مخابرات ألمانيا تكشف عن وجود 12 ألف يميني متطرف

فيما كانت العاصمة الألمانية برلين تشهد مسيرات كبيرة شارك فيها الآلاف يوم عيد العمال، يهتفون بشعارات ضد اليمين المتطرف، كانت بلدة صغيرة في ولاية ساكسونيا شرق ألمانيا تنظم مسيرة لـ«النازيين الجدد» شارك فيها المئات؛ خرجوا في شوارع بلدة بلاون، أجسامهم مليئة بالوشوم، يرتدون زياً موحداً، ويحملون أعلاماً ويافطات كتبت عليها شعارات مثل: «عدالة اجتماعية عوضاً عن جرائم الأجانب».
المسيرة التي رافقتها الشرطة، دون أن تمنعها، أثارت ردوداً غاضبة في أنحاء ألمانيا. وزير الداخلية الفيدرالي هورست زيهوفر، استنكر السماح بتنظيم هذه المظاهرة. فيما كتب وزير الخارجية هيكو ماس، على «تويتر»، «إذا كان النازيون الجدد يخرجون في الشوارع، ولدينا أكثر من 12 ألف يميني متطرف يميلون للعنف، فلا يمكننا تجاهل ذلك. علينا ألا نترك الشوارع والإنترنت لليمين المتطرف». ولكن السلطات المحلية في ساكسوني قالت إن المتظاهرين لم يخالفوا القانون، ولم تكن هناك حاجة لوقف المظاهرة.
لم تسلط هذه المسيرة «النازية» الضوء فقط على الاختلاف الكبير بين غرب وشرق ألمانيا، ولكنها ذكرت كذلك بالفضائح المتتالية التي هزت الشرطة الألمانية، بعد الكشف عن شبكات يمينية متطرفة بين أعضائها، يتعاطفون وينشطون مع «النازيين الجدد». فضائح شبيهة طالت حتى الجيش.
وما زاد من الاستياء للسماح لهؤلاء «النازيين» بالخروج، واقع أنها جاءت بعد أيام قليلة من كشف المخابرات الألمانية عن أن أكثر من 12 ألف يميني متطرف من أصل 24 ألفاً في البلاد، مستعدون لتنفيذ أعمال إرهابية ضد الدولة.
«خطر» اليمين المتطرف في ألمانيا بدأ يزداد مؤخراً، ويظهر أكثر إلى العلن في السنوات الماضية، تحديداً منذ وصول حزب «البديل لألمانيا» إلى البرلمان في انتخابات عام 2017، وتحوله إلى أكبر حزب معارض في «البوندستاغ». شعارات كثيرة يرفعها هذا الحزب اليميني المتطرف، وسياسات يطرحها في البرلمان، جعلت الكثير من النقاشات التي كانت تعتبر محرمة في السنوات الماضية، مسموحة.
من الأسئلة مثلاً التي طرحها نواب «البديل لألمانيا»، قبل أشهر، للنقاش في البرلمان، واحد يتعلق بعدد الأطفال الذين يولدون بعاهات جسدية في ألمانيا، وما إذا كان ذلك متربطاً بزواج القربى بين المسلمين، في إشارة إلى أن اللاجئين الذين قدموا إلى البلاد منذ موجة عام 2015 يتسببون بزيادة نسبة الإعاقات الجسدية بين الألمان. ورغم أن هذا السؤال تسبب بجدل كبير في الصحافة، وبين السياسيين، خصوصاً من اليسار، لرسمه أوجه شبه مع سياسات النازيين أيام هتلر، إلا أنه مؤشر إلى أن بعض الخطوط الحمر التي حكمت ألمانيا منذ سقوط النازية بدأت تتلاشى.
