عدم الاستسلام هو السر وراء «العودة التاريخية» في دوري أبطال أوروبا

الفوز على باريس سان جيرمان على ملعب «حديقة الأمراء» بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، ليتأهل للدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا، بعدما خسر في مباراة الذهاب بهدفين دون رد على ملعب «أولد ترافورد»... بدا الأمر وكأن هذه العودة التاريخية أو «الريمونتادا» سوف تبقى في التاريخ طويلاً، وسيتذكر الجميع هذا الأداء القوي والنتيجة الكبيرة من جانب «الشياطين الحمر».
والآن، أصبحت هذه النتيجة، إن كان لا يزال يتذكرها كثيرون، مجرد مثال على تراخي فريق باريس سان جيرمان، أو على الفترة التي تقترب من شهرين، والتي حقق خلالها المدير الفني النرويجي أولي غونار سولسكاير نتائج رائعة مع مانشستر يونايتد، عندما كان يشغل منصب المدير الفني المؤقت للفريق، وكان يبدو في طريقه لإعادة الفريق إلى الأمجاد التي حققها في نهاية التسعينات من القرن الماضي، عندما هيمن على كرة القدم المحلية والقارية.
لكن هذه العودة الكبيرة من جانب مانشستر يونايتد بدت متواضعة، بالمقارنة بما حققه نادي ليفربول أمام برشلونة، عندما نجح في تعويض خسارته بثلاثية نظيفة على ملعب «كامب نو» بانتصار عريض بأربعة أهداف دون رد على ملعب «آنفيلد» ليتأهل للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا للعام الثاني على التوالي، وحتى بالمقارنة بما حققه توتنهام هوتسبير أمام أياكس أمستردام عندما نجح في تعويض خسارته بهدف دون رد على ملعبه بفوز بثلاثة أهداف مقابل هدفين في هولندا.
وأصبح ليفربول هو ثالث فريق ينجح في التأهل في الأدوار الإقصائية لدوري أبطال أوروبا رغم خسارته في مباراة الذهاب بفارق 3 أهداف، منذ عام 2017. وهي الفترة التي شهدت أيضا تأهل 3 فرق أخرى رغم خسارتها بفارق هدفين في المباراة الأولى. ويعني ذلك تأهل 6 فرق للأدوار التالية في دوري أبطال أوروبا رغم خسارتها في المباراة الأولى بفارق هدفين أو 3 أهداف، وهو نفس عدد الفرق التي تأهلت بالطريقة نفسها خلال 31 عاماً كاملة من البطولة قبل ذلك. فما هو السبب؟ وما الذي يحدث؟
هناك بعض الأسباب المؤدية لذلك، مثل القانون الذي أقره الاتحاد الدولي لكرة القدم في عام 1992 والذي يمنع حارس المرمى من الإمساك بالكرة العائدة إليهم من زملائهم، وكذلك التطوير المستمر للقوانين المتعلقة بالتسلل، والعقوبات القاسية للتدخلات العنيفة، وهي الأسباب التي ساهمت كثيراً في منع الأندية الفائزة من «قتل المباراة» حتى تخرج بالنتيجة التي تريدها. وبغض النظر عن أي خطوات أخرى قام بها الاتحاد الدولي لكرة القدم، فإن البرنامج الذي أطلقه بعد كأس العالم 1990 بإيطاليا لكي يجعل اللعبة أكثر متعة وهجوماً قد حقق نجاحاً ساحقاً.
لقد أصبحت كرة القدم لعبة هجومية بشكل أكبر مما كانت عليه على مدار نصف قرن من الزمان. ومنذ موسم 2008 – 2009، شهدت مرحلة خروج المغلوب من دوري أبطال أوروبا 3 أهداف أو أكثر في المباراة في جميع المواسم، باستثناء موسم واحد فقط. أما في الـ14 عاماً السابقة لذلك، عندما كان الدور ربع النهائي يقام مباشرة بعد مرحلة المجموعات، فشهد موسمان فقط إحراز أكثر من 3 أهداف في المباراة الواحدة في المتوسط.
ومن الواضح أنه كلما زاد عدد الأهداف، كلما زادت احتمالات «الريمونتادا» في المباريات. ومن الملاحظ أن موسم 2008 - 2009 كان هو الموسم الأول للإسباني جوسيب غوارديولا مديراً فنياً. ومن المؤكد أن نجاح غوارديولا في تغيير طريقة التفكير بين الأندية الكبرى في العالم، وحقيقة أنه جعل الفريق المكون من 11 لاعباً يلعب كأنه فريق مكون من 5 لاعبين فقط، كان له تأثير واضح على الطريقة التي تُلعب بها المباريات. لقد أصبح الاستحواذ على الكرة أكثر أهمية من التمركز داخل الملعب، وربما يجعل هذا الفريق أكثر عرضة للخطر، إذا لم تسر الأمور بشكل جيد، ولم تعد هناك حصون دفاعية تقليدية بالشكل الذي كان نراه في السابق.
