سايمون آرميتاج شاعراً للبلاط البريطاني

سايمون آرميتاج شاعراً للبلاط البريطاني
TT

سايمون آرميتاج شاعراً للبلاط البريطاني

سايمون آرميتاج شاعراً للبلاط البريطاني

أعلن يوم أمس عن اختيار سايمون آرميتاج، 56 «شاعر البلاط البريطاني»، وهو منصب شرفي، يعيد تاريخه إلى القرن التاسع عشر، حينما خصص الملك جيمس الأول راتباً تقاعدياً للشاعر بين جونسون، نتيجة «خدماته للتاج». واتخذ اللقب صفته الرسمية أثناء حكم الملك تشارلز الثاني باختيار جون درايدن شاعراً للبلاط 1892.
وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قد اتصلت تليفونياً بآرميتاج لتبلغه بالنبأ. ومن المعروف أن مجلس الوزراء البريطاني هو الذي يقوم بعملية الاختيار، من خلال مستشاريه الثقافيين، بعد أن ترشح المؤسسات والجمعيات الثقافية أسماء معينة.
وكان هذا المنصب يستمر مدى الحياة، قبل أن يتم تغييره ليكون كل عشر سنوات. ويحصل شاعر البلاط على مبلغ رمزي هو خمسة آلاف جنيه إسترليني، ونحو 600 قنينة من شراب الشيري. وكان آرميتاج قد رشح عام 2009. بعد انتهاء فترة الشاعر أندرو موشن كشاعر للبلاط آنذاك، لكن الشاعرة الاسكوتلندية كارول آن أن دورفي هي التي فازت باللقب لتكون بذلك أول امرأة تشغل هذا المنصب منذ تأسيسه.
وصرح آرميتاج للصحافة البريطانية بأنه سعيد بهذا الاختيار، وأن سعادته ستتضاعف لو عرف والداه بالأمر، «وأنهما سيبكيان» خاصة بعد أن خيب أملهما في حياتهما، حين ترك وظيفته منذ وقت مبكر ليتفرغ للشعر. وعبر عن أمله أن يكون منصبه الجديد وسيلة لتقريب الشعر من الجمهور، ولكن ليس على حساب القيمة الفنية.
وقد اشتهر آرميتاج على المستوى الأدبي والشعبي معاً منذ صدور مجموعته الأولى «زوم» عام 1989. واعتبره بعض النقاد خليفة للشاعر تيد هيوز، الذي يعتبر واحداً من أفضل الشعراء في القرن العشرين، والذي اختير أيضاً شاعراً للبلاط منذ 1984 لحين رحيله 1998. حين كان المنصب مدى الحياة. ويقارن نقاد آخرون آرميتاج بالشاعر فيليب لاركن، الذي كان قد رفض المنصب، من ناحية شعبية شعره، فهو من أكثر الشعراء مبيعاً.
ولد سايمون آرميتاج في قرية مارسدن، شمال بريطانيا، ودرس مادة الجغرافيا في جامعة مدينة بورتسموث، ثم حصل على درجة الماجستير عن تأثير التلفزيون على الجانحين الشباب. وقد أصدر حتى الآن ثماني وعشرين مجموعة شعرية.
وكان من المرشحين لهذا المنصب الشاعرة امتياز داركر، التي رفضت مقدماً المنصب لأنها «تريد أن تركز على إنتاجها الشعري»، كما ذكرت للصحافة البريطانية حين تسرب اسم ترشيحها. ويبدو أن المسؤولين أرادوا من ذلك أن يجدوا مرشحاً من دول الكومنوولث، أو شاعراً أسود، أو من الأقليات، فالمنصب بقي طوال تاريخه الطويل محصوراً على الشعراء البيض.
ومن الأسماء المرشحة الأخرى، كانت أليس أوسوولد، دالجيت ناغرا.



رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة
TT

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

ليس أكثر من قصائد الشعر بمختلف اللغات وفي شتى العصور، ولكن ما عسى الشعر أن يكون؟ يقول جون كاري (John Carey) أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة أوكسفورد في كتابه «الشعر: تاريخ وجيز» (A Little History of Poetry)، (مطبعة جامعة ييل، نيوهفن ولندن، 2020) إن «صلة الشعر باللغة كصلة الموسيقى بالضوضاء. فالشعر لغة مستخدمة على نحوٍ خاص، يجعلنا نتذكر كلماته ونثمنها». وكتاب كاري الذي نعرضه هنا موضوعه أشعار عاشت على الزمن منذ ملحمة جلجامش البابلية في الألفية الثالثة ق.م وملحمتي هوميروس «الإلياذة» و«الأوديسة» في القرن الثامن ق.م حتى شعراء عصرنا مثل الشاعر الآيرلندي شيمس هيني (تُوفي في 2013) والشاعرة الأفرو - أميركية مايا أنجيلو (توفيت في 2014) والشاعر الأسترالي لس مري (توفي في 2019).

ليس الشعر كما يظن كثيرون خيالاً منقطع الصلة بالواقع أو تهويماً في عالم أثيري عديم الجذور. إنه كما يوضح كاري مشتبك بالأسطورة والحرب والحب والعلم والدين والثورة والسياسة والأسفار. فالشعر ساحة لقاء بين الشرق والغرب، ومجال للبوح الاعترافي، ومراوحة بين قطبي الكلاسية والرومانسية، وأداة للنقد الاجتماعي، ومعالجة لقضايا الجنس والعرق والطبقة. إنه كلمات يختارها الشاعر من محيط اللغة الواسع ويرتبها في نسق معين يخاطب العقل والوجدان والحواس. فالشعراء كما تقول الشاعرة الأميركية ميريان مور يقدمون «حدائق خيالية بها ضفادع حقيقية».

