دراسة سعودية تنبه إلى ضرورة تعزيز الأمن الفكري في التعليم

تستهدف ربع السكان وترسخ الوحدة الوطنية ونبذ التطرف والإرهاب

طالبات في إحدى المدارس السعودية .. وفي الاطار غلاف الدراسة
طالبات في إحدى المدارس السعودية .. وفي الاطار غلاف الدراسة
TT

دراسة سعودية تنبه إلى ضرورة تعزيز الأمن الفكري في التعليم

طالبات في إحدى المدارس السعودية .. وفي الاطار غلاف الدراسة
طالبات في إحدى المدارس السعودية .. وفي الاطار غلاف الدراسة

مع دق أجراس المدارس إيذانا ببدء العام الدراسي الجديد في السعودية، الذي انطلق أمس الأحد، ومع توجه أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة إلى مقاعد الدراسة، ووسط أحداث محلية وعربية وإقليمية وعالمية غاية في الصعوبة، وقضايا ومستجدات متسارعة، وأعمال عنف وقتل في دول الجوار، كان لبعض السعوديين حضور فيها، دقت دراسة سعودية جرس الإنذار بخصوص الأمن الفكري، والمفاهيم الشرعية الخاطئة التي أسيء فهمها عند كثيرين، مما ولد انحرافا فكريا، واستغلالا للشعائر الدينية، كالجهاد والدعوة إلى الله، وإقامة شرعه في الأرض، أو إعادة مجد الأمة، واستخدامها غطاء لأعمال العنف والإرهاب.
وأكدت الدراسة أهمية حفظ الشريعة للضرورات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال، مبينة مدى ارتباط حفظها بتحقيق نهضة الأمة ونمائها، وناهية عن التفريط في حفظ هذه الضرورات، لافتة إلى الكثير من النصوص الشرعية التي تسهم في حفظ هذه الضرورات الخمس، التي تحمل في طياتها مفاهيم عميقة لتعزيز أمن المجتمعات الفكري ومحاربة أي شكل من أشكال الانحراف الفكري.
وفي دراسته اللافتة التي عنونها بـ«تصور استراتيجي لتعزيز الأمن الفكري من خلال مناهج التعليم الثانوي السعودي.. مقررات العلوم الشرعية أنموذجا»، وقدمها لنيل رسالة الماجستير في العلوم الاستراتيجية من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، أوضح الباحث عبد العزيز بن حسين العنزي أن هذا العصر عصر مضطرب والعالم الثالث مهدد في أمنه عامة وأمنه الفكري خاصة، والسعودية لیست بمنجاة من هذا التهدید إذا لم توظف جهودها في تربیة أبنائها تربیة إسلامية صالحة، مشددا على أن من أعظم مهددات الأمن الفكري هو الانحراف الدیني واختلال الوضع الاجتماعي وضعف التربیة، كما أن ضعف الأمن الفكري یعرض المجتمع لأن یكون نهبا للأطماع الخارجیة، كما بيّن الباحث أن مقررات العلوم الشرعیة في المرحلة الثانویة لها دور كبیر في التصدي لأسباب الانحراف الفكري وترسیخ أمن المجتمع، معتبرا أن القیم الإسلامية یمكن أن تكون أداة بناء لا هدم إذا ما درِّست تدریسا مستقیما.
وأوصت الدراسة بضرورة إعادة صیاغة مقررات العلوم الشرعیة لتجمع بین الجانبین النظري والعملي، لیصبح الإسلام متجسدا في حیاة الناس وخادما لها، مع ضرورة تأهیل المعلم، وبخاصة معلم مقررات العلوم الشرعیة، تأهیلا یجعله قدوة لما یدعو له، والتأكيد على ضرورة الشراكة بين المدرسة والمجتمع؛ تحقيقا لمبادئ التكافل والتعاون والتكامل الإسلامي.
وسعت الدراسة إلى تعزيز الأمن الفكري في شريحة من المجتمع السعودي تمثل 25 في المائة من السكان، ألا وهم الطلاب والطالبات في المرحلة الثانوية، وهي مرحلة المراهقة التي قد تصبح عامل بناء في المجتمع أو عامل هدم، ولا يتحقق الأول إلا بتطور المناهج الدراسية من خلال تصور استراتيجي يصون الأمن الفكري.
وقدمت الدراسة تصورا استراتيجيا لتعزيز الأمن الفكري، من خلال محاور عدة؛ حيث أكدت الدراسة أن التطور السريع الذي حصل في المجتمع السعودي المعاصر من حيث المستوى الثقافي، والاقتصادي، والتقني وأساليب الحياة اليومية، ووسائل العيش والمواصلات، والاتصالات، والتوسع العمراني في المدن والقرى، كذلك الانفتاح العالمي من خلال وسائل الإعلام المختلفة، كان له أثر كبير على العادات والتقاليد الاجتماعية، وهذا مما يستوجب إعادة النظر في المناهج الدراسية وتطويرها لتواكب التقدم العلمي والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات المحلية والعالمية.
