مدير عام {سكاي نيوز} العربية: نطمح لأن نكون الوجهة المفضلة للجمهور العربي

نارت يوسف بوران أكد لـ {الشرق الأوسط} تطلعها لأن تكون الأكثر تأثيرا في الشأن الدولي من خلال المنصات المتعددة

نارت بوران
نارت بوران
TT

مدير عام {سكاي نيوز} العربية: نطمح لأن نكون الوجهة المفضلة للجمهور العربي

نارت بوران
نارت بوران

عند سماع اسم قناة سكاي نيوز عربية قد يخيل للبعض أنها تجربة كتلك التجارب لإيجاد نسخة عربية من طريقة عمل القناة العالمية، كما فعلت قنوات أخرى، هنا ينفي نارت يوسف بوران هذا المفهوم، حيث يقول «هناك التباس لدى البعض حول هوية القناة، صحيح أننا نقلنا بعض الممارسات الإعلامية من شريكنا في بريطانيا إلا أننا مؤسسة بإدارة عربية مستقلة تعمل من الوطن العربي بكوادر وكفاءات عربية وإلى الوطن العربي، لسنا نسخة عربية عن وكالة أجنبية وغرفة الأخبار والاستوديوهات الخاصة بنا هنا من قلب الوطن العربي وللوطن العربي وليست في لندن أو واشنطن أو موسكو».
ويوضح من خلال هذا الحوار الذي أجري في مكتبه المطل على صالة التحرير للقناة «استفدنا وتعلمنا الكثير من سكاي نيوز البريطانية، واتفقنا على أمور كثيرة، وعلى دور الهيئة التحريرية المستقلة ومهاما في مراجعة الأداء وضمان تحقيق معايير الجودة والضوابط المهنية، كل هذه أمور أسهمت في تميزنا. ولولا وجود القنوات الأخرى لما تمكنا من تحقيق هذا التقدم السريع، لأننا نقارن ونحلل ونتعلم».
وكشف أن الكوادر الصحافية التي تشكل رأس مالهم الحقيقي كما وصفهم، «هي من خيرة الكفاءات العربية الخبيرة بالعمل الإعلامي في المنطقة وتلقت تدريبات مميزة لترتقي إلى أفضل المعايير والممارسات الدولية في العمل الصحافي، وأنا أزداد قناعة كل يوم بأن السوق الإعلامية ستستوعب طموحاتنا إلى أبعد مدى». كما أوضح ما تختلف فيه «سكاي نيوز عربية» عن القنوات العربية الأخرى وأمورا كثيرة من خلال الحوار التالي:
* دخلت قناة سكاي نيوز عربية في وقت مزدحم بوجود قنوات مسيطرة على الحصص الإعلامية في الوطن العربي، هل تغيرت الرؤية بعد دخولكم على أرض الواقع؟ وما استراتيجيتكم خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة؟
- رؤيتنا لم تتغير.. ازدحام الفضاء العربي واحتدام المنافسة بين كبرى المؤسسات الإعلامية، كان عاملا محفزا لنا من أجل أن نبني على المكتسبات التي جرى إنجازها لتطوير المشهد الإعلامي العربي. ودائما ما كان يتردد علي سؤال ما إذا كنا قد تأخرنا بالدخول إلى حلبة المنافسة؟ صحيح أننا ولدنا كمؤسسة منذ نحو 27 شهرا، ولكن الكوادر الصحافية التي تشكل رأس مالنا الحقيقي هي من خيرة الكفاءات العربية الخبيرة بالعمل الإعلامي في لمنطقة وتلقت تدريبات مميزة لترتقي إلى أفضل المعايير والممارسات الدولية في العمل الصحافي، وأنا أزداد قناعة كل يوم بأن السوق الإعلامية ستستوعب طموحاتنا إلى أبعد مدى.
