رموز جزائرية تدعو إلى حل توافقي يستجيب لطموحات الحراك

TT

رموز جزائرية تدعو إلى حل توافقي يستجيب لطموحات الحراك

طالبت ثلاث شخصيات جزائرية بارزة، قيادة الجيش بفتح حوار «صريح ونزيه» مع ممثلي المتظاهرين والأحزاب السياسية وقوى المجتمع، التي تدعم الحراك «من أجل إيجاد حلّ سياسي توافقي في أقرب الآجال، يستجيب للطموحات الشعبية المشروعة، المطروحة يوميا منذ ثلاثة أشهر تقريبا».
وفي وقت وصل فيه الوضع لحالة الانسداد، خرج بشكل مشترك وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، و«شيخ الحقوقيين الجزائريين» المحامي الكبير علي يحيى عبد النور (98 سنة)، والجنرال المتقاعد رشيد بن يلس عن صمتهم بغرض اقتراح حلول، لما عرف عنهم التدخل في الشأن العام، خاصة في حالة الأزمات.
وقال الثلاثة في بيان أمس «إن حالة الانسداد التي نشهدها اليوم تحمل أخطارا جسيمة، تضاف إلى حالة التوتر القائم في محيطنا الإقليمي، وهذه الحالة الناجمة عن التمسك بتاريخ الرابع من يوليو (تموز) القادم، لن تؤدي إلا إلى تأجيل ساعة الميلاد الحتمي للجمهورية الجديدة، فكيف يمكن أن نتصور إجراء انتخابات حرة ونزيهة ترفضها من الآن الأغلبية الساحقة من الشعب، لأنها من تنظيم مؤسسات ما زالت تديرها قوى غير مؤهلة معادية للتغيير والبناء؟». في إشارة إلى الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الوزراء نور الدين بدوي، اللذين يعدان من «بقايا نظام بوتفليقة» ويرفضان التنحي. لكن حقيقة الأمر هي أن رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح هو من يبقي عليهما في المنصب، بذريعة «الالتزام بالدستور».
وأوضح البيان أن «المتظاهرين الذين بلغ عددهم رقما قياسيا تاريخيا، يطالبون اليوم بعدما أرغموا الرئيس المترشح (بوتفليقة) المحتضر على الاستقالة، ببناء دولة القانون في ظل ديمقراطية حقة، تكون مسبوقة بمرحلة انتقالية قصيرة المدّة، يقودها رجال ونساء ممن لم تكن لهم صلة بالنظام الفاسد في العشرين سنة الأخيرة. وهذه المرحلة ضرورية حتى يتسنى وضع الآليات واتخاذ التدابير التي تسمح للشعب، صاحب السيادة، بالتعبير الحر الديمقراطي عن خياره بواسطة صناديق الاقتراع. إنها عملية تنسجم تماما مع مسار التاريخ الذي لا أحد، ولا شيء بقادر على اعتراضه».
وتختلف مواقف الناشطين والأحزاب حول المرحلة الانتقالية، بين من يرى أنها لا يجب أن تتعدى ستة أشهر، تختتم بتنظيم انتخابات رئاسية حرة، وآخرون يطالبون بمدة عامين يتم فيها مراجعة الدستور وقانون الانتخابات، وتمنح فيها فرصة للطامحين إلى الرئاسة لحشد التأييد لمصلحتهم. كما يوجد خلاف حول مهمة الجيش في المرحلة الانتقالية. فهناك من يدعو إلى ابتعاده نهائيا عن ترتيب شؤون السلطة، فيما يراه آخرون ضروريا لمرافقة المرحلة المقبلة.
وفي كل الأحوال، فقد فرض العسكر نفسه كأمر واقع يصعب تجاوزه، في عملية البحث عن أي تصور لمستقبل البلاد على المدى القريب. وفي نظر الكثيرين فإن الفضل يرجع للجيش في «تنحية العصابة من الحكم»، كما يسميهم «الحراك».
وبحسب الشخصيات الثلاث فقد «انتزعت المظاهرات العارمة، التي شهدتها البلاد طيلة الأسابيع الثلاثة عشرة الماضية، إعجاب العالم كله، لما تميزت به من طابع سلمي ومشاركة واسعة، وأعادت لنا كرامة لطالما أُهينت، فضلا عما أحيته في نفوسنا من شعور بالفخر والاعتزاز بالانتماء إلى أمة كبيرة بعظمة الجزائر. كما أنها ساهمت بقوة في تعزيز الوحدة الوطنية وإرادة العيش المشترك، بقطع النظر عن خلافاتنا السياسية وحساسياتنا الثقافية أو العقائدية».
في المقابل، تقول قيادة الجيش إنها لا تريد أن تقحم نفسها في السياسة، ولا تريد لأحد أن يطالبها بأن تفعل ذلك. كما الدستور نفسه يمنع ذلك، لكن في الممارسة تمسك المؤسسة العسكرية بالحكم بشكل كامل، حسب عدد من المراقبين ومتزعمي «الحراك».
وقال الكاتب المسرحي والصحافي المعروف احميدة عياشي حول مبادرة الإبراهيمي وعبد النور وبن يلس «ما الذي يمكن أن تمثله الفرصة التي يقترحها الثلاثي الإبراهيمي وعبد النور ورشيد بن يلس؟ إنهم يمثلون صوت الحكمة، برغم اختلافات مساراتهم وتقاطعاتها، وتعدد مشاربها. إن مبادرتهم محطة يمكن أن يبنى عليها مشروع توافقي، جامع لمختلف توجهات الأطياف الجزائرية من أجل تحقيق ثلاثة أهداف عاجلة: أولا الخروج من حالة الانسداد، وتجنب الانزلاق نحو العنف أو الديكتاتورية. وثانيا تحقيق أرضية يمكن أن تساعد الشعب والطبقة السياسية الجادة من جهة، والسلطة من جهة أخرى، لتعبيد الطريق أمام مرحلة انتقالية توفر الأمن والاستقرار نحو انتقال سلس إلى نظام جديد، دون صدمات غير محسوبة العواقب. وثالثا إيقاف حالة الاحتقان الفوري، التي باتت تهدد الوحدة الشعبية، ومستقبل الحراك الشعبي في ديناميته وسلميته».
وبحسب عياشي، «يشكل الثلاثي ضمانات مطمئنة للشعب والمعارضة الراديكالية، من جهة، وللنظام ممثلا في السلطة الفعلية من جهة ثانية».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.