العثور على مسكن في المدن الألمانية الكبرى ليس بالأمر الهين، حيث تشهد الإيجارات ارتفاعات خيالية. ويشعر الفنانون والمهنيون... وغيرهم من المبدعين، بشكل خاص، بتداعيات عمليات بيع المساكن القديمة في ظل صعود الإيجارات، حيث يحتاج هؤلاء إلى مساحة أكبر من غيرهم من أصحاب المهن الأخرى لأعمالهم الفنية، أو غيرها من احتياجاتهم الأخرى.
وفي مدينة هامبورغ بشمال ألمانيا، يقاوم فنانون بارزون منذ أشهر عدة من أجل حماية مجمع يقيمون فيه بحي «التونا»، تحت شعار: «فيفا لا بيرني»، في إشارة إلى المكان الذي عاش وعمل به 110 من الفنانين على مدار نحو 35 عاماً.
واشترى مستثمر من برلين العقار ليترك المستأجرين في حالة من القلق خشية أن يتعرضوا للطرد البطيء نتيجة ارتفاع الإيجارات. وكان هذا هو سبب إطلاق حركتهم الاحتجاجية العام الماضي خلال حفل تضامني.
ويقول بيورن وارنز؛ من فرقة الهيب هوب الألمانية «فيتيس بروت»: «هناك كثير من الخطط الحياتية مرتبطة بهذا المكان. الأمر لا يتعلق بالمبنى، بل بالحياة التي بداخله».
يذكر أن «فيتيس بروت» لديها استوديو ومخزن ومكتب في الفناء الخلفي للمجمع السكني منذ عام 2004. ويقول مارتين فاندرير، العضو الآخر في الفرقة: «من الصعب أن تعبر الكلمات عما قدمه هذا المكان لمجتمع الفنانين».
ويعتزم مجتمع الفنانين خوض صراع من أجل الحفاظ على المكان الجميل الذي حاولوا جاهدين أن يشكلوه، وقد حقق ذلك بعض النجاح بالفعل، فقد أعلن المجلس المحلي في «التونا» أن المجمع السكني «منطقة حضرية محمية»، أي لا يمكن هدمه من أجل إعادة بنائه من جديد.
ولكن رغبة مجتمع الفنانين لا تقف عند هذا الحد، فهم يريدون شراء المجمع السكني. وقد جمع المستأجرون بالفعل 7 ملايين يورو (7.9 مليون دولار) في صورة قروض وائتمانات، ولكن المستثمرين لا يرغبون في بيعه. ولكنهم يعرضون على الفنانين عقد إيجار يستمر 25 عاماً وبمعدل إيجار أقل بكثير من المباني المحيطة. ويقول أحد مستشاري المُلاك: «بيع الممتلكات على المدى القصير للمستأجرين أمر غير مرغوب فيه حالياً». ورغم ذلك، فإن عدد مؤيدي «فيفا لا بيرني» يزداد.
ويقول المخرج السينمائي الألماني المعروف، فاتح آكين الذي يبلغ من العمر 45 عاماً: «بصفتي مؤرخاً بصرياً، أرى أنه أمر مخزٍ أن تختفي ببطء المباني التاريخية المهمة التي تعكس الكثير عن المدينة».
وفي مدينة كولونيا، غرب ألمانيا، ركزت المحادثات المعنية بتطوير المباني القديمة بشكل خاص على منطقة إرينفيلد، الذي كانت الطبقة العاملة تسكنها في الماضي. وعلى مدار السنوات الأخيرة، صارت إرينفيلد إحدى المناطق الأكثر شعبية في ألمانيا، حيث يوجد بها مسرح صغير وورشات عمل ونواد ليلية شهيرة، تجتذب الموسيقيين من أنحاء أوروبا. ولكن هذا قاد الإيجارات إلى الارتفاع، واضطرت بعض هذه النوادي، مثل «آندر غراوند» الشهير، إلى إغلاق أبوابها لأنها لا تستطيع تحمل مثل هذه الإيجارات.
ويخوض السكان كفاحاً ضد هذه التغييرات أيضاً، وتم مؤخراً منع إقامة مركز تجاري ضخم يتضمن شققاً راقية، بفضل مبادرة قادها المواطنون. وتم بدلاً من ذلك استخدام الأرض لإقامة مشروع متعدد الخدمات، يشمل مدرسة وشققاً ومساحات مفتوحة، بالإضافة إلى مجمع ثقافي، تحت الإنشاء، يحتوي استوديوهات ميسورة التكلفة.