لقد تبنت سكاي نيوز عربية استراتيجية مرنة تستطيع مواكبة مختلف المتغيرات، ونطمح بأن نكون الوجهة الإعلامية المفضلة والموثوقة للجمهور العربي من خلال منصاتنا المتعددة، نقدم الأخبار كما هي لحظة وقوعها بشكل مستقل ومتوازن، شكلت المعايير الصحافية والضوابط المهنية التي تحكم جودة منتجنا عاملا داعما لمنتجنا الإعلامي، وذلك بفضل الشراكة شراكة بين مؤسسة أبوظبي للاستثمار الإعلامي وشركة سكاي نيوز البريطانية الجهات المالكة لسكاي نيوز عربية. هذا بالإضافة إلى دور الهيئة التحريرية المستقلة التي اختارها مجلس إدارة المؤسسة من خيرة الكفاءات، والتي تعمل على مراجعة الأداء وضمان تطبيق أرقى الضوابط المهنية، أعتقد أننا وصلنا اليوم إلى مكانة متقدمة لننافس على المراتب الأولى ولقد استفدنا من القدرة المتنامية للجمهور على تمييز المنتج الإعلامي الجيد، فنحن لا نتميز بجودة الشكل فقط وإنما بمضموننا الذي يسعى إلى التوازن في طرح الكثير من القضايا والمواضيع الأبرز في المنطقة والعالم.
* كيف يمكن المحافظة على التوازن في التغطية وضمان الحياد؟
- الحياد نسبي، وضمان التوازن يجري من خلال المحافظة على المهنية، ولكن بعض الأحداث تفرض نفسها فتحظى على سبيل المثال بحظ أوفر من التغطية، خصوصا الأعمال الإرهابية والقضايا المخلة بالأخلاق والعرف الإنساني. لا يمكن لنا أن نعمل كمجرد ناقل للخبر عندما يكون الحدث نفسه غير متوازن. ولكننا نحافظ على توازننا في الملفات الإعلامية السياسية والعامة، ولا بد لنا من أخذ مختلف وجهات النظر حول المواضيع المطروحة.
* دخول سكاي نيوز عربية كان في وقت يشهد الإعلام العربي الفضائي منافسة شرسة، ما خططكم لأخذ موقع بين المحطات العربية القيادية والتي لها ارتباط شعبي والتي تستحوذ على النسبة الأكبر من المشاهدة؟
- خلال السنوات الثلاث الماضية، انكشفت الكثير من الأجندات الإعلامية، وبات من السهل على المشاهد العادي أن يميز بين الرأي والخبر، وبين الموقف والمعلومة، ونحن ننافس في هذه المساحة، الآخذة في الاتساع، المنافسون الحاليون أقوياء، ولا أعتقد أن وضعهم مرشح للتغير السريع في الوضع الحالي، البعض يحقق نسب نمو بطيئة والبعض يحقق نسب تراجع سريعة، وكلاهما بحاجة إلى وقت. أما بالنسبة لنا، فمن الطبيعي لأي مشروع إعلامي أن يمر بمراحل تطور رئيسة إلا أن الظروف والملفات الإعلامية الإقليمية قد ساعدتنا، وعملنا من دولة الإمارات خدمنا كموقع استراتيجي في قلب العالم العربي وكذلك البنية التحتية المتطورة التي أتاحت لنا استقطاب أفضل الكفاءات، وكذلك وفرت لنا كفاءة أكبر في عملية إدارة فرق العمل وكذلك انتشار 18 مكتبا إقليميا ومكتبين دوليين بأعلى كفاءة، هذه الظروف سمحت لسكاي نيوز عربية أن يكون لها صوت ودور أكبر وأسرع من المتوقع، بالإضافة إلى طبيعة عملنا كمؤسسة تقدم الأخبار العاجلة وبالسرعة الممكنة، وتوسعنا بعدد من الفقرات والبرامج التي تناسب فئات متخصصة. لدينا من المرونة ما يسمح لنا «بفتح البث المباشر» أياما متواصلة لتغطية أحداث ميدانية كبرى لتلبية متابعة المشاهد، هذا بالتكامل مع استراتيجيتنا الرقمية التي تفوقت على الحضور الرقمي لمؤسسات وجدت قبل بسنوات طويلة لنصل إلى جمهورنا ونتفاعل معه على كل المنصات والتطبيقات المتطورة، ليس لدينا إحصائيات دقيقة، ولكن كل المؤشرات تدل على أن لدينا قبولا وانتشارا كبيرين بين الأجيال الشابة.
* هل تعتقد أن وجود مواقع التواصل الاجتماعي أضعف من قدرة القنوات التلفزيونية للحصول على الخبر؟
