قضاة جزائريون يرفضون تدخل الجيش في «ملفات فساد»

شددوا على {العدالة المستقلة عن كل السلطات»

TT

قضاة جزائريون يرفضون تدخل الجيش في «ملفات فساد»

احتجّت نقابة القضاة في الجزائر بشدة على الأوامر التي وجهها قائد الجيش الفريق قايد صالح للقضاة، التي تخص محاربة الفساد، واعتبرت ذلك «تدخلاً في شؤون العدالة المستقلة عن كل السلطات». في غضون ذلك، يواجه مسؤول عسكري جزائري كبير متاعب صحية خطيرة بالسجن، نتيجة إضراب عن الطعام، احتجاجاً على سجنه، مع ضباط عسكريين آخرين، بتهم فساد.
وأفاد مصدر من عائلة اللواء سعيد باي، قائد «الناحية العسكرية الثانية» (غرب) سابقاً، رفض نشر اسمه لـ«الشرق الأوسط»، بأن صحته تدهورت بشكل لافت داخل السجن العسكري، إثر مضاعفات بسبب إضرابه عن الطعام. وأوضح المصدر نفسه أن باي «بحاجة إلى نقله إلى المستشفى للعلاج»، وأن العائلة «تخشى هلاكه إذا استمر في إضرابه عن الطعام». ونقل المصدر عن العسكري السابق أن قرار سجنه «تعسف بحقه».
وكانت محكمة الاستئناف العسكرية بالبليدة (50 كلم جنوب العاصمة)، قد أمرت في 20 من الشهر الماضي بحبس اللواء سعيد باي، والقبض على اللواء شنتوف حبيب، القائد السابق للناحية العسكرية الأولى (وسط)، بناء على تهمة «التلاعب بأسلحة وذخيرة حربية، ومنحها لأشخاص غير مؤهلين، ومخالفة التعليمات العامة العسكرية»، وقالت إن قرار القبض على شنتوف جاء بسبب «مخالفته التزامات الرقابة القضائية الخاضع لها سابقاً».
لكن شنتوف ذهب إلى إسبانيا، وطلب اللجوء السياسي، بعد أن غادر الجزائر متعمداً خرق إجراءات الرقابة القضائية، التي صدرت ضده منذ أشهر بسبب وجود شبهات فساد ضده. علماً بأن أيّ متهم تحت طائلة الرقابة القانونية، يكون من الناحية القانونية محل إجراء بـ«المنع من السفر».
وتعرض شنتوف وباي، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للسجن، ثم أفرج عنهما مع ضباط كبار في قضية غامضة، وهم اللواء مناد نوبة القائد السابق للدرك الوطني، واللواء عبد الرزاق شريف قائد الناحية العسكرية الرابعة (جنوب)، والمدير السابق للمصالح المالية بوزارة الدفاع اللواء بوجمعة بودواور، زيادةً على ضابط في جهاز الشرطة بولاية وهران بغرب البلاد. ومن أمر بسجنهم هو قائد الجيش، الذي صرّح قبل أيام أنه اطلع بنفسه على ملفات فساد، تتضمن اختلاسات بآلاف المليارات من الدينارات، على حد قوله.
وفي سياق متصل، قالت «النقابة الوطنية للقضاة»، في بيان شديد اللهجة، إنها «ترفض مطلقاً كل الاتهامات الموجهة لمرفق القضاء ورجاله، التي دأبت الجهات الرسمية وغير الرسمية من خلالها على رسم صورة نمطية لعمل القضاء، من كونه لا يتحرك إلا بإيعاز»، في إشارة إلى طريقة تعاطي الإعلام المحلي مع حملة اعتقال وسجن رجال أعمال ورموز نظام بوتفيلقة، وحتى سياسيين، خصوصاً أن هذه الحملة جاءت مكثفة بعد استقالة بوتفليقة مطلع الشهر الماضي، ما أعطى انطباعاً بأنها عملية «تصفية حسابات» مع مقربين منه.
وأصدر هذا البيان الشديد اللهجة القيادة الجديدة لنقابة القضاة، التي جاءت في عزّ الحراك، الذي أرغم قيادتها القديمة على التنحي بسبب قربها الشديد من نظام بوتفليقة. وأكد البيان أن القضاة «يرفضون التعامل معهم كجهاز يتحرك بالأوامر تارة، وبالاستدعاء تارة أخرى، ويتمسكون بحقهم الدستوري المطالب به شعبياً، بأنهم سلطة مستقلة، تمارس مهامها وفقاً لمبدأي الشرعية والمساواة، وبمنهج قوامه التجرد وغايته الإنصاف. ولأجل ذلك يقفون على مسافة واحدة من جميع أطياف المجتمع، ويدعون الجميع إلى وضع الثقة فيهم دون وصاية أو ضغط».
وكان قائد الجيش قد طالب القضاة بشن حرب قوية على الفساد، وسمى ثلاثة ملفات فساد شهيرة، دعا إلى التعاطي معها بشكل مستعجل. ففي 30 من أبريل (نيسان) الماضي قال إن قيادته «قدمت الضمانات الكافية، وتعهدت بمرافقة جهاز العدالة في أداء مهامها النبيلة والحساسة». وعلى أثرها، تحركت آلة القضاء فسجنت أربعة رجال أعمال مقربين من الرئيس المستقيل، ومدير شركة سياحية حكومية تسير فيلات وإقامات كبار المسؤولين، كان يشتغل تحت أوامر السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس، الموجود بالسجن العسكري منذ أسبوع.
غير أن نقابة القضاة رفضت أي حماية من الجيش، وعبرت عن ذلك بقولها: «الضمانة والحماية الوحيدة للعدالة والقضاة لا تتأتى من أي جهة خارجة عن دائرة السلطة القضائية، بل تتجسد بإجراءات تكرس الاستقلالية التامة للقضاة، انطلاقاً من مراجعة القوانين، وإعادة النظر في الهياكل التي تنظم عمل القاضي ومساره المهني».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.