ضربات «داعش» تثير مخاوف من إعادة انتشاره في ليبيا

TT

ضربات «داعش» تثير مخاوف من إعادة انتشاره في ليبيا

استغل تنظيم «داعش» المتطرف انشغال القوات المسلحة في ليبيا بحرب طرابلس، وبدأ بتجميع صفوفه، وتوجيه ضرباته الإرهابية المتتالية إلى قلب الجنوب ومحاولة الدخول إلى العاصمة، ما أثار مخاوف من عودته ثانية، وتغوله في البلاد للثأر من أتباعه بعد طرد فلوله منها.
وعلى مدى العامين الماضيين، ظل التنظيم الذي لم تغادر عناصره التخوم الجبلية للبلاد، يناور بعمليات خاطفة، قبل أن يلوذ بالهرب إلى حيث أتى، تاركاً وراءه قتلى ومصابين، وبيوتا نهبها وأضرم النيران في جنباتها.
ورأى محمود علي الطوير، الذي يعمل مستشاراً بالمعهد العربي الأوروبي بفرنسا للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، في حديث لـ«الشرق الأوسط، أن «الانشغال بالقتال على تخوم العاصمة جعل من تنظيم (داعش) الإرهابي يعزز سيطرته على بعض المناطق، التي تضعف فيها القوة الأمنية».
وفور استهداف عناصر التنظيم لمركز تدريب تابع لـ«الجيش الوطني» شمال شرقي مدينة سبها (جنوب) في الرابع من مايو (أيار) الحالي، حمّل فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» «المسؤولية المباشرة» عن عودة «داعش» لنشاطه الإرهابي. وفي المقابل، اتهم اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم «الجيش الوطني»، السراج باحتواء «الإرهابيين والميليشيات المسلحة».
وعلى الرغم من تحذير الطوير من أن العمليات العسكرية الدائرة حاليا بمحيط العاصمة، ستسهم في إعادة تمركز التنظيم من جديد بالبلاد، فإنه أوضح أن توحيد الجهود «السبيل الوحيد لإفشال مخطط (داعش)، خاصة أن أطراف النزاع الحالي هم من تصدوا للتنظيم في مدينتي سرت ودرنة».
لكن بعد الظهور المفاجئ لزعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، وهو يحث أنصاره على «استنزاف العدو»، وقعت عمليتان إرهابيتان في عمق الجنوب الليبي، تبناهما «التنظيم»، وكانت أكثرهما إيلاماً تلك التي استهدفت مركز التدريب العسكري. وفور وقوع العملية، أوضح خالد المحجوب، آمر المركز الإعلامي التابع للقيادة العامة، لوسائل إعلام محلية، أن الهجوم الذي تعرض له مقر مركز التدريب، التابع للجيش بسبها: «أسفر عن مقتل 9 أفراد حراسة، بينهم اثنان، قضيا ذبحاً وحرقاً».
وكانت عناصر من تنظيم «داعش»، المتمركزة في الصحراء بالجنوب الليبي، قد اقتحمت المنطقة وداهمت المركز، مستغلة انشغال قوات الجيش بمعركة طرابلس، فأمعنت في الجنود قتلاً، وقبل أن تغادر أطلقت سراح سجناء كان الجيش اعتقلهم خلال عملية عسكرية استهدفت «تطهير الجنوب من الجماعات الإرهابية والمرتزقة التشاديين».
وزعم «داعش» عبر وكالة «أعماق» التابعة له، أنه قتل كثيرا وأصاب 16 شخصا، كما تم «تحرير جميع الأسرى المحتجزين داخل المعسكر، وإحراق عدد من الدبابات والمخازن بعد اغتنام آليات وذخائر».
وتخوفت منظمات دولية من أن تفتح الأوضاع الحالية في ليبيا الطريق أمام عودة فلول التنظيمات المتطرفة المهزومة في العراق وسوريا، وإعادة تمركزهم في ليبيا. لكن الطوير استبعد هذه التخوفات بقوله: «لن يكون لـ(داعش) دولة داخل ليبيا، لأن فكره الإرهابي ليس له حاضنة في البلاد». وتابع موضحا: «فقط ستكون له جيوب متخفية، لكن سيتم القضاء عليها مثلما فعلت قوات عملية (البنيان المرصوص) في سرت».
وكان «داعش» قد داهم منطقة غدوة (60 كلم من مدينة سبها) في التاسع من الشهر الحالي، وقتل شخصين وخطف ثلاثة آخرين، وأضرم النيران في عدة منازل. وقد استغلت فلوله انشغال القوات الموالية لحكومة «الوفاق» بمعركة طرابلس، وحاولت الوصول إلى العاصمة في الرابع من مايو (أيار) الحالي، وقد قالت وزارة الداخلية، التابعة لحكومة «الوفاق»، حينها، إنها «ضبطت شخصين من (داعش) استغلا الأوضاع الحالية لمحاولة تنفيذ بعض المخططات الإرهابية، وجار التحقيق معهما». مبرزة أن «السجن الرئيسي في طرابلس يضم 500 عنصر، ينتمون للتنظيم وجماعات متطرفة أخرى».
في السياق ذاته، حمل سياسي ليبي المتحاربين على جبهات القتال في العاصمة مسؤولية ما يقع، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن تنظيم «داعش» يتحين الفرص للدخول إلى ليبيا بهدف الثأر لأتباعه، الذين تم دحرهم في مدن سرت ودرنة وبنغازي على يد قوات القوات المسلحة.
غير أن الطوير، المستشار بالمعهد العربي الأوروبي، قال إن التنظيم أخذ مؤخراً نمطاً جديداً، وهو اللامركزية، كما أنه «توسع في استخدام شبكة الإنترنت في التسويق لعملياته الإرهابية».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».