجلاب، وهي أصناف رئيسية تميز المائدة الرمضانية»، لكن: «المعروك سعره 1200 ليرة والعصير 500 ليرة، وكيلو أي صنف من الحلويات تجاوز سعره 5 آلاف، وهذه الأسعار لا تتناسب مع مدخول الأسرة».
مأمون المتحدر من مدينة الحسكة يعمل موظفاً في دائرة حكومية براتب شهري بحدود 45 ألفاً (تعادل 80 دولارا أميركيا)، وأثناء زيارته لسوق الخضار والفاكهة ارتسمت علامات الدهشة على وجهه وهو يشاهد لوائح الأسعار، يحاول جاهداً إيجاد أصناف رخيصة دون فائدة. يقول: «ربطة البقدونس بمائة ليرة وكذلك النعناع، أما الخس والفجل الكيلو بـ400 ليرة، والموز سعره 700 ليرة، والبندورة والباذنجان والكوسا سعرها يقارب 500 ليرة،». ويلفت مأمون أن أحد أبنائه المقيم في دولة أوروبية والذي يرسل له شهرياً مبلغاً من المال ليدعم العائلة «لولا مساعدته، فإن راتبي لا يكفي نفقات أسبوع واحد فقط، الأسعار جنونية ولا مقدرة لي على شرائها».
وأثرت زيادة الأسعار على القدرة الشرائية لدى نسبة كبيرة من شرائح المجتمع، ويعزو التجار ارتفاع السلع والمواد الأساسية، لزيادة تكاليف النقل وطول الطرق وعدم استقرارها، إضافة لتواتر سعر صرف العملات الأجنبية، فقد تجاوز سعر صرف الدولار الأميركي نهاية الشهر الماضي حاجز 580 ليرة سورية، أما اليوم فسعر الصرف يصل إلى 570 ليرة وقد خسرت الليرة أكثر من 17 في المائة من قيمتها منذ مطلع العام الجاري، الأمر الذي أشعل الأسعار وخفض من قيمة البيع والشراء.
ويرى خالد (38 سنة) الذي يمتلك متجر بقالة في السوق المركزي، أنّ ارتفاع الأسعار مرتبط بأزمة الوقود التي تشهدها دمشق وباقي المناطق الخاضعة للنظام الحاكم. ويقول: «نصف المواد تأتينا من دمشق وحلب، ومنذ أزمة الوقود هناك ارتفعت الأسعار بشكل خيالي»، منوهاً بأن العديد من المصانع والشركات المصنعة للمواد الغذائية في دمشق توقفت أو قللت من كميات الإنتاج. ويضيف: «هذه الأوضاع ألهبت الأسعار ولا توجد حلول حقيقية لتجاوز الأزمة».
وبحسب الباحث الاقتصادي الدكتور شوقي محمد، تجاوزت أسعار المنتجات الحيوانية والدواجن نسبة متوسطة وصلت إلى نحو 500 في المائة، ولدى حديثه إلى «الشرق الأوسط» ذكر أن السبب يعود إلى: «تدهور قيمة الليرة السورية وارتفاع سعر صرف الدولار، وارتفاع تكاليف التربية الحيوانية بسبب عدم توفر الأعلاف من جهة ولارتفاع أسعارها من جهة ثانية».
أما نسبة الضرائب غير المباشرة - وهي الضرائب على الإنفاق أو المبيعات أو الاستهلاك – فقد جاوزت سقف ٧٠ في المائة من كتلة الإيرادات الضريبية خلال الفترة بين أعوام ٢٠١٢ – ٢٠١٦، ويضيف الأكاديمي شوقي محمد: «تراجعت حصة الفرد اليومية من الإنفاق العام وسطياً خلال نفس الفترة أيضاً بنسبة ٧٠ في المائة قياسا بعام ٢٠١١، وهذا ما لا يدع مجالاً للشك أن أصحاب الدخل المحدود والفقراء يعانون من ضغط معيشي هائل».
وأوضح مناف (55 سنة) والذي كان يقف أمام بسطة يبيع التمور الخليجية والعراقية، أنّ زيادة الأسعار تعود إلى غياب الاستقرار وكثرة الحواجز على الطرق الرئيسية الواصلة بين المحافظات، فالبضائع القادمة من الساحل السوري ومدينة حلب يدفع أصحابها الرسوم الجمركية لكل من الحكومة والإدارة الذاتية، فيما السلع والمواد القادمة من تركيا ومناطق «درع الفرات» شمالي حلب تدفع الضرائب للأخيرة والإدارة الذاتية، ويضيف: «المناطق الشمالية منقسمة السيطرة بين النظام والفصائل الموالية لتركيا والإدارة الذاتية، وكل طرف يفرض الضرائب والجمارك، الأمر الذي يؤدي إلى رفع الأسعار بشكل لا يتناسب مع دخل المواطن».
إلهام (37 سنة) التي كانت تتبضع في السوق المركزي لشراء بعض المواد الأساسية وبعض اللحم لإعداد وجبة الإفطار، وبعد ملاحظة ارتفاع سعر كيلو اللحم الذي تجاوز 4500 ليرة سوريا (8 دولارات أميركية) فقد خفضت من الكمية، وأثناء الحديث معها ارتسمت علامات الحيرة على وجهها وهي تدفع النقود، لتقول: «لا نشتري اللحمة إلا في أطعمة محددة، اليوم آخذ بالوقية من أجل تغيير نكهة الطعام، عكس ما كنت عليه سابقاً حيثُ كنت أشتري اللحمة بالكيلوغرامات شهرياً».
وأجبر ارتفاع أسعار اللحوم الأهالي على العزوف عن شرائها والاستعاضة عنها بمواد أخرى، كحال منير والذي يعمل موظفاً لدى «الإدارة الذاتية» ويتقاضى راتباً شهرياً مقداره 60 ألفاً (نحو 105 دولارات)، وقال: «لا نشعر بالبهجة بقدوم شهر رمضان كما درجت العادة، فارتفاع الأسعار وتقلبها منذ أيام حرمنا من وجبات كثيرة كنا نشتهي أكلها بهذا الشهر الفضيل».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».