«ضبابية» تلف المشهد السياسي التونسي قبل 5 أشهر من موعد الانتخابات

بين «نداء» مشتت... و«نهضة» تحاول الصمود و«جبهة شعبية» منقسمة

«ضبابية» تلف المشهد السياسي التونسي قبل 5 أشهر من موعد الانتخابات
TT

«ضبابية» تلف المشهد السياسي التونسي قبل 5 أشهر من موعد الانتخابات

«ضبابية» تلف المشهد السياسي التونسي قبل 5 أشهر من موعد الانتخابات

قبل نحو خمسة أشهر من موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس، بدأت معظم الأحزاب السياسية تسعى لتصدر المشهد السياسي عبر جلب انتباه الناخبين، خاصة من خلال توجيه انتقادات حادة إلى منظومة الحكم الحالية، واتهامها بالفشل في حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية العالقة، وفي تأمين حياة أفضل للتونسيين، مع الدعوة إلى ضرورة ضخ دماء ونفس جديدين في الحياة السياسية.
في هذا السياق بدأت الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم، المشكلة خاصة من حركة النهضة (إسلامي)، وحزب النداء (شق حافظ قائد السبسي نجل الرئيس الحالي) تدافع عن فترة حكمها، باتهام أحزاب المعارضة والهياكل النقابية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) بالوقوف وراء تعطيل عدد من المشروعات، من خلال تمسكها بمطالب «مجحفة» كالرفع من الأجور وتوفير مشروعات التنمية والتشغيل في غياب ثقافة الإنتاج وخلق الثروة.
وتبدو استعدادات مختلف الأطراف السياسية لهذا الحدث الانتخابي متباينة للغاية، حسب بعض المراقبين. فبينما تتمسك قيادات حركة النهضة، التيار الإسلامي القوي، بضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها باعتبارها مخرجا للأزمة السياسية، فإن أحزابا أخرى لا تملك حتى الآن موقفا واضحا، بعد أن أنهكتها الخلافات والانقسامات خلال السنوات الماضية، ما جعلها تعيش فترة اضطراب سياسي، وهذا الأمر ينطبق بالخصوص على حركة نداء تونس، التي كان الجميع يعتقد أن توحد جهود منتسبيها لخوض الانتخابات المقبلة بشكل موحد، ومواصلة النجاح الذي حققته في انتخابات 2014، غير أن المؤتمر الانتخابي الأول الذي عقد بداية شهر أبريل (نيسان) الماضي تمخض عن قيادة برأسين، يمثلها ما بات يعرف بـ«مجموعة المنستير»، التي يتزعمها حافظ قائد السبسي وناجي جلول وزير التربية السابق، و«مجموعة الحمامات» التي يتزعمها سفيان طوبال، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب النداء.
وكنتيجة لذلك ظهرت بعض محاولات الصلح لتوحيد الحزب من جديد. لكنها لم تنجح في التوفيق بين المجموعتين، ما يجعل حظوظهما معا في الانتخابات المقبلة، حسب بعض المراقبين، ضعيفة خاصة في ظل الصعود القوي لحزب «حركة تحيا تونس» المنسوبة إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي كان قياديا في الحركة قبل أن يختلف مع نجل الرئيس، ليتخذ الحزب على الفور قرارا بتجميد عضويته.
وحسب استطلاعات الرأي الأخيرة فإن نوايا التصويت لحزب الشاهد الجديد تعرف صعودا متواصلا، بعد أن تمكن من جمع الغاضبين من حزب النداء، وحصل على 16.5 في المائة من الأصوات، حسب بعض استطلاعات الرأي، وهو ما يجعله في طليعة الأحزاب، التي قد تحقق نجاحا لافتا، وتعيد نفس تجربة «حركة نداء تونس»، التي تشكلت منتصف 2012، وفازت في انتخابات 2014 بشقيها الرئاسي والبرلماني. وبسبب هذا التخبط الذي تعرفه قيادات حزب النداء، طالب ناجي جلول، القيادي في الحزب، تأجيل موعد الانتخابات المقبلة، وهو ما عده خصومه «بدعة سياسية»، ورفضوا الاقتراح جملة وتفصيلا.
أما تحالف الجبهة الشعبية اليساري المعارض (يضم 11 حزبا يساريا وقوميا)، والذي يتزعمه حمة الهمامي، فيعاني هو الآخر من أزمات داخلية وبوادر انشقاق بين قياداته، خاصة بعد اندلاع خلاف علني وحاد بين قياداته، وهو ما تجلى في تعبير كل من حمة الهمامي رئيس حزب العمال، والمنجي الرحوي رئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، عن نيتهما الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 17 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ورفض الهمامي اللجوء لانتخابات تمهيدية داخل نفس الحزب، وتمسكه بتصويت رؤساء الأحزاب المنضمين إلى هذا التحالف السياسي، الذي ترجح كفته.
كما برزت خلال الأسابيع الأخيرة خلافات حادة بين ممثلي الأحزاب، المشكلة لتحالف الجبهة الشعبية، حول القائمات الانتخابية المؤهلة للمشاركة باسم الجبهة في الانتخابات البرلمانية، المقررة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وفي هذا السياق أكد محسن النابتي، قيادي الجبهة الشعبية، أن الجبهة «بحكم صيغتها الائتلافية تواجه صعوبات في تحديد القائمات الانتخابية، وكل حزب سياسي يحاول الحصول على مواقع يعتبرها مهمة، ويسعى إلى الترشح في دوائر انتخابية بعينها دون أخرى».
في هذا الشأن، قال جمال العرفاوي، المحلل السياسي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحديث عن لعب «حركة تحيا تونس» لنفس الدور الذي لعبته حركة نداء تونس، يبقى واردا. غير أن الظروف السياسية الحالية تغيرت كثيرا عما عرفته الساحة قبل نحو خمس سنوات». مشيرا إلى «محافظة التيار الإسلامي على نفس الجسم الانتخابي تقريبا من محطة انتخابية إلى أخرى، أما التغييرات فهي غالبا ما تطرأ على بقية التيارات السياسية، ممثلة خاصة في التيار اليساري والتيار الليبرالي».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.