كافوري... حي السلطة والثورة في الخرطوم

قوات تصادر أموالاً من منزل البشير في كافوري
قوات تصادر أموالاً من منزل البشير في كافوري
TT

كافوري... حي السلطة والثورة في الخرطوم

قوات تصادر أموالاً من منزل البشير في كافوري
قوات تصادر أموالاً من منزل البشير في كافوري

اكتسب حي كافوري السكني الواقع على أطراف العاصمة السودانية في منطقة الخرطوم بحري، حضوراً لافتاً في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ انتقلت أسرة الرئيس السابق عمر البشير وأرفع مسؤولي نظامه ورجال أعمال بارزون للسكن فيه قبل عشرة أعوام.
وتحول الحي إلى حاضنة لرموز النظام السابق، ورمزاً للثراء والنفوذ في السودان، يعيش فيه هؤلاء حياة هادئة بعيداً عن ازدحام وصخب وسط العاصمة.
ونال الحي الذي يضم عدداً من المربعات السكنية والفيلات الفاخرة، من دون أسوار تُحيطها، شهرة واسعة منذ بداية القرن الحالي، بعدما تحول منزل زوجة البشير الثانية وداد أبي بكر، الواقع في الحي والمُطل على النيل، مقراً رسمياً له، ما ساهم في ارتفاع غير مسبوق في أسعار أمتار الأراضي فيه حتى وصلت إلى ألفي دولار للمتر في أفخم مناطقه، وفقاً لثلاثة من سكان الحي تحدثوا إلى {الشرق الأوسط}.
مصدر مُقرب من أسرة البشير ذكر لـ{الشرق الأوسط}، شرط عدم الكشف عن هويته، أن {هذا المنزل كان مملوكاً لأحد رجال الاعمال وتم الحجز عليه من البنك وبيعه لزوجة البشير الثانية، بالأمر المباشر}.
رأفت سمير، هو أحد سكان هذا الحي ويُجاور منزله الوحدة السكنية المملوكة لشقيق البشير، يرسم صورة كاملة لمنطقته، قائلاً لـ{الشرق الأوسط}: {يضُم الحي نحو 13 مربعاً سكنياً، من فيلات وعمارات سكنية، يوجد أفضلها جغرافياً وخدمياً في مربعات رقم 11 و13 و9 التي يسكن فيها أشقاء البشير ورموز نظامه، وهم كانوا أشخاصاً عاديين نلقاهم يومياً، ولا توجد قوات تأمنهم سوى مسؤولي (نظام) البشير بأعداد صغيرة}.
من بين أبرز رموز النظام الذين سكنوا الحي، وصدرت بحقهم قرارات اعتقال من جانب المجلس العسكري كُل من علي عثمان طه، النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية، وحسبو محمد عبدالرحمن، نائب البشير السابق، ووزراء سابقين، إضافة إلى نور الدائم ابراهيم، زوج شقيقة عمر البشير، وهو من كبار رجال الأعمال ويستحوذ على قطع أراضٍ متعددة في الحي، حسب سمير.
كما يضم الحي الذي يسكنه عدد كبير من الأجانب، مقرات سفارات أجنبية، ومراكز تسوق، وأندية رياضية {مميزة} تتبع السلطات على غرار نادي التصنيع الحربي، ونادي وزارة الخارجية، ومدارس أكاديمية مثل الأكاديمية السودانية العالمية التي تتبع وزارة الخارجية، ومدارس تركية، ومدارس {المواهب} المملوكة لمحمد البشير شقيق الرئيس المعزول.
وتعود ملكية الأراضي الواقع عليها الحي السكني لرجل أعمال سوداني من أصول سورية، كان مالكاً لشركة كافوري التي بدأ نشاطها في إنتاج الألبان، وعمل فيها والد البشير، قبل أن تتغير طبيعة استثمارات الشركة، بعدما صودرت أجزاء كبيرة من أراضيها من جانب الرئيس السابق جعفر النميري الذي أصدر عقب صعوده للسلطة قراراً بتحويلها إلى منطقة سكنية.
ومنح بموجب القرار أبناء مالك الشركة ربع هذه الأرض التي أسسوا فيها هذا المجمع السكني، وفقاً لراشد تاج السر، وهو صحافي سوداني مُقيم في الحي.
