هجوم غامض على اعتصام الخرطوم بعد تفاهم الجيش والحراك

النيابة توجه اتهامات إلى البشير بقتل متظاهرين

معتصمون تجمعوا أمام مقر وزارة الدفاع في الخرطوم بعد الهجوم الغامض أمس (أ.ف.ب)
معتصمون تجمعوا أمام مقر وزارة الدفاع في الخرطوم بعد الهجوم الغامض أمس (أ.ف.ب)
TT

هجوم غامض على اعتصام الخرطوم بعد تفاهم الجيش والحراك

معتصمون تجمعوا أمام مقر وزارة الدفاع في الخرطوم بعد الهجوم الغامض أمس (أ.ف.ب)
معتصمون تجمعوا أمام مقر وزارة الدفاع في الخرطوم بعد الهجوم الغامض أمس (أ.ف.ب)

اندلعت مواجهات غامضة في ميدان الاعتصام أمام وزارة الدفاع في الخرطوم، أمس، بعد ساعات من توصل المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحراك إلى اتفاق سياسي كسر الجمود المتواصل منذ أيام.
وأطلقت {قوة عسكرية مجهولة} الرصاص الحي على المعتصمين، قبل أن يشتبك معها الجيش. ونشرت {قوات الدعم السريع} نحو خمسين سيارة محملة بالجنود والأسلحة الثقيلة في قلب العاصمة.
وسقط قتلى وجرحى من الجيش والمعتصمين. واتهم المجلس العسكري الانتقالي {جهات تتربص بالثورة أزعجتها النتائج التي تحققت} أمس في المفاوضات بينه وبين {قوى إعلان الحرية والتغيير}.
وأعلن الناطق باسم المجلس العسكري الانتقالي الفريق شمس الدين الكباشي، في بيان، مساء أمس، أن ضابطاً برتبة رائد من الشرطة العسكرية قُتل، فيما جُرح ثلاثة آخرون، إضافة إلى سقوط {عدد كبير من الجرحي والمصابين من المعتصمين}. وأشارت مصادر إلى أن معتصماً واحداً على الأقل قُتل في المواجهات.
وقال الكباشي: {في وقت تسير خطوات التفاوض بين المجلس العسكري الإنتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير في مناخ إيجابي جيد، وصل فيه الطرفان إلى نتائج متقدمة على أمل الوصول إلى اتفاق نهائي بأعجل ما يكون، هناك جهات تتربص بالثورة أزعجتها النتائج التي تم التوصل إليها (أمس) وتعمل على إجهاض أي اتفاق يتم الوصول إليه وإدخال البلاد في نفق مظلم}.
وأضاف أن {هذه المجموعات} التي لم يحدد هويتها {دخلت إلى منطقة الاعتصام وعدد من المواقع الأخرى وقامت بدعوات مبرمجة لتصعيد الأحداث من إطلاق للنيران والتفلتات الأمنية الأخرى في منطقة الاعتصام وخارجها والتحرش والاحتكاك مع المواطنين والقوات النظامية التي تقوم بواجب التأمين والحماية للمعتصمين}.
ودعا الكباشي {الجميع إلى الانتباه لهذه المجموعات التي تحاول النيل من القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وتعمل على منعنا من الوصول لتحقيق أهداف الثورة، ونؤكد أننا نعمل مع الاخوة في الطرف الآخر (قوى إعلان الحرية والتغيير) لاحتواء الموقف بكل تفهم وتعاون، ونطمئنكم جميعاً على سلامة الأوضاع في أنحاء البلاد كافة، والسيطرة عليها، وسنتخذ من الإجراءات والتدابير اللازمة ما يحول دون وصول هؤلاء المتربصين بالثورة والثوار إلى مراميهم}.
وطالبت {قوى إعلان الحرية والتغيير} السودانيين بعد الهجوم بـ{التوجه إلى ساحة الاعتصام دفاعاً عنه}، بهدف {تفويت الفرص على قوى الثورة المضادة وبقايا النظام وجهاز أمنه وميليشياته وكتائب ظله التي تحاول فض الاعتصام وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإشاعة الانفلات}. وشددت على التمسك بالسلمية، باعتبارها {سلاح ثورتنا الأمضى}.
وشددت على {محاسبة المتورطين فرداً فرداً ومحاسبة من أصدر الأوامر}، داعية المجلس العسكري الانتقالي إلى {تحمل مسؤوليته كاملة في حماية البلاد وضمان العبور بها نحو الأمان والاستقرار، والقيام بخطوات جادة لحماية المواطنين وفق أوامر صريحة وواضحة بالتعامل بالصرامة اللازمة مع كل من يفتعل العنف ويسعى للبلبلة في هذا الوقت العصيب الذي ستعصف فيه الفتنة بالجميع}.
وتوصل العسكريون وقيادة الحراك، أمس، إلى توافق على هياكل الحكم الانتقالي، ومستوياته وسلطات كل مستوى، واخترقوا حاجز التوتر والتصعيد المتبادل الذي ظل يسود الساحة السياسية. وجاء هذا تزامناً مع توجيه النيابة العامة اتهامات بقتل متظاهرين ضد الرئيس المعزول عمر البشير وآخرين، في حين تقدم محامون بدعوى جنائية ضده تتعلق بتقويض النظام الدستوري، بانقلابه على السلطة المنتخبة في 30 يونيو (حزيران) 1989.
