بعض أوجه التعقيد في الأزمة الفنزويلية

TT

بعض أوجه التعقيد في الأزمة الفنزويلية

عمّق اعتقال الأجهزة الأمنية الفنزويلية نائب رئيس الجمعية الوطنية ادغار زمبرانو أول من أمس الموقف الدفاعي الدقيق الذي تمر به المعارضة في أعقاب فشل الانتفاضة التي قادتها في آخر أيام الشهر الماضي، فيما تتناقض مواقف المسؤولين الأميركيين في شأن القيام بعمل عسكري ضد حكومة الرئيس نيكولاس مادورو.
وبعد أكثر من أسبوع على إخفاق الانتفاضة التي قالت المعارضة إنها كانت المرحلة النهائية من «عملية الحرية» وتشمل إبعاد مادورو «باحترام» إلى كوبا، لم تتبين بعد أسباب الفشل، حيث اكتفى رئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو بالقول إن «البعض لم يفِ بالتزاماته»، في إشارة إلى وعود كان قد قطعها أعضاء في الدائرة الداخلية المحيطة بمادورو بالتخلي عنه والالتحاق بمعارضيه، لكنهم نكثوا بها في اللحظة الأخيرة باستثناء رئيس جهاز الاستخبارات كريستوفر فوغويرا الذي انشق وأطلق سراح المعتقل السياسي المعارض ليوبولدو لوبيز قبل أن تنهار المحاولة الانقلابية التي سلطت الضوء مجددا على عمق الأزمة التي تعصف بالبلد الأميركي الجنوبي.
وعلى جاري عادة الأزمات المركبة، تستعصي الحالة الفنزويلية على الاختزال أو الانصياع للقوالب الجاهزة من التفكير والتحليل والمواقف المسبقة. تساند خمسون دولة، من بينها الولايات المتحدة، غوايدو وترى فيه رئيسا شرعيا مؤقتا ينبغي أن يتولى الرئاسة إلى حين إجراء انتخابات نزيهة، فيما ترفض مجموعة دول أخرى تتقدمها روسيا والصين وكوبا أي مس بموقع مادورو الذي لم يفقد، برأيها، شرعيته كرئيس منتخب عبر الاقتراع العام.
وجه ثان من المعضلة: دفعت سياسات مادورو وسلفه هوغو تشافيز فنزويلا إلى دوامة أزمة اقتصادية واجتماعية قاسية أدت إلى اختفاء الدواء وانقطاع شبه مستمر للماء والتيار الكهربائي وإلى عقوبات أميركية تحول دون تصدير النفط الفنزويلي، أي إلى حرمان البلاد من المصدر الرئيس للعملة الأجنبية، ما قضى عمليا على الاستيراد الذي كانت حكومة كاراكاس قد جعلته بديلا عن الصناعة والزراعة، أثناء فترة تدفق أموال النفط في العقد الأول من القرن الحالي. غير النهج هذا الطبيعة الإنتاجية للبلاد في محاولة للقضاء، بأموال النفط وبتوجيهات الحكومة، على الفقر وعلى الطبقة البرجوازية المعارضة في آن واحد. بيد أن النتيجة جاءت عكسية في ظل الإجراءات المعادية للديمقراطية والحريات التي اتبعها مادورو خصوصا، والتي اتسمت بالطيش على المستوى الداخلي، والتي وصلت ذروتها في أزمة لاجئين حيث غادر أكثر من ثلاثة ملايين فنزويلي بلدهم إلى الدول المجاورة. واحدة من الخطوات تلك كانت إنشاء «الجمعية التأسيسية» في 2017 التي كانت مهمتها وضع دستور جديد، وسط احتجاجات محلية وخارجية لطريقة إنشائها ومقاطعة أكثرية أحزاب المعارضة لانتخاب أعضائها، لكنها أعلنت نفسها لاحقا صاحبة السلطة العليا في البلاد وحلت «الجمعية الوطنية» (البرلمان) الذي يسيطر عليه معارضو مادورو بقيادة غوايدو.
بديهي أن عملا بهذه الخطورة يفضي إلى أزمة شرعية، حيث تزعم كل من الهيئتين حقها الحصري في تمثيل الشعب الفنزويلي وفي التشريع باسمه. لكن، مرة ثانية، يتعين الانتباه إلى أن «الجمعية التأسيسية» مثلها مثل خطوات مادورو الأخرى، تتمتع بقاعدة في المجتمع الفنزويلي هي تلك الجموع التي استفادت من الخدمات والتقديمات التي باشر تشافيز بتخصيص الفقراء والمعدمين بها وتابعها خليفته وأن بكفاءة أقل. ومن هذه الجموع تتكون القوة الحقيقية لمادورو، بالإضافة إلى الدعم الخارجي المذكور آنفا. كما أن الجيش الفنزويلي حسن التسليح والمسنود من ميليشيات مؤيدة للحزب الاشتراكي الحاكم، شهد انشقاقات محدودة، لكن كتلته الأكبر ظلت موالية لمادورو، وهو ما حمل نائب رئيس الأركان الأميركية المشتركة على رفض طلب وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون الإعداد لعملية عسكرية أميركية في فنزويلا خشية الوقوع في مأزق جديد يشبه الوضعين العراقي والأفغاني.
تردد المؤسسة العسكرية الأميركية في خوض مغامرة غير مدروسة الأبعاد دراسة دقيقة، لم يوقف الأصوات الداعية إلى الحيلولة دون قيام قواعد عسكرية روسية وصينية وربما إيرانية في الجزء الغربي من الكرة الأرضية، على ما عبّر عضو مجلس الشيوخ الأميركي ريك سكوت في مقالة له في «الواشنطن بوست» بذريعة أن التمدد العسكري لهذه الدول سيشكل خطرا شديدا على أمن الولايات المتحدة التي لا تستطيع تحمل قاعدة إرهابية في القارة الجنوبية، ولا بالأحرى التفرج على اندلاع أزمة لاجئين كبرى بدفع ديكتاتوريي أميركا الوسطى والجنوبية إليها ويكون هدفها المزيد من الإرباك والضعف في السياسات الأميركية.
اجتماع هذه العوامل يضفي على القضية الفنزويلية بعدا عالميا لكنه يزيد من صعوبة تسويتها ما لم تحصل مقايضة كبيرة بين اللاعبين من كل المعسكرات.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».