كرم فصل الشتاء لم ينقذ اللبنانيين من انقطاع المياه

مؤشرات على تفاقم الأزمة خلال الصيف

TT

كرم فصل الشتاء لم ينقذ اللبنانيين من انقطاع المياه

يتكرر مشهد صهاريج المياه المتنقلة بين شوارع العاصمة بيروت ومناطق لبنانية أخرى، رغم ارتفاع معدل تساقط الأمطار هذا العام، وتجاوز ذلك المعدل العام بكثير، ما أعطى اللبنانيين بصيص أمل بحل أزمة المياه التي اعتادوا عليها منذ سنوات عدة، خصوصاً مع بداية فصل الصيف.
ويثير هذا المشهد أسئلة حول ما إذا كان لبنان على حافة أزمة مياه جديدة، أم أن كمية الأمطار التي تساقطت هذه السنة ستساعد اللبنانيين على النفاذ من مشكلة أرهقت جيوبهم على مدى سنوات طويلة.
وصهاريج المياه في بيروت، هي خزانات متنقلة مثبتة على شاحنات توفر مياه الشفة ومياه الخدمة للسكان، كتعويض عن انقطاع مياه الشركة. ويقول رئيس الحركة البيئية اللبنانية، بول أبي راشد لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يوجد أي جهة أو لجنة معينة مسؤولة عن تنظيم عمل هذه الصهاريج، بل إن الأحزاب الموزعة في المناطق هي التي تقوم بتحديد الأسعار وترتيب مهام المالكين.
وأضاف: «تسبب سوء الإدارة والفساد في تحويل أصحاب الصهاريج إلى جماعات غير منظمة تسعى لتحقيق أرباح طائلة من مسألة عدم توفر المياه في كثير من المناطق اللبنانية، ما يترك اللبنانيين أمام خيار واحد فقط، وهو الدفع مهما بلغت التعرفة التي يفرضونها على الكميات المطلوبة».
ويتكرر مشهد الصهاريج، رغم أن فصل الشتاء في لبنان قدم هذه السنة عرضا مميزا وسخيا، حيث وصل معدل الأمطار المتساقطة في لبنان منذ بداية موسم شتاء 2018 - 2019 إلى 1034.6 ملم، مقارنة بمعدل 482.3 في الفصل الماضي، أي شتاء 2017 - 2018. بحسب أرقام مصلحة الأرصاد الجوية.
ويشير رئيس فرع مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت محمد فارس في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن لبنان شهد أحد أكثر المواسم سخاء منذ 30 عاما. وأوضح: «فاقت كمية المتساقطات هذا العام تلك التي شهدتها السنوات الماضية بأشواط، وسجلنا هذه السنة أعلى معدل هطول أمطار منذ أكثر من 30 عاما».
وأضاف فارس أن المعدل العام هو 815 ملم، وهي الكمية التي من المفترض أن تلبي حاجة اللبنانيين من المياه، إذا افترضنا أن هناك مساعي جدية لترشيد الاستهلاك. وتابع: «لا أعتقد أن زيادة معدل الأمطار المتساقطة ستكون الحل لأزمة المياه، ذلك لأنه حتى كميات الأمطار التي تقع دون المعدل العام بإمكانها أن تكون كافية في حال وجدت خطط مدروسة لترشيد استهلاك المياه والاستفادة منها بشكل علمي، أي أن كثرة الأمطار وحدها لا تنفع».
ويتشارك الخبير البيئي ورئيس الحركة البيئية اللبنانية، بول أبي راشد الرأي نفسه مع فارس، ويرى أن كمية المتساقطات لا تبعد اللبنانيين عن خطر الوقوع بأزمة مياه، ذلك لأن المشكلة في جوهرها لا تقف عند معدلات الأمطار التي تشهدها البلاد فقط. وأفاد أبي راشد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن لبنان على عتبة أزمة مياه لا مهرب منها مع بداية فصل الصيف وذلك لأسباب تتعلق بالهدر وسوء الإدارة، بالإضافة إلى شبكات المياه المهترئة في معظم الأراضي اللبنانية.
وأوضح أبي راشد أنه في لبنان، يقوم الأشخاص بحفر آبار ارتوازية بشكل عشوائي يفتقد للتخطيط العلمي المطلوب والرقابة اللازمة، ما يعزز الهدر، ويحرم الآخرين من الاستفادة من الموارد. ودعا إلى إعلان حالة طوارئ في قطاع المياه، ذلك لأن البلد أصبح قائما على الهدر وتلويث وتبديد الموارد الطبيعية. وقال إن «المعركة للحفاظ على مواردنا وطبيعتنا باتت جدية، خاصة أن هناك جهات تسعى لتدمير أحد أجمل المعالم الطبيعية في لبنان مثل مرج بسري، لإقامة سدود بحجة توصيل المياه إلى بيروت وغيرها من المدن».
وأضاف: «قام المعهد الفيدرالي الألماني لعلوم الأرض والثروات الطبيعية (بي جي آر) بدراسة تفيد بأن نبع جعيتا يستطيع وحده أن يزود بيروت كلها بالكميات الكافية من المياه، إذا قامت السلطات بحماية حوض جعيتا، والتأكد من عدم تلويث البيئة حوله».
وفيما يتعلق بالحلول التي يمكن أن تجنب لبنان كارثة مياه قريبة، استبعد أبي راشد أن تكون السدود هي المخرج الجدي من هذه الأزمة، وقال إن الدولة أساءت اختيار مواقع بناء السدود في معظم الأحيان، ما أهدر كثيرا من الوقت والموارد في آن معا. وأكد أبي راشد أن الحل الأنسب يكمن في ترشيد استهلاك المياه، وفي إدارة مستدامة للموارد في لبنان، ليس غير.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.