الكعك بالزعتر وعرانس الذرة والفستقية «أكلات عالبال»

يبحث عنها اللبناني في مشاويره إلى الأسواق القديمة

كعك بالزعتر
كعك بالزعتر
TT

الكعك بالزعتر وعرانس الذرة والفستقية «أكلات عالبال»

كعك بالزعتر
كعك بالزعتر


في الماضي القريب، وعندما كان الأهالي يأخذون أولادهم في مشوار إلى أسواق بيروت كانوا يعدونهم بـ«شي طيب» يشترونه لهم. فعربات الفستق السوداني وعرانيس الذرة والفول المسلوق مع الكمون والكعكة بالزعتر والفستقية وغيرها من الأكلات الشعبية اللبنانية كانت تقفز صورها في مخيلتهم الصغيرة وتغريهم للقيام بهذا النوع من المشاوير من دون تردد.
حالياً تغيب هذه الأكلات عن أسواق بيروت لتحضر بخجل على كورنيش الروشة، وقرب الحدائق العامة، وفي بعض الأزقة الضيقة.
فهذا النوع من الأكلات الشعبية، بالكاد يعرفها جيل اليوم، وهي لا تعني له الكثير بعد أن استبدلها بأكلات عصرية مستوردة كالـ«دوناتس» والـ«ماشميلوز» و«جيلي بينز» و«ميلك شيك». ولعلّ نسبة قليلة منهم التي تعيش في أحياء شعبية لا تزال تقزز اللبّ (البزر) وتشتري «غزل البنات» وتشرب «عرق سوس» نظراً لوجودها في تلك الأحياء بشكل خاص.
إلا أن الأكلة الوحيدة التي نفدت من هذه الموجة تبقى واحدة وهي «الكعكة بالزعتر». فهي اليوم تشهد رواجاً بين اللبنانيين من جميع الأعمار بعد أن طوّرتها بعض الأفران من خلال إدخال مادة الجبن عليها وتقديمها ساخنة للزبون. حتى بائع الكعك الذي اعتدنا رؤيته يحملها على لوحة خشبية كبيرة وهو ينادي «كعك طازج» لا يزال يصادفنا في بعض أحياء بيروت، فيتجمّع حوله الأولاد ليشتروا منه كعكة محشوة بالزعتر البلدي أو الحلبي مع قطعة جبن مبسترة يمكن مرغها بسهولة على الكعكة وذلك حسب الطلب.
وإذا مررت بكورنيش الروشة أو بحديقة السيوفي وحتى أمام الكنائس والمساجد، لا بد أن يصادفك أحد باعة الكعك الذي عادة ما يقف في هذه الأماكن لتأمين لقمة عيشه. ويقفز سعر الكعكة في هذه المناطق السياحية أحياناً ليصل إلى 2000 ليرة فيما هو في الحقيقة لا يجب أن يتجاوز الـ1000 ليرة. ومع ذلك لا يتردد كثير من الأولاد في شرائها ويشاركهم بتناولها أهاليهم الذين يستعيدون من خلالها شريط ذكرياتهم الطفولية.
أما الفول المسلوق والمتبل مع بهارات الكمّون وعرانس الذرة المشوية والمسلوقة وكذلك الترمس، فلا تزال تتواجد بخفر قرب المعالم السياحية والحدائق العامة. فيحملها معه زائر هذه الأماكن ليتسلّى في قضمها وتقشيرها أثناء تجوله في هذا المكان أو ذاك.
ويتفنن اليوم باعة هذه الأكلات في عملية توضيبها بعد أن كانت في الماضي تلف بورقة بيضاء بعد أن يضاف إليها رشة ملح. فصار الترمس كما الفول يوضع بأكياس نايلون شفافة، فيما يحافظ عرنس الذرة المشوي على تغليفته المعروفة والمؤلفة من ورق هذه النبتة.
ومن الأكلات الشعبية التي لا نزال نصادفها بكثرة في مناطق صيدا وصور وبعلبك وزحلة وغيرها من المدن اللبنانية هي الحلويات المنمنمة والمطبوخة مع كميات كبيرة من السكر. فالسمسمية والفستقية والبندقية وما إلى هنالك من أنواع حلويات مصنوعة من المكسرات تحافظ حتى اليوم على مكانتها التجارية. وإذا قصدت مثلاً نهر البردوني في زحلة أو سوق صيدا القديم لا بد أن تلتقي ببائع جوال يتنقل بعربته الخشبية المحمّلة بهذا النوع من الحلويات الشعبية. وإذا كنت محظوظاً وأنت تتمشى في سوق طرابلس القديم فقد يصادفك وقوف بائع «كرابيج» مع النطف أو شراب «عرق السوس». فالأول يوضع في صندوق زجاجي شفاف يفصل حاجز بلاستيكي ما بين معمول المد والنطف الأبيض السكري. وفي إمكانك أن تشتري منه بالقطعة وليس بالكيلو بهدف التحلية السريعة بعد تناول سندويش فلافل مثلا. فيما الثاني يعدّ مشروبا تراثيا معروفا في منطقة بلاد الشام ويزدهر بيعه في موسم رمضان. وعادة ما يحمل في جرة معدنية مصنوعة من النحاس أو الألمنيوم متصلة بخرطوم يصب في المقدمة ويحملها البائع على ظهره.
أما «غزل البنات» فله قصته الطويلة مع اللبنانيين كبارا وصغارا. فهم لا يتوانون عن البحث عنه خلال حضورهم مهرجانا فنيا أو معرض مأكولات وحتى أمام مراكز سياحية في الجبل وبيروت ليستمتعوا بذوبانه السريع في أفواههم. فهذه الحلوى الملونة بالزهري والأبيض تتواجد حتى اليوم في الأماكن المذكورة وهي مطلوبة بكثرة لطعمها الحلو سكر زيادة، ولشكلها الذي يسيل له اللعاب.
أما الحلاوة بالطحينة مع الفستق الحلبي أو الجوز فيروج بيعها في مدينة صيدا وأشهر صانعيها هناك من آل البساط. وعندما تدخل السوق القديم لا بدّ أن تعرّج على بسطات مصنع منير البساط لتتزود بالحلاوة اللبنانية الأصيلة والمحضرة بحرفية عالية التي يحلو للبعض تناولها مع فاكهة الموز أو العسل.
ولن ننسى البسكوت مع راحة الحلقوم إحدى الحلويات القديمة المعروفة في لبنان. واليوم تقدّمها مطاعم السمك في مختلف المناطق اللبنانية كطبق تحلية تمتد إليه أيادي المجتمعين حول مائدة طعام بحرية ليتلذذوا بنكهاته بطعم المستكة أو الورد.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.