وتعتبر الشاعرة اليونانية سافو (630 ق.م-570 ق.م) من جزيرة لسبوس أول شاعرة امرأة وصلت إلينا أشعارها في هيئة شذرات (القصيدة الوحيدة التي وصلت إلينا منها كاملة عنوانها «أنشودة إلى أفروديتي» ربة الحب). المحبوبة في قصائدها تفاحة حمراء ناضجة في شجرة عالية بعيدة المنال. أو هي زهرة جبلية يطأها الرعاة الأجلاف بأقدامهم فتترك أثراً أرجوانياً على الأرض. وفى قصيدتها المعروفة باسم «الشذرة 31» ترى صديقة لها تتحدث مع رجل وتضاحكه فتتولاها الغيرة ويثب قلبها في صدرها وتشعر كأن ناراً ترعى في بدنها فتعجز عن الكلام وتغيم عيناها وترتعد فرائصها (للدكتور عبد الغفار مكاوي كتاب صغير جميل عن «سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونان»، دار المعارف، القاهرة).

والشعر مشتبك بالدين كما هو الحال في غزليات الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (من القرن الرابع عشر الميلادي) الذي لا نعرف الكثير عن حياته. نعرف فقط أنه حفظ القرآن الكريم في طفولته واشتغل خبازاً قبل أن يغدو من شعراء البلاط ودرس الصوفية على يدي أحد أقطابها. وهو يستخدم صور الحب والخمر كما يفعل المتصوفة رمزاً إلى الحب الإلهي والوجد الصوفي والنشوة الروحية المجاوزة للحواس. وقد غدت قصائده من كنوز اللغة الفارسية، ودخلت بعض أبياته الأمثال الشعبية والأقوال الحكمية، ولا يكاد بيت إيراني يخلو من ديوانه.

كذلك نجد أن الشعر يشتبك بكيمياء اللغة وقدرتها على الإيحاء ومجاوزة الواقع دون فقدان للصلة به. يتجلى هذا على أوضح الأنحاء في عمل الشاعر الرمزي الفرنسي أرتور رامبو من القرن التاسع عشر. فعن طريق تشويش الحواس والخلط بين معطياتها يغدو الشاعر رائياً يرى ما لا يراه غيره وسيتكشف آفاق المجهول. فعل رامبو هذا قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر، وذلك في قصائده «السفينة النشوى» (بترجمة ماهر البطوطي) و«فصل في الجحيم» (ترجمها الفنان التشكيلي رمسيس يونان) و«اللوحات الملونة» أو «الإشراقات» (ترجمها رفعت سلام). وبهذه القصائد غدا رامبو - ومعه لوتريامون صاحب ديوان «أغاني مالدورور» - أباً للسريالية في العقود الأولى من القرن العشرين.

والشعر مشتبك بالسياسة خاصة في عصرنا الذي شهد حربين عالميتين وحروباً محلية وصراعات آيديولوجية ما بين نازية وفاشية وشيوعية وليبرالية وديمقراطية وأصولية دينية، كما شهد المحرقة النازية وإلقاء أول قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وممن عاشوا أزمات هذا العصر الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت (1986-1901) الحائز جائزة نوبل للأدب في 1984. إنه في ديوانه المسمى «إكليل من السوناتات» (1956) يخاطب مدينته براغ التي أحالتها الحرب العالمية الثانية إلى ركام معبراً عن حبه لها وولائه لوطنه. وشعر سيفرت يقوم على استخدام المجاز. وقد جاء في حيثيات منحه جائزة نوبل أن شعره الذي يمتاز بالوضوح والموسيقية والصور الحسية يجسد تماهيه العميق مع بلده وشعبه.

ومن خلال الترجمة يتمكن الشعر من عبور المسافات وإقامة الجسور وإلغاء البعد الزمني، وذلك متى توافر له المترجم الموهوب القادر على نقل روح القصيدة ونصها. هذا ما فعله المترجم الإنجليزي آرثر ويلي (توفي في 1966) الذي نقل إلى الإنجليزية كثيراً من الآثار الشعرية والروائية والمسرحية الصينية واليابانية.

ومن أمثلة ترجماته هذه القصيدة القصيرة من تأليف الإمبراطور الصيني وو-تي (القرن الأول ق.م) وفيها يرثي حبيبته الراحلة:

لقد توقف حفيف تنورتها الحريرية.

وعلى الرصيف الرخامي ينمو التراب.

غرفتها الخالية باردة ساكنة.

وأوراق الشجر الساقطة قد تكوّمت عند الأبواب.

وإذ أتوق إلى تلك السيدة الحلوة

كيف يتسنى لي أن أحمل قلبي المتوجع على السكينة؟

ويختم جون كاري هذه السياحة في آفاق الشعر العالمي، قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً، بقوله إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طرح الأسئلة على الكون، بغية إدراك معنى الوجود، أسئلة لا تجد إجابة في الغالب، ولكن هذا التساؤل - من جانب الفيلسوف والعالم والشاعر - يمثل مجد الإنسان ومأساته معاً.