وتجب الإشارة أيضاً إلى أن المدير الفني الألماني يورغن كلوب، الذي أظهر قدرة فائقة على تحفيز لاعبيه، يغامر بشكل كبير للغاية، وبالتالي فإن الطريقة التي يعتمد عليها في اللعب قد تحقق له نجاحات كبيرة، وقد تتسبب في إخفاقات هائلة في الوقت نفسه. وهذه هي الطريقة التي ساعدته على الفوز على مانشستر سيتي 3 مرات الموسم الماضي، لكنها أدت أيضاً إلى خسارته بخماسية نظيفة أمام الفريق نفسه. وبالتالي، لم يكن من قبيل الصدفة أن ينجح المدير الفني الألماني أيضاً في العودة بالنتيجة بعد الخسارة بثلاثية نظيفة عندما كان يقود ليفربول أمام بوروسيا دورتموند في الدور ربع النهائي للدوري الأوروبي عام 2016.
لكن هذا التغيير لم يحدث على المستوى المحلي بنفس الطريقة، فعلى مدار السنوات العشر الماضية، شهد موسم واحد فقط إحراز 3 أهداف أو أكثر في المباراة، في الدوريات الأربعة الكبرى في أوروبا، وكان ذلك في الدوري الألماني الممتاز في موسم 2013 - 2014. ويظهر هذا الأمر أن الأندية الكبرى، التي تهيمن على البطولات المحلية في بلدانها، قد نسيت كيف تدافع بطريقة جيدة، وتقضي معظم فترات المباريات وهي تهاجم، بالشكل الذي يجعلها تفقد التنظيم والالتزام داخل الملعب، وهو الأمر الذي يساهم في استقبال هذه الأندية لعدد كبير من الأهداف، وبالتالي حدوث «الريمونتادا» بالشكل الذي رأيناه.
لكن لماذا حدث هذا الأمر الآن في أكثر من مباراة؟ ربما تكمن الإجابة ببساطة في أنه عندما يتمكن فريق من العودة بهذه الطريقة، فإنه يثبت للفرق الأخرى أنه لا يوجد مستحيل، وأنه يمكن القيام بأي شيء، وهو ما يشجع الفريق المتأخر في النتيجة على اللعب بكل قوة وشراسة، ويجعل الفريق المتقدم في النتيجة يميل إلى الانكماش واللعب الدفاعي.
إن الأمر يشبه سباق قطع مسافة ميل في 4 دقائق؛ حيث كان العداؤون يفشلون في قطع السباق في أقل من 4 دقائق، لكن بمجرد أن نجح العداء البريطاني روجر بانستر في قطع السباق في أقل من 4 دقائق قبل 65 عاماً من الآن، تمكن عدد كبير من العدائين من القيام بالشيء نفسه بعد ذلك. وتمكن جون لاندي من كسر الرقم القياسي لبانستر بعد 46 يوماً فقط بعد ذلك، قبل أن يتمكن بانستر ولاندي معاً من إنهاء السباق مرة أخرى في أقل من 4 دقائق. وبعد نحو نصف قرن من الزمان، وصل عدد العدائين الذين تمكنوا من ذلك إلى نحو 1000 عداء، بعدما سقط الحاجز النفسي للقيام بذلك.
وفي كرة القدم، يمكننا أن نضرب مثالاً على ذلك بما حدث في الدوري الأوروبي في موسم 2005 - 2006 عندما تمكن نادي ميدلسبره من تحويل تأخره بثلاثة أهداف أمام بازل السويسري إلى الفوز في الدور ربع النهائي للبطولة، قبل أن يكرر الفريق الإنجليزي الأمر نفسه أمام ستيوا بوخارست في الدور نصف النهائي. وبمجرد أن بدأ لاعب ميدلسبرة الإيطالي ماسيمو مكروني رحلة العودة في المباراة الثانية أمام ستيوا بوخارست، كان هناك إحساس لدى لاعبي الفريق الإنجليزي بأنهم قاموا بهذا الأمر من قبل، وأنه من الممكن أن يكرروه مرة أخرى، وبالفعل استطاعوا تحقيق ذلك.
وبين شوطي مباراة توتنهام أمام أياكس أمستردام، عندما كان الفريق الإنجليزي بحاجة إلى تسجيل 3 أهداف في الشوط الثاني من أجل التأهل، تذكر لاعبو توتنهام أن ليفربول قد نجح بالفعل في إحراز 3 أهداف في مرمى برشلونة في شوط المباراة الثاني في الليلة السابقة، وهو ما جعلهم يؤمنون بأنه يمكنهم أيضاً القيام بذلك.