وقال المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي في تصريحات صحافية مشتركة مع المتحدث باسم قوى «إعلان الحرية والتغيير» طه عثمان إسحاق، أمس: إن لجان التفاوض المشتركة اتفقت «تماماً وفي أجواء طيبة ودية»، على مستويات الحكم الثلاثة خلال الفترة الانتقالية، وسلطات كل مستوى، وهي تشمل «المجلس السيادي، والمجلس التشريعي، والسلطة التنفيذية».
وتطالب قوى «إعلان الحرية والتغيير» التي ظلت تقود الثوار منذ قرابة خمسة أشهر، بمجلس سيادي مدني بتمثيل عسكري محدود، ومجلس وزراء من الكفاءات، إضافة إلى مجلس تشريعي انتقالي، بيد أن المجلس العسكري الانتقالي يتمسك بأغلبية عسكرية في المجلس وسلطات رئاسية.
وأوضح الكباشي أن الطرفين اتفقا على إرجاء التفاوض على نسب التمثيل في المجلس السيادي والتشريعي، وطول الفترة الانتقالية إلى اليوم (الثلاثاء). وأضاف: «ناقشنا هياكل السلطة الانتقالية وتم الاتفاق عليها تماماً، واتفقنا على نظام الحكم خلال الفترة الانتقالية، وما هي المهام والسلطات في المستويات الثلاث». وتابع: «سنواصل غداً (اليوم) مناقشة نسب المستوى السيادي والنسب المختلفة للمستوى التشريعي وأمر الفترة الانتقالية، والتي نراها – كمجلس عسكري – عامين، فيما يراها إخوتنا في الحرية والتغيير أربعة أعوام، وسنتوافق على هاتين النقطتين».
بدوره، أكد المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير طه عثمان إسحاق للصحافيين ما ذكره متحدث المجلس العسكري الانتقالي، وقال: «توصل الطرفان لاتفاق يرضيهما ويحقق مطالب الثورة». وتابع: «اتفقنا على هياكل السلطة بمستوياتها الثلاثة والمفوضيات والسلطات والصلاحيات الممنوحة لكل مستوى، على أن نواصل غداً بحث النسب والمواضيع الأخرى، ونأمل أن نواصل غداً (اليوم) بنفس الروح».
إلى ذلك، وجهت النيابة العامة، اتهامات للبشير وآخرين، تتعلق بالتحريض والاشتراك الجنائي في قتل المتظاهرين خلال الأحداث الأخيرة، وذلك في بلاغ مقتل الشهيد بابكر الذي قتل بالرصاص أثناء قمع أجهزة الأمن احتجاجات في ضاحية بري شرقي الخرطوم. وفي تعميم صادر عنها، وجهت النيابة العامة بالإسراع في إكمال التحريات في بلاغات القتل التي شهدتها البلاد أثناء الاحتجاجات كافة، وبلاغ حيازة النقد الأجنبي بطريقة غير مشروعه كانت قد وجهته للبشير في وقت سابق، بعد العثور على الملايين من العملات الأجنبية في مسكنه بالقيادة العامة.
ومنذ أول من أمس، توترت الأوضاع في البلاد بعد الرد الذي قدمه المجلس العسكري الانتقالي، على الوثيقة الدستورية التي قدمتها قوى إعلان الحرية والتغيير له، واعتبره الثوار مخيباً للآمال، ومحالة إطالة من «العسكري» للتمسك بالسلطة.
وإثر ذلك، خرجت مظاهرات ومواكب حاشدة انضمت إلى المعتصمين أمام قيادة الجيش منذ السادس من أبريل (نيسان) الماضي، في حين وسع المعتصمون ساحة الاعتصام إلى «شارع النيل» المؤدي للقصر الرئاسي والوزارات المهمة للسلطة، وأقاموا المتاريس عليه؛ ما أدى إلى شل حركة السير في الخرطوم كلياً.
وانتقد «تجمع المهنيين السودانيين» وقوى الحرية والتغيير، ما أسمياه محاولة الجيش والشرطة والأمن فض الاعتصام، واعتبرته عودة للمربع الأول، وسارعت إلى تنظيم جدول مظاهرات واحتجاجات ومواكب لممارسة المزيد من الضغط على المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة للمدنيين. واستنكر التجمع في بيان غاضب نشره في صفحته على «فيسبوك» أمس، ما مارسته قوات الجيش والدعم السريع من عنف ضد المعتصمين. وقال: «فليعلم الجميع أنه لا سلطة أعلى من سلطة الشعب، ولا إرادة أقوى من إرادة الشعب».
وحذر التجمع الذين يصدرون الأوامر «لتحسس مقاعدهم قبل أن يصدروا الأوامر والتعليمات بالقمع أو التعدي». وتابع: «لن تجدوا منّا سوى مزيد من الصمود والصلابة والسلمية، التي أرهقتكم وأسقطت سلطانكم، ومن تركهم خلفه من قادة النظام البائد». ووصف البيان عودة المواطنين إلى إغلاق الطرقات والجسور في مركز المدينة والأحياء، بأنه تعبير «عن حالة السخط الشعبي من المماطلة، واستهلاك الوقت من قبل المجلس العسكري». واتهم أفراد المجلس العسكري باستخدام العنف المفرط ضد المواطنين الساخطين على تماطله، واعتبره عودة لـ«ممارسات من سبقهم». وتابع: «الآن ليس أمام المجلس العسكري، خيار سوى تسليم السلطة إلى المدنيين».



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.