يمنيون يجابهون البطالة ببيع السُبَح في رمضان

طفل يبيع بضاعته على أحد الجسور في صنعاء (الشرق الأوسط)
طفل يبيع بضاعته على أحد الجسور في صنعاء (الشرق الأوسط)
TT

يمنيون يجابهون البطالة ببيع السُبَح في رمضان

طفل يبيع بضاعته على أحد الجسور في صنعاء (الشرق الأوسط)
طفل يبيع بضاعته على أحد الجسور في صنعاء (الشرق الأوسط)

ما إن يحل شهر رمضان في العاصمة اليمنية صنعاء حتى تجد باعة السُبَح والكتيبات الدينية ينتشرون بشكل كبير في كل شوارعها وعلى أرصفة طرقاتها وأسواقها وأحيائها، رغم القمع الحوثي الذي لا يستثني أي شيء.
ويرى العاملون في هذه المهنة أنها بضاعة رائجة في موسم رزق، وفرت لهم وللكثير من الشباب العاطلين فرص عمل وفيرة لمجابهة البطالة.
وتحتل تجارة السُبَح والكتيبات الدينية رواجاً كبيراً في اليمن بشكل عام وفي العاصمة صنعاء على وجه التحديد، في حين يعدها كثيرون بأنها عادة طيبة ومحببة للتسبيح والتهليل والقراءة والذكر في الأوقات الرمضانية.
تقول أم عصماء، وهي بائعة سبح وكتيبات بصنعاء، إن الإقبال على شراء السُبَح أكثر ما يكون خلال الأسبوع الأول من رمضان ولكنه بعد ذلك يقل تدريجياً حتى يوشك على الاختفاء قبيل عيد الفطر المبارك.
وتبيع أم عصماء بضاعتها على أحد الأرصفة المواجهة لباب اليمن وسط صنعاء، وتضطر إذا ما حالفها الحظ في البيع للوقوف في بعض دوارات الشوارع لبيع كمية أكبر من بضاعتها.
وتعمل على عرض مسابحها المتعددة الألوان والأشكال والأحجام بداخل كرتون صغير في شكل جاذب ولافت لانتباه كثير من المارة من أمامها.
ووفقاً لبائعة السُبَح والكتيبات فإن مبيعاتها تزداد خلال رمضان بنسبة 80 في المائة عن بقية أشهر السنة وتقل النسبة في العشر الأواخر من الشهر ومع حلول عيد الفطر لتصل إلى 30 في المائة.
وفي الجهة المجاورة للمكان الذي تجلس فيه أم عصماء لبيع بضاعتها، يوجد دكان صغير لا تتجاوز مساحته المتر ونصف المتر مليء بالسُبَح والمصاحف والكتيبات الدينية الصغيرة وكاسيتات أناشيد دينية.
ويرفض صاحب الدكان بيع سبحة واحدة، لأنه لا يبيع إلا بالجملة. وأشار بيده إلى بضعة أطفال يتجولون في الشارع والسُبَح تتدلى من أعناقهم وقال «اذهبوا لشراء السُبَح منهم».
وتتفاوت أسعار السُبَح - وفقاً لتجارها وبائعيها - بين 150 ريالاً و800 ريال (الدولار نحو 500 ريال) بالنسبة للسبح المصنوعة من الخشب والبلاستيك، أما المصنوعة من الفضة فيصل سعرها إلى أكثر من 5 آلاف ريال، بينما يصل سعر المصنوعة من العقيق إلى أكثر من 25 ألف ريال يمني للسبحة الواحدة.
ويقدر التجار زيادة الإقبال على بضاعتهم خلال شهر رمضان بنسبة 75 في المائة عن بقية أيام السنة. ويبيع السُبَح عادة باعة متجولون في شوارع وأحياء المدنية اليمنية، أو في «بسطات» خاصة مع مستلزمات رمضانية أخرى.
وحتى الأطفال فيستغلون شهر رمضان كفرصة لبيع مثل هذه السلع إلى جانب بعض الكتب الدينية.
ومن هؤلاء باسم الفهيدي (10 سنوات) الذي يبيع السُبَح والكتب الدينية هو وإخوانه في مناطق متفرقة بالعاصمة صنعاء، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يربح في اليوم الواحد أكثر من 6 دولارات أي (3 آلاف ريال يمني). ويعرب باسم عن سعادته بهذا العمل، ويقول إنه استطاع مساعدة أسرته في تحمل نفقات معيشتها اليومية.
