واشنطن «تسهّل» المفاوضات بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية

TT

واشنطن «تسهّل» المفاوضات بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية

تجاوبت الولايات المتحدة مع طلب لبنان المتجدد لاستئناف مساعيها بينه وبين إسرائيل، للتوصل إلى حل لترسيم الحدود البحرية، وتذليل الخلاف بين البلدين. ففي أقل من أسبوع أوفدت واشنطن مساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأدنى بالوكالة، السفير ديفيد ساترفيلد، الخبير في الشؤون اللبنانية، نظراً إلى الفترة الطويلة التي شغل فيها مناصب دبلوماسية في السفارة، وقدّم نفسه إلى المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم كـ«مسهّل» Facilitor، وليس كـ«وسيط» Mediator.
ويشرح سفير لبناني شارك في مفاوضات السلام التي جرت في مدريد لـ«الشرق الأوسط» الفرق بين العبارتين، قائلاً إن «المسهّل هو من يساعد على تذليل الخلاف وتلافي النزاع قبل وقوعه لإيجاد حل». وتابع: «المسهّل ليس طرفاً أساسياً في التفاوض، علماً بأنه من المفترض أن يكون المسّهل حيادياً بالكامل، مثله مثل الوسيط».
وعقّب مسؤول التقى ساترفيلد قائلاً: «كنت أنتظر أن يكون الدور الأميركي أكثر من (مسهّل)؛ لأن النزاع مع خصم يريد أن يسيطر على الجزء الكبير من كميات الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة»، مشيراً إلى أن إسرائيل تحتل أجزاء من الأراضي اللبنانية بقوة السلاح، وحاولت سرقة كميات من مخزون الغاز في تلك المنطقة. وقال إنه بناء على تلك الوقائع «أثار المسؤولون هذه المسألة مع واشنطن ومراجع دولية، وقالوا إن تل أبيب إذا أقدمت على سرقة الغاز، فإن ذلك سيؤدي إلى اشتباكات لا أحد يعلم كيف ستنتهي».
وقال المصدر نفسه: «علينا أن ننتظر إنجاز محادثات ساترفيلد في تل أبيب، ومعرفة مدى تقبّلهم لآلية التفاوض المقترحة من لبنان، وما إذا كانت الملاحظات عليها قابلة للتفاوض؛ لأنه إذا كان ذلك إيجابياً فسيصار إلى تحديد كيفية إدارة الجلسات ومواعيدها».
وتوقع المصدر نفسه أن يبذل ساترفيلد جهداً لإقناع الجانب الإسرائيلي بآلية الاتفاق، التي تتمحور على أن تقبل إسرائيل بأن يتم التفاوض برعاية الأمم المتحدة وبمتابعة أميركية، على غرار الترسيم البري.
وتجدر الإشارة إلى أن مبعوثاً جديداً سيكمل الدور الأميركي، هو السفير ديفيد شنكر، بعد موافقة الكونغرس على تعيين ساترفيلد سفيراً لبلاده لدى تركيا.
في سياق متصل، حاول أكثر من مسؤول الاستفسار عما إذا كان الرئيس دونالد ترمب سيشمل لبنان بتوجيه ضربات عسكرية ضد «حزب الله»، بعدما ذكر أكثر من مسؤول أميركي أن التنظيمات التي تدعمها إيران مالياً وعسكرياً ستشملها عمليات هجومية، لإنهاء التهديدات للدول أو لمصالحها.
وأجمعت مصادر الرؤساء الثلاثة: عون وبري والحريري، على أن ساترفيلد اكتفى بالحديث عن التصعيد بين بلاده وإيران، إلا أنه لم يعطِ معلومات دقيقة رداً على الاستفسار اللبناني.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم