بعد الملاريا... السرطان يحاصر فقراء ليبيا

بعض المصابين يلقى حتفه قبل حصوله على دواء

TT

بعد الملاريا... السرطان يحاصر فقراء ليبيا

يعاني مرضى الأورام السرطانية في ليبيا من نقص العلاج وضعف الخدمات داخل المستشفيات والمراكز المختصة، لكن وطأة «الداء العضال» تشتد أكثر على المواطنين الأكثر فقراً بسبب ارتفاع كلفة العلاج في الخارج. وللتخفيف من حدة هذه المعاناة، قالت منظمة الصحة العالمية إنها انتهت من فحص مخزون الإمدادات الطبية لديها استعداداً لإيصالها إلى 40 منشأة طبية في ليبيا، بهدف تقدم الخدمة لجميع المرضى، خصوصاً المتضررين من أحداث الحرب بالضواحي الجنوبية في طرابلس.
وأوضحت «منظمة الصحة العالمية بليبيا»، في بيان، أمس، أنها شحنت أطناناً من اللوازم الطبية الطارئة إلى أكثر من 40 منشأة في شرق وغرب وجنوب ليبيا، لتغطية النقص الشديد الذي تعاني منه البلاد، مبرزةً أن الأدوية المطلوبة سوف تصل هذا الأسبوع لعلاج آلاف المرضى بمراكز الرعاية الصحية الأولية، والمستشفيات في ليبيا.
في السياق ذاته، أوضحت منظمات محلية ودولية أن أكثر من 60 ألف شخص أُجبروا على ترك منازلهم، كما سقط 454 قتيلاً على الأقل منذ الرابع من أبريل (نيسان)، ما تسبب في افتقادهم الرعاية الطبية اللازمة بسبب إقامة غالبيتهم في خيام، أو داخل مدارس ومصانع مهجّرة على أطراف العاصمة تفتقر لأدنى الشروط الصحية المطلوبة للعيش.
وكانت حالة من الخوف سادت أنحاء عدة بالبلاد مطلع مارس (آذار) الماضي، بعد ظهور حالة إصابة بمرض الملاريا، الذي نجحت البلاد في القضاء عليه خلال فترة السبعينات. لكن الأورام السرطانية أصبحت هي المؤرق الأكبر لكثير من المرضى.
يقول الدكتور نوري الدروقي، وهو أكاديمي وباحث ليبي في مجال التلوث البيئي والإشعاعي، في تصريح سابق لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لا يوجد إحصاء لعدد مرضى الأورام، لكن وزارة الصحة ستعمل على إعداد سجل لهؤلاء المرضى»، لافتاً إلى أن مرضى الأورام «يتزايدون في مدن ليبية كثيرة، منها: الخمس وسرت وبني وليد»، وذهب إلى أن الأحداث التي شهدتها البلاد، عقب ضربات «حلف الناتو» وانتفاضة 17 فبراير (شباط)، «تركت أثراً سلبياً على البيئة في ليبيا».
ومنذ أكثر من ثماني سنوات يبحث كثير من مرضى السرطان عن علاج أمراضهم في الداخل، أو عبر دول الجوار، ومن بينها تونس ومصر.
والتقت «الشرق الأوسط» بوالد طفلة ليبية من مدينة سبها (جنوب البلاد) في أحد المستشفيات الخاصة بضاحية المهندسين في مصر. وقال محمد الراسي إنه جاء للبحث على علاج لابنته البالغة 10 أعوام، في مصر، بعدما أُصيبت بمرض السرطان في أنحاء عدة بجسدها.
من جهتها، قالت مشرفة طبية بالمركز الوطني لمكافحة الأورام في ليبيا لـ«الشرق الأوسط» إن مرضى الأورام يتزايدون بشكل ملحوظ في البلاد، مشيرةً إلى «أن المستشفيات والمراكز المختصة تقدم ما لديها من خبرة ومساعدة لجميع المحتاجين، لكن الأعداد في تزايد، خصوصاً بين الأطفال».
ولفتت المشرفة إلى وجود شريحة من مرضى السرطان لا يملكون الأموال التي تمكّنهم من الذهاب إلى مصر أو تونس، وبالتالي ينتظرون دورهم في المستشفيات الليبية على أمل علاجهم من المرض العضال، مستدركة: «أحيانا يهلكون قبل حصولهم على الدواء».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.