- سؤال ممتاز، والجواب السريع «لا»، مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جزءا منا رضينا أم أبينا، وأي مؤسسة إعلامية تحاول محاربة تلك الفكرة ستكون الخاسرة، فالمشاهد لم يعد مشاهدا فقط ولكنه بات مستخدما وجزءا من الحدث، حتى الذي يشاهد التلفزيون أصبح مستخدما، التبدل في أنماط الاستهلاك الإعلامي لم يعد موضع خلاف. لا بد لأي وسيلة إعلامية أن تكون جزءا من المنظومة، التي تراعي طبيعة احتياجات الجمهور وتتوافق معها، وهنا تجدر الإشارة إلى نقطة بالغة الأهمية وهي أن شبكات التواصل الاجتماعي هي وسيلة لتوزيع الأخبار والتفاعل مع الجمهور وتحسس الآراء والمواقف، وقد تكون مصدرا للأخبار ولكن يجب أن يتوافر لدى وسيلة الإعلام المهارة اللازمة للتأكد من مصداقية الأخبار، في ظل التحول الحاصل في القطاع الإعلامي العالمي والعربي نجد أن هناك ترابطا وثيقا ومهما بين القنوات التلفزيونية ومنصات التواصل الاجتماعي، والمحتوى الجيد هو العامل الحاسم، فقبل التفكير في الاستثمار بالتكنولوجيا ووسائل الإلكترونية المتعددة يجب أن تستثمر في الأساس وهو الصحافي القادر على تقديم محتوى جيد، الصحافي هو رأس مال المؤسسة الحقيقي، بالإضافة إلى أهمية تعزيز المصادر وتنويعها، أما كيفية تقديم المعلومة فهي مسؤولية أخرى.
* كيف استطعت أن توظف كوادر قادرة على التعامل وإيصال المعلومة بشكل يتقبله المتلقي في المنطقة ويوصل الرسالة التي تتطلعون لها؟
- سكاي نيوز عربة قناة شابة، وتعمل في مجتمع عربي يشكل فيه الشباب الغالبية العظمى، وهذا قد يعطيك فكرة عن نوعية المهارات المتوفرة لدى هذا الكادر الحالي الذي يتفاعل ويتعامل مع الوسائط الجديد بأفضل شكل ممكن. وأيضا لدى هذه الجيل القدرة على استخدام اللغة العصرية التي تستطيع مخاطبة قناعات الجمهور وتلبي احتياجاتهم المعلوماتية والإخبارية، هناك الكثير من العناصر التي ساهمت باستقطاب أفضل الكوادر الشابة في سكاي نيوز عربية، من بينها المكانة المرموقة التي تحظى بها سكاي نيوز البريطانية الأم بين المؤسسات الإعلامية، ومقرنا في أبوظبي والشراكة مع شركة أبوظبي للاستثمار الإعلامي أضافت بعدا بالغ الأهمية، وقدرتنا على تدريب وتأهيل الكوادر وفق أحدث معايير العمل الصحافي.
* باعتقادك ما هي القيمة المضافة التي تملكها سكاي نيوز عربية عن ما يملكه المنافسون؟
- هذا سؤال مهم، وباعتبارك صحافيا ومتابعا، لا بد وأنك لاحظت كيف استجاب المنافسون لوجود سكاي نيوز عربية وسرعة تطور منصاتها، وكيف انعكس ذلك على أدائهم ورغبة بعضهم بتقديم نموذج مشابه يجمع بين الأخبار العاجلة والفقرات المتخصصة وبجودة عالية. صحيح أننا تعلمنا من المنافسين الذين بنينا على تجاربهم ومكتسباتهم، بل وبدأنا في بعض المجالات من حيث انتهى بعضهم. ولكن تجربتنا تميزت بأخبار سريعة، دقيقة وذات مصداقية، ولا أنتقص هنا من أهمية المنتج الإعلامي لغيرنا، ولكني أحاول التركيز على رسالتنا نحن، وطموحنا بأن نكون الوجهة المفضلة للأخبار باللغة العربية والأكثر تأثيرا في الشأن الدولي، وأن نقدم تحليلات معمقة تسهم في إيصال صورة أشمل للجمهور بتوازن ودقة ومصداقية. المهم أن يثق بنا المشاهد، ويعرف أن الخبر الذي نقدمه هو خبر سليم، مع المثابرة للوجود في كل مكان ولحظة وقوع الخبر.
* ما التحديات التي تواجهكم منذ بداية إنشاء المحطة والمستقبلية؟