مع ذلك، ومنذ انتخابات عام 2017 تزداد شعبية اليمين المتطرف، خصوصاً في الولايات الشرقية في ألمانيا. وفي العام الماضي، أثبت حزب «البديل لألمانيا» أنه يحقق تقدماً حتى في الولايات الغربية، عندما نجح بأخذ أصوات في انتخابات محلية في ولايتي هيسن وبافاريا من الحزبين الرئيسيين، اليميني الوسط الحاكم حزب «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» (وحزبه الشقيق «الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري») واليساري الوسط «الحزب الاشتراكي الديمقراطي»، الحليف في الائتلاف الحكومي. خسائر دفعت حينها المستشارة أنجيلا ميركل إلى التخلي عن قيادة حزبها، وتسليم الدفة إلى خليفتها أنيغريت كرامب كارنباور، التي تميل إلى اليمين أكثر من ميركل. ولكن التحدي الأكبر الذي ينتظر الأحزاب الرئيسية سيكون انتخابات الخريف المقبل في ولاية ساكسونيا وبراندنبيرغ الواقعتين شرق ألمانيا. الاستطلاعات في الولايتين تشير حتى الآن إلى تقدم «البديل لألمانيا» على الأحزاب الأخرى، في نتائج قد تكون لها أصداء تصل إلى برلين، وقد تؤدي إلى إسقاط الحكومة.
وأمام هذا التقدم السريع لليمين المتطرف، تحاول أحزاب يمين الوسط الاتجاه أكثر نحو اليمين، في محاولة لإعادة كسب الناخبين الذين توجهوا إلى «البديل لألمانيا» بشكل رئيسي اعتراضاً على سياسات ميركل المتعلقة باللجوء، وسماحها لمئات آلاف السوريين بدخول البلاد.
حتى أن حزب «الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري»، الذي ينتمي إليه وزير الداخلية هورست زيهوفر، حاول الاقتداء بجارته النمسا ومستشارها سيباستيان كورتز الذي أدخل حزب «الحرية» اليميني المتطرف إلى الحكومة، ليصبح أول حزب من أصول فاشية يحكم في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وقبل انتخابات بافاريا المحلية العام الماضي، استعان زيهوفر بكورتز في الحملة الانتخابية، كما اقتبس الكثير من سياساته المتعلقة باللجوء عله يقلص خسائره الانتخابية.
ورغم أن زيهوفر نفسه نفى في السابق احتمال تحالف مع «البديل لألمانيا»، إلا أن ما يدفع للتشكيك بمصداقيته، استعانته برئيس حكومة النمسا الذي لم يتردد بإدخال حزب أسسه ضابط سابق في الوحدة الوقائية (إس إس) التي أنشأها هتلر لحمايته، ويقوده اليوم هاينز كريستان شتراخا، الذي يعد من «تلاميذ» يورغ هايدر الذي كان من أكثر الزعماء تطرفاً في أوروبا في العقود الماضية.
ويشغل شتراخا اليوم منصب نائب للمستشار النمساوي، ويعد مسؤولاً عن السياسات المعادية للاجئين، التي يتم إدخالها منذ تشكيل الحكومة الحالية قبل عامين، من بينها تخفيض المساعدات الاجتماعية للذين لا يتحدثون الألمانية منهم، وإدخال شروط وصفها ناشطون بالتعجيزية لمنح اللجوء. وفي الأيام الأخيرة، صعَّد شتراخا أكثر من خطابه المعادي للمسلمين والمهاجرين، قبيل الانتخابات الأوروبية.
وقال شتراخا، في حديث لصحيفة محلية، إن «هناك أسلمة مخيفة. تغيير في السكان ونزوح للسكان». والتعبير الأخير يستخدمه اليمين المتطرف في النمسا الساعي لإعادة اللاجئين إلى بلادهم. ومع تصاعد خطاب الكراهية لحزب «الحرية» في النمسا، والإعلانات المعادية للاجئين صراحة، بدأت الصحافة النمساوية تقارن أسلوب هذا الحزب بالبروباغندا النازية. وأوجه الشبه بين حزب «الحرية» و«النازيين» لم تعد مخفية. فقد ظهرت إلى العلن، قبل أيام، عندما قارن نائب عمدة البلدة التي ولد فيها هتلر، اللاجئين، بـ«الجرذان» في قصيدة كتبها. ورغم أن الرجل اضطر للاستقالة من الحزب على خلفية قصيدته هذه، إلا أن كلامه مؤشر خطير إلى أن النمسا قد تكون بدأت تنسى تاريخها الأسود.