وبخلاف تسابق الأسر اليمنية لشراء مستلزمات رمضان من مواد غذائية وغيرها من المستلزمات الاستهلاكية المرتبطة بموائد رمضان واعتبارها من ضروريات الشهر الكريم، فإن هناك إقبالاً من نوع آخر على شراء احتياجات أخرى كالسُبَح والمصاحف والكتيبات والتي تكاد تكون بالنسبة لهم ضرورية أيضاً، على الأقل كعادة مجتمعية وفقاً لتوصيف بعض الشباب، فيما يراها آخرون بأنها عادة مستحبة وطيبة ومكملة لروحانية شهر رمضان الفضيل.
ويقول أحد شيوخ الدين في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن رواج تجارة بيع السُبَح والكتيبات وغيرها خلال رمضان يعد عاملاً مساعداً للمؤمن فيما يخص الاستغفار وزيادة الذكر والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم. ويضيف: «هي مصاحبة للشخص المسلم طوال أيام السنة، وهذا لا يعني أن من لا يحمل سبحة يعتبر غير مسلم».
ويتابع حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «إن السبحة والسجادة والسواك وغيرها موجودة طوال العام ومستحبة طوال أيام السنة بما فيها شهر رمضان».
وبخصوص من يعتبرونها موضة دينية، يقول رجل الدين: «نحن لا نعلم الغيب ولا نعرف إن كان هذا الشاب أو ذاك اشترى السبحة الجميلة والرائعة في رمضان وفي نيته أن يستعين بها في الاستغفار والذِكر، أم بغرض التلاعب بها في يده ولفت أنظار المارة في الشارع».
ويضيف: «لكنني مع أن يعتاد الشبان على حمل السبحة لأنها في لحظة ما قد تُذكره بالاستغفار وذكر الله سبحانه وتعالى، وهذا هو سر كون حمل السُبَح مستحب في رمضان وغيره». والسُبحة أو السِبحة كما يسميها اليمنيون مشتقة من التسبيح (سبحان الله) ووفقاً لبعض صانعي السُبَح، تعد السبحة «اليسر» أغلى أنواع السُبَح، وتتكون من نوع من أنواع الأحجار الثمينة التي تصنع منه السُبَح وتطعم بالفضة وأنواع من الفصوص، ويقول أحد بائعي السُبَح إن هذه السبحة تفوح منها رائحة طيبة إذا ما تم دعكها باليد، وتتنوع أحجامها وعدد حباتها بين الثلاثة والثلاثين حبه إلى التسعة والتسعين.
وتتألف السبحة من مجموعة من القطع ذات الأشكال الخرزية مع فواصل، حيث تتألف كلها من عدد معين منظومة في خيط أو سلك أو سلسلة وتجمع السبحة على سُبح وسِبح.
وفيما يتعلق بصناعة السُبَح يؤكد صناعها أنه لا يمارس مهنة صناعتها إلا أصحاب البال الطويل والصبر الفائق، والتركيز الشديد، وهي عناصر لا تتوفر إلا لدى كبار السن وأصحاب الخبرة الطويلة في الحياة كما أنها مهنة نادرة.
ويقول صناعها إن من أبرز أنواعها سبح «اليسر»، وهي خامة من حجر «اليسر» يكون لونها غالباً أسود أو أبيض مطعماً بمسامير صغيرة من الفضة. كما توجد سبح «العقيق»، وهو حجر كريم يوجد على هيئة مخطط من العقيق الأبيض ويوجد بشكل رئيسي على هيئة طبقات في تجويفات الصخور الرسوبية، ومعظم أنواع العقيق ذات ألوان قاتمة وتتنوع خطوطها ابتداءً من الأبيض مروراً بالرمادي وانتهاء بالأسود.
كما توجد سبح «الكهرب» وهي مادة صمغية تفرزها بعض أنواع الأشجار الصنوبرية من خلال جذوعها وتفرز الأشجار هذه المادة كوسيلة دفاعية لها ضد الأمراض والفطريات والحشرات.


مقالات ذات صلة

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 في وقفة تحدٍ لتحالف الازدهار (غيتي)

تحالف حقوقي يكشف عن وسائل الحوثيين لاستقطاب القاصرين

يكشف تحالف حقوقي يمني من خلال قصة طفل تم تجنيده وقتل في المعارك، عن وسائل الجماعة الحوثية لاستدراج الأطفال للتجنيد، بالتزامن مع إنشائها معسكراً جديداً بالحديدة.

وضاح الجليل (عدن)

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».