- التحديات جميعها ترتبط بالإبقاء على النجاح، والمحافظة عليه والبناء على مكتسباته، والتحدي الرئيس ليس بالوصول إلى المشاهدين فقط وإنما بالمحافظة عليهم في ظل ازدحام الفضاء العربي بالخيارات. لدينا ثقة بالمنتج الإعلامي الذي نقدمه، ونحن في حالة نقاش داخلي مستمر ما إذا كان يجب علينا أن نفرض هذا التوسع أم نتركه أن يتطور بشكل طبيعي. أنا مع فكرة أن تبني سمعتك الجيدة بشكل تلقائي وعفوي دون أن تفرضها من خلال الترويج المبالغ به، وإذا كان المنتج الذي تقدمه جيدا، فحتما ستحصل على صيت وسمعة جيدة مع الوقت. وأكبر دليل على ذلك كان تجربتنا الأخيرة في السوق المصرية، فلم نقم بعمل أي حملات ترويجية فيها بينما تمكنا من تحقيق انتشار وحضور مميزين لدى المشاهدين من خلال تقديم محتوى عالي الجودة روج نفسه بنفسه.
* النموذج الذي قدم في سكاي نيوز عربية مختلف عن النماذج الأخرى للقنوات العالمية كالبي بي سي عربية وروسيا اليوم، ما الفرق بينكم وبين تلك القنوات؟
- هناك التباس لدى البعض حول هوية القناة، صحيح أننا نقلنا بعض الممارسات الإعلامية من شريكنا في بريطانيا إلا أننا مؤسسة بإدارة عربية مستقلة تعمل من الوطن العربي بكادر وكفاءات عربية وإلى الوطن العربي، لسنا نسخة عربية عن وكالة أجنبية، وغرفة الأخبار والاستوديوهات الخاصة بنا هنا من قلب الوطن العربي وللوطن العربي وليست في لندن أو واشنطن أو موسكو. استفدنا وتعلمنا الكثير من سكاي نيوز البريطانية، واتفقنا على أمور كثيرة، وعلى دور الهيئة التحريرية المستقلة ومهامها في مراجعة الأداء وضمان تحقيق معايير الجودة والضوابط المهنية، كل هذه أمور أسهمت في تميزنا. ولولا وجود القنوات الأخرى لما تمكنا من تحقيق هذا التقدم السريع، لأننا نقارن ونحلل ونتعلم، ونستثمر بعلاقتنا الحيوية مع سكاي نيوز الشقيقة في الأمور الفنية والتقنية. وهذا الفرق ساهم بصعودنا إلى رأس الهرم لننافس مع القنوات الكبرى.
* هل يملي عليك أي من الملاك توجهات معينة تتبعها في تغطيتك للأخبار أو الأحداث؟
- الشراكة بين شركة أبوظبي للاستثمار الإعلامي وسكاي نيوز البريطانية - وهي قناة عالمية مرموقة ومعروفة - منحتنا هامشا كبيرا من الاستقلالية، هذه العلاقة المحكومة بأرقى الضوابط والمعايير المهنية بين الشريك المحلي والعالمي لها دور كبير في تعزيز الاستقلالية وتطوير الأداء، بالإضافة إلى الهيئة التحريرية التي تشرف على عملنا، والتي تضم أسماء مرموقة من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، لا شك أن موقعنا الجغرافي وأجندتنا التحريرية يفرضان علينا الاهتمام بالملفات الإعلامية الإماراتية والدول الخليجية والعربية المجاورة، وليس بإملاء من أحد، ونهجنا التحريري واضح، نحن منصة إعلامية إقليمية ودولية شاملة لكل الجمهور العربي ومصدر رئيس للأخبار لمختلف دول العالم.
* كيف يمكن توفير موارد ذاتية للقناة؟
- هذه القضية تعد واحدة من القضايا التي نفكر فيها ضمن خطتنا الاستراتيجية قصيرة وطويلة المدى، فهناك رؤية واضحة للسنوات الثلاث الأولى ومن ثم خمس سنوات وعشر وهكذا، في هذه المرحلة لا يمكننا الاعتماد على الموارد الإعلانية بشكل كامل، ولكننا نطور أساليب جديدة للتمويل الذاتي، من خلال استقطاب جهات شريكة ومعلنة جديدة، ولو نظرت إلى شاشتنا وموقعنا الإلكتروني ستجد أن أعداد المعلنين تضاعفت وهي تحقق نسبة نمو واعدة. واستقطاب المعلنين يعد مؤشرا على الاستقلالية والحياد وعلى مزيد من القدرة على الانتشار والتأثير.

