الجهاد على الإنترنت: كيف يمكن أن يربح الغرب الحرب؟

سيحسمها من يستقطب العقول والقلوب من خلال الحرب الدعائية على مواقع التواصل الاجتماعي

الصحافي الأميركي جيمس فولي اختطف في سوريا عام 2012.. وذبح في 2014 (أ.ب)
الصحافي الأميركي جيمس فولي اختطف في سوريا عام 2012.. وذبح في 2014 (أ.ب)
TT

الجهاد على الإنترنت: كيف يمكن أن يربح الغرب الحرب؟

الصحافي الأميركي جيمس فولي اختطف في سوريا عام 2012.. وذبح في 2014 (أ.ب)
الصحافي الأميركي جيمس فولي اختطف في سوريا عام 2012.. وذبح في 2014 (أ.ب)

من المعتقد أن مئات الجهاديين الذين يقاتلون حاليا في منطقة الشرق الأوسط يقومون بمتابعة حساب «تويتر» الخاص بناصر البلوشي، المسلم السني وأحد جنود جيش «تويتر» المتنامي الذين يعملون على تجنيد المقاتلين عبر الإنترنت.
المواجهة بين الغرب و«داعش» - مثلها مثل كل الحملات العسكرية - سيحسمها من يربح العقول والقلوب من خلال الحرب الدعائية، ويقدم جيش داعش عبر الإنترنت - الذي يطلق عليهم خبراء التطرف اسم «الناشرون الجدد» - دعما كبيرا لعمليات «داعش» الوحشية على الأرض.
استخدمت «داعش» الـ«يوتيوب» من أجل نشر الفيديو الذي يصور ذبح الصحافي الأميركي جيمس فولي، وربما كان هذا الفيديو هو الأشد قسوة حتى الآن في صراع تخللته لقطات فيديو وصور توضح أعمال التعذيب ووقوع جثث وأعمال قتل وغيره من الأعمال القتالية العنيفة. وشغل هذا الفيديو المروع لذبح الصحافي الأميركي اهتمام الأجهزة الأمنية الغربية. كما عززت جودة إنتاج ومونتاج الفيديو الفائقة فكرة أن الأدوات التي يستخدمها «داعش» تعد سهلة ولكنها صادمة.
وقال جيمي بارتليت، مدير مركز تحليل مواقع التواصل الاجتماعي في مركز أبحاث ديموس: «إنهم شباب في العشرينات من أعمارهم نشأوا على ثقافة التواصل الاجتماعي»، مضيفا: «هم يدركون أن إنشاء تطبيق على الإنترنت ليس صعبا، ويعرفون مدى أهمية موقع (تويتر). ويمكنهم تحميل فيديو ذي محتوى سيء ونشره بسرعة. وهم يعملون أيضا أن إنتاج دعاية جيدة ومنخفضة التكلفة ونشرها في مختلف أنحاء العالم بات اليوم أكثر سهولة، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات».
يعد البلوشي - الذي تتضمن صفحته على «تويتر» صورا لقنابل يدوية وأسلحة كلاشنكوف AK - 47s وأسلحة يستخدمها المجاهدون - واحدا من المقاتلين الشباب ممن يدركون كيفية التعامل مع تلك التكنولوجيات. ففي أبريل (نيسان) 2014، بينما بدأت «داعش» تستعرض عضلاتها في شمال سوريا - ولكنها ظلت غير معروفة بالنسبة للكثيرين - اعتبرت دراسة مفصلة، نشرتها الـ«أوبزرفر» البريطانية، أن بلوشي يعد مصدر الإلهام الأساسي لشبكات المقاتلين الأجانب في سوريا.
وقام أكاديميون في المركز الدولي لدراسة التطرف الذي يقع مقره في لندن بتتبع إلى أي مدى يستقطب الصراع في سوريا الكثير من المقاتلين الأجانب، جنبا إلى جنب دراسة كيفية حدوث عملية التجنيد، واكتشفوا أنها تبدأ بالأساس عبر عملية تبادل التغريدات البسيطة.
وفي سبيل ذلك، قام الباحثون على مدى 12 شهرا بتحليل الصفحات الشخصية لـ190 مقاتلا غربيا وأوروبيا على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبين أن الغالبية العظمى منهم جاءت من المملكة المتحدة، وكثير منهم كانوا يقاتلون لصالح «داعش». كما درس الباحثون حسابات هؤلاء الذين يقدمون للمقاتلين المشورة ويقومون بتوجيههم. وفي المجمل قاموا بتحليل عدد 18.223 حسابا، جنبا إلى جنب نحو 15 ألف تغريدة، و1186 هاشتاجا و1969 رابطا للويب.