ويُشكل {المجمع الإسلامي}، وهو من أكبر مساجد السودان مساحة، أحد العلامات المُميزة لحي كافوري السكني، وأسسه أشقاء البشير وأطلقوا عليه اسم {مجمع الشيخ حسن أحمد البشير}، قبل أن تواجه هذه التسمية بانتقادات واسعة من سكان الحي، اضطروا على إثرها لتسميته {مجمع النور الاسلامي} وافتتحه البشير عام 2010، كما يحكي تاج السر.
ويبعُد الحي السكني عن الخرطوم نحو سبعة كيلو مترات، ولمنازله مميزات عدة أبرزها أن عدداً كبيراً منها يُطل على النيل، ما جعله {الحل الأمثل لحياة آمنة وهادئة بعيداً عن العاصمة المختنقة}، كما يقول سمير.
غير أن سمة الهدوء غابت عن الحي عقب إطاحة البشير، وتبدلت أوضاعه، بعدما لاحظ السكان حركة {غير عادية} أمام منازل رموز النظام السابق، وتمركز أعداد {كبيرة} من قوات الدعم السريع، وعربات مُصفحة تتبع الجيش في مواجهة منازل زوجة الرئيس المعزول وأشقائه، الواقعة في الحي 11 من المجمع السكني، والمعروفة باسم {حوش بانقا}، وهي المنطقة التي جاءت منها عائلة البشير من الشمال.
بقاء هذه القوات بأعداد كبيرة إلى الآن أمام منازل أسرة البشير، يدعم صحة بعض الأخبار المنشورة في عدد من الصحف السودانية حول بقاء أفراد عائلة الرئيس المعزول داخل منازلهم إلى الآن رهن إقامة جبرية.
سبب آخر يُضيفه سمير لتبدل أوضاع الحي له علاقة بانتقال تظاهرات مئات من المحتجين نحو الحي الأسابيع الماضية، بعدما قُتل أحد سكانه خلال سيره في التظاهرات، وهو الطبيب الشاب بابكر عبدالحميد الذي كان يُعالج جرحى المظاهرات في عيادة ميدانية بحي بري في الخرطوم، المحاصرمن قبل رجال السلطة، قبل أن يتلقى رصاصة من الخلف مباشرة نحو الصدر، حسب شهود عيان.
وذكر البشير اسم بابكر في خطاب ألقاه أمام حشد بولاية النيل الأبيض، في 20 يناير (كانون الثاني)، حين وصف قاتليه بـ«المندسين» وسط المتظاهرين، باستخدام {أسلحة غيرموجودة في السودان}. وكرر صلاح قوش، مُدير جهاز الأمن السابق، اسمه، في تسجيل صوتي مسرب من لقائه مع قطاع الأطباء بحزب المؤتمر الوطني، قائلاً إن {الطبيب أصيب من الخلف بخرطوش قصير مورس وبنت كانت خلفه فتحت شنطتها وعملت العملية، تعرفنا عليها سنقدمها للمحاكمة وسنعدمها}.
وانتشرت رسوم الغرافيتي التي تواكب الانتفاضة السودانية، وتخلد ذكراها، على جدران منازل الحي، وكان أبرزها صورة للضحية بابكر عبدالحميد، رسمتها فنانة الغرافيتي أصيل دياب، على حائط منزله، وتتوسطها جملة {كُلنا بابكر}.
بابكر ليس الوحيد الذي خرج للتظاهر من الحي السكني الذي كان يضُم بين صفوفه أعداد كبيرة من أثرياء السودان من أصحاب الميول المعارضة لنظام البشير.
ويقول ياسر التيجاني، طبيب سوداني، وأحد سكان الحي إن {قطاعاً كبيراً من السكان لهم ميول معارضة، أبرزهم أمين مكي مدني، أحد أهم أثرياء السودان، والحقوقي الراحل. وكان مسموحاً لنا العيش داخل الحي. ونلتقي مع أشقاء البشير ورموز نظامه أسبوعياً في المسجد، من دون حراسة أو قوات أمن مُحاطين بهم، وكذلك في المناسبات العائلية}.
ويوضح ياسر أن {ثقافة الأسوار العازلة للأحياء السكنية ليست موجودة في السودان، والسماح لمواطنين لهم ميول معارضة بالسكن بجانب أسرة البشير ورموز نظامه، وتعاملهم مع المواطنين بشكل طبيعي أمر يرتبط بالثقافة السودانية التي أرغمت الجميع على التعامل وفقاً لها، والقبول بها}.



انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
TT

انقلابيو اليمن يخصصون أسطوانات غاز الطهي لأتباعهم

توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)
توزيع أسطوانات غاز في صنعاء على أتباع الجماعة الحوثية (إعلام حوثي)

في وقت يعاني فيه اليمنيون في صنعاء ومدن أخرى من انعدام غاز الطهي وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، خصصت الجماعة الحوثية ملايين الريالات اليمنية لتوزيع أسطوانات الغاز على أتباعها دون غيرهم من السكان الذين يواجهون الصعوبات في توفير الحد الأدنى من القوت الضروري لهم ولأسرهم.

وبينما يشكو السكان من نقص تمويني في مادة الغاز، يركز قادة الجماعة على عمليات التعبئة العسكرية والحشد في القطاعات كافة، بمن فيهم الموظفون في شركة الغاز.

سوق سوداء لبيع غاز الطهي في صنعاء (فيسبوك)

وأفاد إعلام الجماعة بأن شركة الغاز بالاشتراك مع المؤسسة المعنية بقتلى الجماعة وهيئة الزكاة بدأوا برنامجاً خاصاً تضمن في مرحلته الأولى في صنعاء إنفاق نحو 55 مليون ريال يمني (الدولار يساوي 530 ريالاً) لتوزيع الآلاف من أسطوانات غاز الطهي لمصلحة أسر القتلى والجرحى والعائدين من الجبهات.

وبعيداً عن معاناة اليمنيين، تحدثت مصادر مطلعة في صنعاء عن أن الجماعة خصصت مليارات الريالات اليمنية لتنفيذ سلسلة مشروعات متنوعة يستفيد منها الأتباع في صنعاء وبقية مناطق سيطرتها.

ويتزامن هذا التوجه الانقلابي مع أوضاع إنسانية بائسة يكابدها ملايين اليمنيين، جرَّاء الصراع، وانعدام شبه كلي للخدمات، وانقطاع الرواتب، واتساع رقعة الفقر والبطالة التي دفعت السكان إلى حافة المجاعة.

أزمة مفتعلة

يتهم سكان في صنعاء ما تسمى شركة الغاز الخاضعة للحوثيين بالتسبب في أزمة مفتعلة، إذ فرضت بعد ساعات قليلة من القصف الإسرائيلي على خزانات الوقود في ميناء الحديدة، منذ نحو أسبوع، تدابير وُصفت بـ«غير المسؤولة» أدت لاندلاع أزمة في غاز طهي لمضاعفة معاناة اليمنيين.

وتستمر الشركة في إصدار بيانات مُتكررة تؤكد أن الوضع التمويني مستقر، وتزعم أن لديها كميات كبيرة من الغاز تكفي لتلبية الاحتياجات، بينما يعجز كثير من السكان عن الحصول عليها، نظراً لانعدامها بمحطات البيع وتوفرها بكثرة وبأسعار مرتفعة في السوق السوداء.

عمال وموظفو شركة الغاز في صنعاء مستهدفون بالتعبئة العسكرية (فيسبوك)

ويهاجم «عبد الله»، وهو اسم مستعار لأحد السكان في صنعاء، قادة الجماعة وشركة الغاز التابعة لهم بسبب تجاهلهم المستمر لمعاناة السكان وما يلاقونه من صعوبات أثناء رحلة البحث على أسطوانة غاز، في حين توزع الجماعة المادة مجاناً على أتباعها.

ومع شكوى السكان من استمرار انعدام مادة الغاز المنزلي، إلى جانب ارتفاع أسعارها في السوق السوداء، يركز قادة الجماعة الذين يديرون شركة الغاز على إخضاع منتسبي الشركة لتلقي برامج تعبوية وتدريبات عسكرية ضمن ما يسمونه الاستعداد لـ«معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس».

ونقل إعلام حوثي عن القيادي ياسر الواحدي المعين نائباً لوزير النفط بالحكومة غير المعترف بها، تأكيده أن تعبئة الموظفين في الشركة عسكرياً يأتي تنفيذاً لتوجيهات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.