عودة مظاهر الثقافة والفنون إلى الرقة بعد سنوات انقطاع

معرض لوحات في المركز الثقافي في الرقة (أ.ف.ب)
معرض لوحات في المركز الثقافي في الرقة (أ.ف.ب)
TT

عودة مظاهر الثقافة والفنون إلى الرقة بعد سنوات انقطاع

معرض لوحات في المركز الثقافي في الرقة (أ.ف.ب)
معرض لوحات في المركز الثقافي في الرقة (أ.ف.ب)

تملأ الكتب رفوف المكتبة الواسعة وتغطي اللوحات جدران غرفة أخرى، بينما يرقص فتيان وفتيات بثياب تقليدية على نغمات الموسيقى الشعبية في المسرح. مشاهد تتنوع في المركز الثقافي الأول في مدينة الرقة منذ طرد الجهاديين منها، هذا ما أورده تحقيق أجرته وكالة الصحافة الفرنسية في المدينة السورية التي كانت معقل تنظيم داعش الإرهابي».
ويتحدث زياد الحمد (64 عاماً) بكل فخر عن المركز الذي يرأسه. يجلس بين رفوف الكتب والمجلدات القديمة ويقول: «لم نكن نصدق بأن نعود في يوم من الأيام بعد كل الدمار الذي نكبت به المدينة، ليكون لدينا مركز ومكتبة ومسرح وموسيقى».
وافتتحت مدينة الرقة في أبريل (نيسان) الماضي، مركزها الثقافي الجديد ليكون بديلاً عن أكثر من 20 مركزاً آخر كان التنظيم المتطرف دمرها أو أغلقها خلال فترة سيطرته على المدينة التي كانت تشكل معقله الأبرز في سوريا قبل طرده منها في أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
وكان أحد أكبر المراكز الثقافية في الرقة يحوي مكتبة ضخمة تضم أكثر من ستين ألف كتاب، إلا أن الإرهابيين لم يتركوا منه سوى ركام بعد إحراق كافة محتوياته ثم تدميره.
ويقول الحمد الذي غزا الشيب شعره إن «الكتب التي ترونها اليوم أخرجناها من تحت ركام أماكن كثيرة، وبعض الأشخاص احتفظوا بالكتب في المراكز الثقافية في الريف وأخفوها بعيداً عن «داعش»، وأعادوها إلينا بعد تحرير المدينة».
وللمرة الأولى منذ العام 2014. يستطيع الفنانون عرض رسوماتهم أو منحوتاتهم من دون خوف من الاعتقال والملاحقة، ويستطيع محبو الفن التجول بين المعارض المختلفة في المركز الثقافي، وحضور مسرحياته أو الاستعانة بمكتبه من دون خشية.
وتتجول فوزية الشيخ (30 عاماً) بين غرف المركز خلال مشاركتها في حفل افتتاحه. وتقول: «إنه شعور بالسعادة لا يوصف». وتضيف: «انتقلنا من الدمار، ولا ثقافة ولا فن إلى مركز سنسمع فيه الموسيقى والشعر، إننا ننتقل من الظلام إلى النور».
اختار مجلس الرقة المدني مبنى متضررا نسبياً وأعاد ترميمه ليكون مقراً لـ«مركز الرقة للثقافة والفنون». ويتألف من طابقين، الأول يضم قاعة المسرح وصالة معرض للرسومات والمنحوتات ومكاتب مخصصة لأقسام أخرى، أما الطابق الثاني فيضم المكتبة الكبيرة برفوفها المليئة بالكتب، وإن كان بعضها لا يزال ينتظر أن يُملأ.
في المسرح، يختلط قرع الطبل وأنغام الربابة مع أصوات رجال يرددون الأغاني التقليدية الآتية من منطقة شرق الفرات، فيما يرقص أمامهم فتيان بعباءات رمادية مع فتيات يتألقن بعباءات تقليدية مزركشة باللون الذهبي.
في قاعة المعرض، منحوتة تظهر امرأة ترضع طفلها وأخرى لرجل ينحني أرضاً، فيما تتنوع اللوحات التي تملأ الجدران بين مشاهد طبيعية ملونة لبحر أزرق أو جبل يغطيه الثلج أو آخر أخضر تماماً، وأخرى باللونين الأبيض والأسود لفتاة مبتسمة أو امرأة يتدلى شعرها فوق كتفيها، أو حتى لقدم تمشي. بعض هذه اللوحات موقعة باسم أمل العطار (37 عاماً)، الفنانة التشكيلية التي اختارت العودة إلى الرقة بعد سنوات من اللجوء في لبنان. وتقول العطار لـ«الصحافة الفرنسية»: «بالنسبة لنا المركز هو عبارة عن ولادة جديدة في الرقة».
قد لا تنسى العطار ما عانته خلال فترة سيطرة التنظيم المتطرف على مدينتها، لكنها تبدو واثقة من قدرة المدينة على التعافي.
قبل سنوات، دخل إرهابيو «داعش» إلى مرسم العطار الذي كانت تتشاركه مع فنانين آخرين، وأبلغوهم أن ما يقومون به «حرام» ويجب طلب التوبة، فما كان منها سوى أن جمعت أغراضها وغادرت المدينة. وتقول: «كان لدي خمسون عملاً معظمها يتعلق بتراث الرقة وقد أحرقها داعش».
وفي 23 من مارس (آذار) الماضي، أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» القضاء على «خلافة» تنظيم داعش بعد طرده بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية من جيبه الأخير في بلدة الباغوز في أقصى الشرق السوري.
إلا أن خطر التنظيم المتطرف لم ينته إذ لا يزال ينشط من خلال خلايا نائمة تنتشر من دير الزور إلى الرقة، فضلاً عن مقاتلين منتشرين في مناطق صحراوية نائية.
وشنّ التنظيم المتطرف اعتداءات عدة في مدينة الرقة بعد طرده منها، وهي التي لا تزال آثار المعارك العنيفة من دمار وفوضى تطغى عليها برغم عودة عشرات آلاف السكان إليها.
ورغم الذكريات السيئة التي طبعها الإرهابيون في ذاكرته، ترتسم على وجه المغني الشعبي ملك اليتيم (60 عاماً) ابتسامة واسعة وهو يتنقل بين كراسي مسرح مركز الرقة الثقافي الحمراء اللون.
ويقول اليتيم إن مقاتلي «داعش كسروا أجهزتي الموسيقية، ومنعوني من الغناء، كنا مثل البلبل في القفص (...) إذا قمنا بأي شيء، إما أن يقطعوا رؤوسنا أو يكون الجلد من نصيبنا».
ويضيف الرجل الذي وضع كوفية بيضاء على رأسه وارتدى عباءة داكنة: «الآن أشعر وكأني طير يحلق في السماء، والسما صافية والجو ربيع».



مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
TT

مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)

تسعى الحكومة المصرية، لتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في مجال إدارة الموارد المائية، في ظل تحديات كبيرة تواجهها تتعلق بـ«محدودية مواردها». وخلال لقائه سفيرة الاتحاد الأوروبي في القاهرة أنجلينا إيخورست، الاثنين، ناقش وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، التعاون بين الجانبين، في «إعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجتها».

وتعاني مصر عجزاً مائياً، حيث يبلغ إجمالي الموارد المائية، نحو 60 مليار متر مكعب سنوياً، في مقابل احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً، وبنسبة عجز تقدر 54 مليار متر مكعب، وفق «الري المصرية».

وتعتمد مصر على حصتها من مياه نهر النيل بنسبة 98 في المائة، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وحسب بيان لـ«الري المصرية»، ناقش سويلم، مع سفيرة الاتحاد الأوروبي، مقترحات تطوير خطة العمل الاستراتيجية (2024-2027)، طبقاً للأولويات المصرية، مشيراً إلى الدعم الأوروبي لبلاده في مجالات «رفع كفاءة الري، وإعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجة المياه، والتكيف مع تغير المناخ».

ووقَّعت الحكومة المصرية، والاتحاد الأوروبي، إعلاناً للشراكة المائية، خلال فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، COP28، الذي عُقد في دبي عام 2023، بهدف تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية، وتعزيز الحوار، وتبادل الخبرات.

وأوضح وزير الري المصري أن «الإجراءات التي تتبعها بلاده لرفع كفاءة استخدام المياه، تندرج تحت مظلة الجيل الثاني لمنظومة الري»، منوهاً بقيام الوزارة حالياً «بتأهيل المنشآت المائية، ودراسة التحكم الآلي في تشغيلها لتحسين إدارة وتوزيع المياه، والتوسع في مشروعات الري الحديث»، إلى جانب «مشروعات معالجة وإعادة استخدام المياه، ودراسة تقنيات تحلية المياه من أجل الإنتاج الكثيف للغذاء».

ومن بين المشروعات المائية التي تنفذها الحكومة المصرية، بالتعاون مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي، «البرنامج القومي الثالث للصرف، وتحسين نوعية المياه في مصرف (كيتشنر)، وتحديث تقنيات الري لتحسين سبل عيش صغار المزارعين في صعيد مصر، ومراقبة إنتاجية الأراضي والمياه عن طريق الاستشعار عن بعد».

وتعوِّل الحكومة المصرية على الخبرات الأوروبية في مواجهة ندرة المياه، وفق أستاذ الموارد المائية، في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، الذي أشار إلى أن «القاهرة سبق أن استعانت بخبراء أوروبيين لصياغة حلول للتحديات المائية التي تواجهها مصر»، وقال إن «كثيراً من المقترحات التي قدمها الخبراء تنفذها الحكومة المصرية في سياستها المائية، ومن بينها التوسع في مشروعات معالجة المياه، وتحلية مياه البحر، واعتماد نظم الري الحديث».

وللتغلب على العجز المائي شرعت الحكومة المصرية في تطبيق استراتيجية لإدارة وتلبية الطلب على المياه حتى عام 2037 باستثمارات تقارب 50 مليون دولار، تشمل بناء محطات لتحلية مياه البحر، ومحطات لإعادة تدوير مياه الصرف بمعالجة ثلاثية، إضافة إلى تطبيق مشروع تحول للري الزراعي الحديث.

ويعتقد نور الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخبرة الأوروبية في مجال تطوير إدارة المياه والتغيرات المناخية هي الأفضل في هذا المجال»، مشيراً إلى أن «القاهرة تسعى إلى الاستفادة من المنح الأوروبية المقدَّمة في تلك المجالات، وخصوصاً، التكيف مع التغيرات المناخية»، معتبراً أن «التعامل مع العجز المائي في مصر من أولويات السياسة المائية المصرية».

ويُعد الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء في المجال التنموي بالنسبة لمصر، وفق أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، الذي أشار إلى أن «التعاون المائي بين الجانبين يأتي ضمن الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي جرى توقيعها بين الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، لتطوير التعاون بمختلف المجالات».

ويرى شراقي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتحاد الأوروبي يمتلك التكنولوجيا والخبرات الحديثة بشأن تطوير استخدام المياه، خصوصاً في الدول التي تعاني من شح مائي».