وجرى تصنيف المغردين أمثال البلوشي على أنهم «ناشرين» - وهم الأشخاص الذين رغم عدم انتمائهم رسميا إلى منظمة ما، كان لهم دور كبير في مساندة المقاتلين الأجانب وتجنيدهم، وتشير التقديرات إلى أنه سافر ما يقدر بنحو 2.800 مقاتل أوروبي أو أجنبي غربي إلى شمال سوريا والعراق، ويُعتقد أن 500 منهم من البريطانيين. فعلى سبيل المثال تأثر بأفكار البلوشي هذا الشهر 2.690 من المتابعين له على موقع «تويتر»؛ حيث نشر تغريدات جرى إرسالها من باكستان ومكتوبة بالإنجليزية، اعتبر فيها الولايات المتحدة ترتكب إبادة جماعية ضد المسلمين وأشار أيضا إلى رسائل زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن. وأفاد التقرير الذي قدمه الباحثون أن هؤلاء «الناشرون» يشكلون أهمية كبيرة بالنسبة للمقاتلين الأجانب الذين يعتمدون على تغريداتهم لإلقاء نظرة عامة على الجهاد، بما في ذلك ما الذي يجري في الأماكن الأخرى، وما يقع من معارك، والاحتفال بمن سبقوهم في الشهادة. وأوضح البروفسور بيتر نيومان، مدير المركز الدولي لأبحاث التطرف: «ليس من الضروري أن يكون هؤلاء الناشرون هم أشخاص في العراق أو سوريا، بل قد يكونون مقيمين في لندن أو شمال إنجلترا، وهم عينوا أنفسهم ناطقين رسميين باسم (داعش).. الشيء الجديد حقا في هذا الصراع يكمن في الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي، وتجنيد مقاتلين أجانب». ولفت إلى أن موقعي «تويتر» وask.fm، الذي يتخذ من لاتفيا مقرا له هما من أبرز المواقع التي يستخدمها المسلحون.
ويعد «شامي ويتنس» من أكثر المغردين تأثيرا في المقاتلين الأجانب، ويحظى بشعبية كبيرة؛ حيث زاد عدد المتابعين له على «تويتر» من 4.700 إلى 11.900 منذ أبريل.
وهذه السهولة في تجنيد المقاتلين تشكل معضلة أمام السلطات البريطانية؛ حيث تفكر السلطات في كيفية مواجهة عملية التجنيد دون اللجوء إلى حجب مواقع التواصل الاجتماعي.
الميزة الأساسية لمواقع التواصل الاجتماعي تكمن في قدرتها على نشر المعلومات بشكل سريع، واتضح ذلك في غضون لحظات من رفع الفيديو الخاص بفولي في وقت متأخر من يوم الثلاثاء. وقد تكون داعش على دراية بالمحاولات التي سيجري بذلها لحذف هذا الفيديو، ولكن هذه المحاولات أيضا ستكون عديمة الجدوى.
تعاملت شرطة سكوتلاند يارد البريطانية مع الأمر بشكل سريع ولكنه حاد، محذرة من أن قيام الأفراد بنشر روابط لهذا الفيديو قد يعد خرقا للقانون، ولا يزال من غير الواضح عدد الأشخاص - إن وُجد - المذنبين بارتكاب هذه الجريمة الجنائية. وقامت وحدة مكافحة الإرهاب التي ترصد الإنترنت والمواد المتطرفة العنيفة على شبكة الإنترنت في بريطانيا بإزالة نحو 1100 مادة ينتهك محتواها تشريعات مكافحة الإرهاب، من خلال التواصل مع شركة الإنترنت المستضيفة ذات الصلة، وكان من بين تلك المواد التي جرى إزالتها نحو 800 مادة لها صلة بسوريا أو بالعراق. وحتى الآن قام «تويتر» بحجب عشرات الحسابات ذات الصلة بـ«داعش»، وذلك عقب نشر فيديو فولي، رغم أن الخبراء في مجال الأمن اعتبروا أن هذه المحاولات تعد تعسفية وتشبه لعبة «القط والفأر»؛ حيث إن الأفراد الذين تُعلق حساباتهم، عادة ما يعاودون الظهور في أماكن أخرى عن طريق إنشاء حسابات جديدة على شبكات اجتماعية أصغر لنشر المواد التي ينتهي بها المطاف إلى موقع «تويتر».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.