واعتبرت الدراسة أن هذا التصور الاستراتيجي الذي يهدف إلى تعزيز الأمن الفكري في المناهج الدراسية، يدعو إلى توفير مناهج تربوية تعليمية متكاملة ومتوازنة ومرنة ومتطورة، تلبي حاجات الطلاب ومتطلبات خطط التنمية الوطنية واحتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية، مستوعبة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، ومحققة التفاعل الإيجابي الواعي مع التطورات التقنية والاتجاهات التربوية الحديثة، متمسكة بالقيم والمبادئ الإسلامية الأصيلة ومبادئ الولاء والمواطنة الصالحة، وذلك من خلال إكساب الطلاب المعارف والمهارات وأنماط السلوك النافعة اللازمة للحياة والتعايش الاجتماعي، التي تقوده إلى التفكير والتأمل والتدبر والتعلم المستمر باستخدام التقنيات ومصادر التعليم المختلفة، فالمناهج الدراسية بحاجة إلى تطوير يشمل جميع عناصرها، وفق أحدث النظريات والأساليب التربوية والعملية المعاصرة، حيث تتولى وزارة التربية والتعليم، بالاشتراك مع مختلف المؤسسات التعليمية والأكاديمية الوطنية الحكومية والأهلية عمليات تخطيطه وتنفيذه وتقويمه.
وزادت الدراسة: «ينبغي أن تحقق مقررات العلوم الشرعية ما يسهم في التنمية المستدامة الشاملة المبنية على الجانب العملي للفكر الإسلامي، فالإسلام يجمع بين الإيمان والعمل، والإيمان الذي لا يحقق الإعمار المادي نقص؛ لأن الإسلام يجعل العمل والإنتاج والإبداع من القيم الإسلامية والأسس التي يحاسب الله الإنسان عليها، ولهذا حث الله - سبحانه وتعالى - الإنسان على إعمار الأرض التي استخلفه عليها، واستثمار كنوزها وثرواتها».
ويرى الباحث العنزي أن من أهم الوسائل الاستراتيجية التي يجب أن يعتمد عليها التعليم اليوم التخطيط الاستراتيجي الذي يدرس واقع التعليم بكل أبعاده ومظاهره من قوة وضعف وفرص وتحديات، ويبني التصورات والأهداف المستقبلية بناء على دراسته لهذا الواقع، ثم يضع الخطط المستقبلية، وفقا لآيديولوجية المجتمع، بعيدا عن الارتجال أو السطحية، وبعيدا عن تجاهل التحديات أو إهمال الفرص المتاحة، مع الاهتمام باستخدامات العلوم الاستراتيجية في التعليم، والاستفادة منها في تطوير التعليم بمختلف جوانبه، سواء من حيث التنظيمات واللوائح، أو من حيث المناهج الدراسية ومواد التعلم، أو من حيث الإمكانات الفنية والتقنية.
كما يرى الباحث أن من هذه الوسائل الاهتمام باستراتيجية التعلم، والاعتماد عليها أسلوبا من أساليب تطوير مواد التعلم، وهي كل ما يتعلق بأسلوب توصيل المادة للطلاب من قبل المعلم لتحقيق الهدف المنشود، وتعمل الاستراتيجيات على إثارة تفاعل ودافعية المتعلم لاستقبال المعلومات، وتؤدي إلى توجيهه نحو التغير المطلوب.
ويوضح الباحث العنزي أن عملية التعليم ترتكز كليا على مجموعة من الاستراتيجيات الحديثة، مثل استراتيجية التعليم التفاعلي والتعليم غير المباشر والتعليم الذاتي، بالإضافة إلى تطوير الاستراتيجية التقليدية المبنية على التعليم المباشر، لافتا إلى أن لهذه الوسائل التعليمية دورا ملموسا وأهمية بالغة إذا أحسن استخدامها، فهي تقدم للتلاميذ أساسا ماديا للإدراك الحسي، وتثير اهتمامهم كثيرا وتجعل ما يتعلمونه باقي الأثر، وتقدم خبرات واقعية تدعو التلاميذ إلى النشاط الذاتي، وتنمي فيهم استمرار التفكير، وتسهم في جعل ما يتعلمونه أكثر كفاية وعمقا وتنوعا.
واستخلص الباحث من هذه الدراسة مجموعة من النتائج، لعل أهمها التأكيد على أن مخرجات التعليم لا تزال تحتاج إلى إعادة صياغة المناهج، حيث تتلاءم مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، وما تحتاج إليه التنمية الشاملة، اقتصاديا واجتماعيا، من كوادر وطنية تحل محل الكوادر الوافدة، وهذا الخلل أدى إلى رفع معدلات البطالة بين الشباب السعودي، ولا سيما أن البطالة والفقر من العوامل التي تهيئ بيئة خصبة يستغلها الفكر المنحرف والإرهاب.