وهذا واحد من الفروق الكبيرة بيننا وبين الكثير من الجهات المنافسة، فنحن لسنا ممولين من أي جهة حكومية بل من جهتين استثماريتين معروفتين، ونسير بخطى مدروسة نحو الاعتماد على أنفسنا من خلال استقطاب المزيد من الشركاء التجاريين، وطبعا دون التأثير على استقلاليتنا.
* وجودكم في المناطق الخطرة والحساسة، كيف يمكن حماية مراسليكم خاصة في ظل الأوضاع الحالية التي تهدد حياة الصحافيين في مناطق الحروب والاضطرابات؟
- كنت قد تحدثت عن أهمية المحتوى في وقت سابق خلال المقابلة، وهنا أريد الإشارة إلى أن المحتوى المستقل والجيد يتطلب نوعا من المغامرة، كتلك التي قام بها زملاؤنا وأبناؤنا المصور اللبناني سمير كساب والمراسل الصحافي الموريتاني إسحاق المختار ومرافقهما السائق السوري عدنان عجاج، والذين ذهبوا إلى الميدان في حلب شمالي سوريا لتغطية الأوضاع الإنسانية هناك، وفقدنا الاتصال معهم منذ 15 أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، ونبذل كل الجهود والاتصالات اللازمة مع كافة الأطراف المعنية لعودتهم إلى عائلاتهم ومحبيهم بأسرع وقت ممكن، لقد تغير عمل الصحافي الميداني خلال السنوات العشر الماضية، وبات الكل يعرف أن الصحافي ليس طرفا في النزاع، ونحن نخضع المراسلين لتدريب عملي للتعامل مع مختلف الظروف.
* كيف تنظر للإعلام العربي؟
- الإعلام هو مرآة للمجتمعات، وليس سوى انعكاس لصورته، وعلى الرغم من أن الوطن العربي قد قطع أشواطا كبيرة في تطوير صناعة الإعلام، وازدهر واستكشف الكثير من الكفاءات والمواهب، فإنني أعتقد أنه ما زال أمامنا الكثير لنقدمه لهذه المهنة، وصولا لإعلام احترافي مبني على أسس سليمة، قادر على خدمة قضايا المجتمعات العربية والنهوض بها، على أن نؤخذ بعين الاعتبار العمر الصغير نسبيا لمعظم المؤسسات الإعلامية العربية.



بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».


استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)
TT

استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)

أثار استخدام شركة «ميتا» للذكاء الاصطناعي في تطبيق «واتساب» معركة قانونية جديدة بين شركة التكنولوجيا الأميركية والاتحاد الأوروبي، لا سيما بعدما أعلنت أوروبا فتح تحقيق مع «ميتا» بشأن احتمال انتهاكها قواعد المنافسة المتعلقة بميزات الذكاء الاصطناعي في «واتساب»، ما اعتبر بحسب خبراء «تصعيداً لنزاع قانوني قائم، وتأكيداً على اتجاه أوروبا لتنظيم مواقع التواصل»، رغم ضغوط الولايات المتحدة، واتهام الرئيس دونالد ترمب لأوروبا بـ«استهداف الصناعة الأميركية بشكل غير عادل».

ووفق المفوضية الأوروبية، فإن «السياسة الجديدة التي أعلنتها (ميتا) قد تمنع مزودي خدمات الذكاء الاصطناعي الخارجيين من تقديم خدماتهم عبر (واتساب)، ما يعد إساءة استخدام لوضع مهيمن». وقالت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية المسؤولة عن المنافسة، تيريزا ريبيرا، في بيان صحافي الأسبوع الماضي، إن «بروكسل تريد ضمان استفادة المواطنين والشركات بشكل كامل من الثورة التكنولوجية المتعلقة بزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال منع أصحاب المراكز المهيمنة من استغلالها لإقصاء المنافسين».

ويتيح «واتساب» حالياً للشركات التواصل مع العملاء على التطبيق، وبعض هذه الشركات يستخدم تقنيات ذكاء اصطناعي لإجراء المحادثات، لكن مع القواعد الجديدة التي أعلنتها «ميتا» فإن هذه الشركات قد لا تستطيع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي طورتها، ما يصب في صالح خدمة «ميتا إيه آي». لكن «واتساب» ترى أن «انتشار روبوتات الدردشة عبر التطبيق يثقل كاهل أنظمته غير المصممة لتحمل هذا العبء، ولذلك كان ينبغي الإعلان عن تغييرات»، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، رأى أن «هذا التحقيق جزء من صراع قانوني متصاعد بين الاتحاد الأوروبي وشركات التكنولوجيا الكبرى وعلى رأسها (ميتا)». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الصراع متعلق بأمور عدة؛ من بينها حماية البيانات الشخصية للمستخدمين، ومنع المحتوى المسيء، واستخدام الذكاء الاصطناعي».

وقال إن «استخدام الذكاء الاصطناعي يضر بالخصوصية، ويتيح معالجة كم هائل من البيانات في وقت قصير»، مرجحاً استمرار تصاعد الصراع القانوني بين الاتحاد الأوروبي و«ميتا».

وكانت «ميتا» قد بدأت في مارس (آذار) الماضي دمج روبوت المحادثة والمساعد الافتراضي «ميتا إيه آي» في تطبيق «واتساب» داخل الأسواق الأوروبية. وفي يوليو (تموز) الماضي، فتحت هيئة مكافحة الاحتكار الإيطالية تحقيقاً بشأن اتهامات لـ«ميتا» باستغلال قوتها السوقية عبر دمج أداة ذكاء اصطناعي في «واتساب»، وتوسع التحقيق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لفحص ما إذا كانت «ميتا» قد انتهكت قواعد المنافسة والاحتكار.

المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي والصحافي المصري محمد الصاوي قال إن «التحقيق الأخير الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي ضد (ميتا) ليس مجرد خلاف تقني، أو قانوني، بل نقطة تحوّل حقيقية في كيفية تعامل المنظمين مع هيمنة الشركات الكبرى على أدوات المستقبل، وتحديداً الذكاء الاصطناعي». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «محاولة (ميتا) حصر استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن منظومتها فقط قد تُفهم على أنها محاولة لبناء (بوابة مغلقة) تقيّد الابتكار، وتمنع المنافسة، ما يتنافى مع المبادئ الأساسية التي يحرص عليها الاتحاد الأوروبي». وأشار إلى أن الخلافات القانونية بين الاتحاد الأوروبي و(ميتا) ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لسنوات مضت، بدءاً من قضايا حماية البيانات، مروراً بالتحقيقات المرتبطة بالاحتكار واستغلال الهيمنة السوقية، وانتهاءً بالخلافات حول الإعلانات الموجهة، والمحتوى السياسي.

وقال الصاوي إن هذا «النزاع المستمر بين الاتحاد الأوروبي و(ميتا) يحمل وجهين؛ فمن جهة، يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الحماية للبيانات، والخصوصية، وفرض معايير أكثر شفافية على كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. ومن جهة أخرى، قد يتسبب في تقييد بعض الخدمات، أو تعقيد تجربة الاستخدام في حال قررت (ميتا) تقليص بعض المزايا في أوروبا للامتثال للقوانين».


ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».