المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تحذر من انهيار السلطة وانفلات في الضفة

الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة برفض «صفقة القرن»

خلال مسيرة في غزة لإحياء ذكرى النكبة (أ.ف.ب)
خلال مسيرة في غزة لإحياء ذكرى النكبة (أ.ف.ب)
TT

المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تحذر من انهيار السلطة وانفلات في الضفة

خلال مسيرة في غزة لإحياء ذكرى النكبة (أ.ف.ب)
خلال مسيرة في غزة لإحياء ذكرى النكبة (أ.ف.ب)

قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، إن الفلسطينيين ينتظرون 3 أشهر من أصعب الشهور، مطالباً إياهم بالبقاء متحدين لمواجهة الأزمة المالية الحالية.
وأضاف أشتية، في إفطار جماعي، «نحن اليوم نخوض مجموعة حروب؛ جزء منها، بل في معظمها مفروض علينا، إذ تشن علينا إسرائيل حرب الجغرافيا، تصادر أرضنا بشكل يومي، وبنت عليها أكثر من 196 مستعمرة، فيها 711 ألف مستعمر يشكلون 24 في المائة من مجمل الذين يسكنون في الضفة الغربية وحدها، وتشن علينا أيضاً حرب الديمغرافيا، لتهجير أهلنا من مدينة القدس بكافة الأدوات والوسائل، حيث يعيش 112 ألف مقدسي من حملة هوية القدس خلف الجدار، لكننا باقون هنا ولن نرحل، رغم محاولات تزوير التاريخ والرواية... وبالإضافة إلى حرب الجغرافيا والديمغرافية وتفريغ والقدس والرواية، تُشن علينا حرب مالية أرادتها الولايات المتحدة أن تكون في خانة الابتزاز، وهذه الإدارة الأميركية وحليفتها إسرائيل تعتقد أنها تهزمنا بحصارها المالي، وإجراءاتها بنقل سفارتها إلى القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتجفيف المصادر المالية لـ(أونروا)، لكي نستسلم ونقبل (صفقة العار)، وهذا لن يتم».
وأردف: «الأشهر الثلاثة المقبلة من أصعب الشهور علينا، لذلك يجب أن نبقى متحدين. نحن مددنا أيدينا للوحدة الوطنية، وستبقى أيدينا ممدودة لكل من يريد أن يأتي إلى حضن الشرعية الذي تمثله منظمة التحرير، لأنه لا يوجد للخيمة إلا عامود واحد، وهو شرعية المنظمة، ورأس هذه الشرعية السيد الرئيس محمود عباس».
وتمر السلطة بأزمة مالية حادة هذه الأيام مردها رفضها تسلم أموال العوائد الضريبية الخاصة بها من إسرائيل بعد خصم مبالغ منها.
وفي فبراير (شباط) الماضي، بدأت تل أبيب بخصم مبالغ توازي ما دفعته السلطة لعوائل شهداء وأسرى، فرفضت السلطة تسلم أموال عائدات الضرائب الفلسطينية منقوصة، لأن ذلك يعني الموافقة على الموقف الإسرائيلي باعتبار «الشهداء والأسرى إرهابيين».
وتدفع السلطة منذ شهور نصف راتب لموظفيها ضمن موازنة طوارئ وضعتها الحكومة حتى شهر يوليو (تموز).
وينتظر الفلسطينيون تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في إسرائيل، على أمل أنها ستنهي هذا الأمر مع مزيد من الضغوط الدولية.
وحذرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من تضرر التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، إذا استمرت الأزمة المالية لدى السلطة.
وقالت صحيفة «هآرتس»، إن تقديرات المنظومة الأمنية الإسرائيلية تشير إلى عدم قدرة الرئيس محمود عباس على الاستمرار في سيطرته على مناطق الضفة، في حال تضرر التنسيق الأمني.
وبناءً عليه، أوصت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، الحكومة، باتخاذ خطوات جدية لمنع الانهيار المالي للسلطة الفلسطينية، لأن ذلك سيعني انهيار التنسيق الأمني، وهو ما سيعني بشكل تلقائي حالة من الانفلات ومواجهات بين سكان الضفة وقوات الجيش الإسرائيلي، بطريقة قد تخرج عن السيطرة.
وترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن عباس يشعر بالإحباط بسبب حصاره في رام الله، فيما «حماس» التي تحارب إسرائيل تحقق إنجازات اقتصادية في غزة، وهو أمر يجد عباس صعوبة في تقبله وشرحه للآخرين.
تأتي هذه الأزمات في وقت يرفض فيه عباس مبادرة السلام التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو أمر يمكن أن يؤدي كذلك إلى مزيد من الحصار وتصعيد في الضفة الغربية، وإضافة إلى ذلك يوجد الدفع بالاستيطان.
وتقول المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إن هذه الأفعال أضرت بشكل بالغ بقدرة السلطة في الضفة. وتخشى أوساط أمنية إسرائيلية من أن انهيار السلطة الفلسطينية قد يدفع رجال أجهزة الأمن إلى كسب عيشهم بطرق قد تضر بإسرائيل مثل الاتجار بالأسلحة والمعلومات والمضي في طريق مختلفة. إضافة إلى الضغوط الداخلية الإسرائيلية، توجد ضغوط على واشنطن لإيجاد حلول لضمان إعادة المساعدات الأميركية لأجهزة الأمن الفلسطينية. وتدخل مسؤولون إسرائيليون من أجل ضمان ذلك.
وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق غادي آيزنكوت، عقد في الأسابيع الأخيرة لقاءً مغلقاً مع المبعوث الأميركي جيسون غرينبلات، وحذره بشدة من أن الوضع في الضفة الغربية حساس وقابل للانفجار، لجملة من الأسباب؛ من بينها تقليص التمويل الأميركي لأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وقرار إسرائيل خصم مبالغ من أموال الضرائب التي تجبيها للسلطة الفلسطينية من المعاملات التجارية. وقال آيزنكوت: «الضفة الغربية قد تشتعل قبل أو خلال أو بعد وضع خطة السلام الأميركية، يجب أن تأخذوا ذلك في اعتباراتكم، وفي اللحظة التي يخرج فيها المارد من الزجاجة، فإن إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه سيستغرق مدة طويلة لا تقل عن 5 سنوات. يجب اتخاذ خطوات من أجل استقرار الوضع على الأرض، باعتبار أن ذلك في مصلحة الطرفين».
من جهة أخرى، جددت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وحركتا «فتح» و«حماس»، رفض «صفقة القرن» الأميركية، والتمسك بحق العودة.
وخرج متظاهرون في قطاع غزة في مسيرة عنوانها «من رماد النكبة إلى تجسيد العودة فلنسقط المؤامرات»، إحياءً للذكرى التي شهدت تهجير الفلسطينيين من قراهم الأصلية عام 1948. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة، الدكتور أحمد أبو هولي، «إن (صفقة القرن) لن تمر مهما كانت الأثمان، ومهما عظمت التضحيات». وأضاف أن «قضيتي القدس واللاجئين ليستا للبيع أو المساومة». وتابع أبو هولي أن «الشعب الفلسطيني لن يبيع حقوقه ومبادئه بحفنة من الدولارات، ولن يساوم على رواتب الشهداء والأسرى، ولن يخضع للابتزاز المالي».
وأردف: «نحيي اليوم الذكرى الحادية والسبعين للنكبة التي حلت بشعبنا الفلسطيني في الخامس عشر من مايو (أيار) لعام 1948، عندما أقدمت العصابات الصهيونية على ارتكاب عشرات المجازر ودمرت مئات القرى والمدن الفلسطينية، ونفذت أوسع عملية طرد جماعي بحق شعبنا الفلسطيني، تجاوز عددهم 950 ألف لاجئ، ليصل عددهم اليوم إلى ما يقارب 5.9 مليون لاجئ فلسطيني باتوا اليوم في دائرة الاستهداف الإسرائيلي الأميركي عبر محاولتهما لاختزال أعدادهم إلى 40 ألف لاجئ فلسطيني، ومحاولاتهما إسقاط صفة اللجوء عن أبناء وأحفاد اللاجئين، وإنهاء دور المؤسسة الأممية (الأونروا) عبر تجفيف مواردها المالية لتصفية قضيتهم عبر (صفقة القرن) الأميركية، التي رفضتها منظمة التحرير الفلسطينية وكل الدول الصديقة وكل أحرار العالم».
وتابع: «رسالتنا أننا مصرون على التمسك بحقوقنا الوطنية الثابتة، وفي مقدمها حقنا العادل والمشروع في العودة إلى ديارنا التي هجرنا منها عام 48». وحضر إلى المسيرة مسنون يحملون مفاتيح بيوتهم القديمة، في إشارة إلى رفضهم كل الحلول المقترحة.
وقالت حركة «فتح»، في بيان، إن شعبنا أكثر إصراراً على التمسك بالثوابت، والحقوق الوطنية المشروعة، وفقاً للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وفي مقدمتها حق العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية. ودعت «فتح»، الجماهير، إلى رص الصفوف والوحدة في هذه المرحلة الخطيرة والمصيرية.
وقال المسؤول الحمساوي كَّد مروان حمَّاد، إن «الشعب الفلسطيني متمسك بحق عودته إلى أرضه التي هجِّر منها، وأنه لن يتنازل عن شبر من الوطن أيَّاً كانت الظروف»، مؤكداً على «رفض الشعب الفلسطيني خطوات الرئيس دونالد ترمب المتعلقة بـ(صفقة القرن)».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».