كما أكدت الدراسة أن العالم في ظل العولمة يشهد تحولات كبرى؛ حيث تؤثر قيم الحضارة الغربية على الثقافات الأخرى، وبخاصة الثقافة الإسلامية والمجتمعات الإسلامية، مما يفرز عاملا من العوامل المحفزة للفكر المنحرف ويقود إلى اضطرابات سياسية، وهذا ما يشاهد الآن في دول الجوار العربية من فتن واضطرابات، جعلت منها ميدانا للإرهاب، ويصبح هذا أحد مهددات الأمن الفكري ونشر الفكر المنحرف الذي لا بد من مكافحته من خلال مقررات العلوم الشرعية.
ورأت الدراسة أنه منذ البداية بُنيت مقررات العلوم الشرعية في التربية والتعليم لتحصين المجتمع من الانحراف الفكري، وتعزيز الأمن الفكري، وسعت لترسيخ المنهج الإسلامي المبني على الاعتدال والوسطية والاستقامة، مشددة على أن القيم الإسلامية يمكن أن تكون أداة بناء لا هدم إذا ما دُرِّست تدريسا مستقيما.
وخرجت الدراسة بتوصيات عدة، تمثلت في المطالبة بإنشاء إدارة استراتيجية مختصة على درجة عالية من الكفاءة، للإشراف على تصميم المناهج الدراسية وتطويرها، ومقررات العلوم الشرعية خاصة، ومراجعتها مراجعة دورية، مع الحرص على التجديد المستمر لأعضائها لتكون قادرة على مواكبة آخر المستجدات والتطورات، وإنشاء مراكز متخصصة تهتم بالأبحاث والدراسات التربوية والتعليمية، وتشجيع الجامعات ومراكز الأبحاث على استثمار أبحاثها لخدمة التربية والتعليم، وبخاصة المتخصصة في مقررات العلوم الشرعية لدراسة دورها في ترسيخ الوحدة الوطنية، وتأمين المجتمع فكريا، ومحاربة الانحرافات، ونبذ التطرف.
كما أكدت الدراسة أهمية صياغة مقررات العلوم الشرعية لتجمع بين الفكر النظري والتطبيق العملي للقيم الإسلامية، وهذا الجانب هو ما تسعى إليه هيئة الجودة والاعتماد الأكاديمي، مع ضرورة تأهيل المعلمين، خصوصا معلمي العلوم الشرعية، تأهيلا يجعل منهم قدوة لما يدعو له، إضافة إلى أهمية تحقيق تعاون جميع الجهات الحكومية، وتضافر جهودها لبناء أنظمة إدارية متطورة للقضاء على المشكلات الإدارية في التعليم، والتقليل من البيروقراطية والتخبط الإداري، والهدر في الموارد، مع زيادة التعاون والتنسيق بين وزارة التربية والتعليم والمراكز البحثية المختصة في قضايا الأمن الفكري كمركز الدراسات والبحوث في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
ورأت الدراسة ضرورة تأسيس قنوات إعلامية تعليمية تساعد وزارة التربية والتعليم في إيصال رسالتها، وتحقيق أهدافها التربوية والتعليمة، وتشكيل مجالس تربوية لكل مجموعة من المدارس المتجاورة جغرافيا، يشترك في عضويتها مديرو المدارس وأولياء الأمور وعمد الأحياء، وتكون تحت إشراف مكتب التربية والتعليم، ويسهم في تفعيل أنشطتها المعلمون ولا سيما معلمو العلوم الشرعية.
وأوصت الدراسة بضرورة أن يكون هناك تنسيق مشترك بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية لإطلاع الأولى على آخر المستجدات المتعلقة بمهددات الأمن الفكري، التي يمكن أن ينعكس أثرها السلبي على سلوك الطلاب، والعمل على إيجاد أساليب حديثة معاصرة لمواجهة هذه المخاطر، مع العمل على إيجاد تعاون بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية للوقوف على المشكلات المؤثرة على الفرد والمجتمع والمهددة للأمن الفكري ومعالجتها معالجة سريعة ومستمرة، وحثت الدراسة على استقطاب خبراء دوليين مختصين في شؤون تطوير التعليم من الدول المتقدمة، والاستفادة منهم في هذا المجال، والعمل على تطوير التعاون بين الدول في مجال الأبحاث المرتبطة بالتعليم، عن طريق تبادل الأبحاث والباحثين في المراكز البحثية الدولية.
وشددت الدراسة على ضرورة الاستفادة من وسائل التقنية الحديثة وتجنيدها لمواجهة مخاطر الاستخدام السيئ لهذه الوسائل، والعمل من خلال شبكات التواصل الاجتماعي بما يخدم البيئة التعليمية بإطلاق الكثير من المشروعات والمبادرات التربوية والتعليمية، والعمل على تعزيز التعاون بين وزارة التربية والتعليم وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ولا سيما كلية العلوم الاستراتيجية، لاهتمامها البالغ بقضايا الأمن الإنساني عموما والفكري خصوصا، ولتمكين الوزارة من الاستفادة من العلوم الاستراتيجية في تطوير التربية والتعليم.



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).