ولن يكتمل النقاش بشأن تأثير تطوير المباني والأحياء القديمة على المدن الألمانية من دون التطرق إلى العاصمة برلين، فما زالت المدينة تشكل مصدر جذب للفنانين من أنحاء العالم، ويعود ذلك نسبياً إلى مساحة أماكن ورشات العمل ذات التكلفة المعقولة. إلا إن الأمور تتغير سريعاً في العاصمة، حيث تختفي 350 من هذه الورشات ذات الأسعار المعقولة سنوياً.
ويعتمد الفنانون في حي فيدينج منذ سنوات على مجمع من المباني معروف باسم «جيريشتوفه»، وهم يخوضون حالياً مناقشات حول تطوير المجمع القديم، ليحصل 70 شخصاً من المتضررين على عقود إيجار قصيرة الأجل فحسب.
وفي منطقة جيزوندبرونين القريبة، يشعر الفنانون في أماكن العمل في أوفرهالين، بالقلق بشأن مستقبلهم أيضاً بعدما استحوذ مستثمر خاص على العقار مؤخراً. وعادة ما يتم تنظيم احتجاجات ضد صفقات بيع المباني القديمة في برلين، مما يثير التساؤلات حول ارتفاع أسعار العقارات في المدينة، حيث يقوم المستثمرون الأثرياء من أنحاء العالم، باقتناص المنازل في سوق محدودة.
يذكر أن الازدهار العقاري في ألمانيا شهد انطلاقة قوية لقطاع البناء في البلاد مطلع العام الحالي، حيث ساهم الطلب على بناء المساكن وزيادة الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية في ازدهار قطاع البناء في ألمانيا منذ فترة طويلة.
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أعربت عن معارضتها على نحو قاطع دعوات لمصادرة شركات إسكان كبيرة كوسيلة للتصدي لارتفاع أسعار الإيجارات وأزمة السكن.
وقالت ميركل إن هذه الطريق خطأ تماماً، مؤكدة في المقابل ضرورة اتخاذ مزيد من الإجراءات المحددة في الإعمار السكني. كما طالبت المستشارة ببحث سبل للتعامل مع أراضي البناء غير المستغلة والزيادة الكبيرة في الإيجارات.
وكان آلاف من الأشخاص احتشدوا مؤخراً في العاصمة الألمانية برلين ومدن ألمانية أخرى عدة احتجاجاً على ارتفاع أسعار الإيجارات. كما تم إطلاق حملة لجمع توقيعات على التماس شعبي للمطالبة بنزع ملكية شركات الإسكان.
ويطالب الالتماس الشعبي بنزع ملكية الشركات التي تمتلك أكثر من 3 آلاف منزل، عبر قيام ولاية برلين بشراء هذه المنازل من الشركات جبراً.
وحسب تقديرات حكومة ولاية برلين، فستضطر الولاية إلى إنفاق نحو 30 مليار يورو في حال استجابتها للالتماس الشعبي وقيامها بشراء منازل من نحو 10 شركات تمتلك نحو 240 ألف منزل. وتتحمل الولاية حالياً ديوناً تبلغ قيمتها نحو 60 مليار يورو.
وكانت هيئة الإحصاء الألمانية في مدينة فيسبادن قالت إن قطاع البناء يواصل ازدهاره وزيادة معدل نموه بصورة جيدة، رغم تراجع طفيف مقارنة بشهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
وقالت الهيئة إن القطاع سجل في فبراير (شباط) الماضي 6.6 مليار يورو، وهو أعلى مستوى يسجله القطاع للطلبات العقارية الجديدة في هذا الشهر. إلا إنه بمقارنة نسبة الطلبات مع يناير الماضي، الذي شهد موسماً قوياً بصورة غير معتادة، فقد تراجعت قيمة العوامل المؤثرة في الموسم خلال فبراير الماضي بنسبة اثنين في المائة.
وأفادت الهيئة بأنه بمقارنة الأشهر الثلاثة، ديسمبر (كانون الأول) ويناير وفبراير بالربع السنوي السابق عليها؛ سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، فقد ارتفعت نسبة الإقبال على الطلبات الجديدة إلى 8.4 في المائة.
وأضافت الهيئة أنه على المدى المتوسط ستتقلص الزيادة في طلبات مشروعات البناء لأن السلطات لم ترفع وتيرة إصدار التصاريح للمساكن الجديدة وفقا لما أشارت إليه إحصائية أخرى حديثة.
الفنانون والمبدعون في صراع ضد ارتفاع الإيجارات وبيع المساكن القديمة بمدن ألمانيا
الفنانون والمبدعون في صراع ضد ارتفاع الإيجارات وبيع المساكن القديمة بمدن ألمانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة