المعارضة الإسرائيلية تعد التهدئة «رضوخاً أمام حماس»

TT

المعارضة الإسرائيلية تعد التهدئة «رضوخاً أمام حماس»

إزاء الانتقادات الواسعة في المعارضة الإسرائيلية، وحتى في قيادة معسكر اليمين الحاكم، الموجهة إلى رئيس الوزراء وزير الدفاع بنيامين نتنياهو، بسبب اتفاق التهدئة مع «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، واتهامه بـ«الرضوخ لتنظيمات الإرهاب»، خرج نتنياهو ببيان مكتوب عممه على وسائل الإعلام ورد فيه على منتقديه ملوحاً بجولة أخرى من القتال. وقال نتنياهو في رده: «ضربنا (حماس) و(الجهاد الإسلامي) بقوة كبيرة خلال اليومين الأخيرين. ضربنا أكثر من 350 هدفاً واستهدفنا قادة الإرهاب وعناصره ودمرنا أبراج الإرهاب. لكن المعركة لم تنتهِ بعد وهي تتطلب الصبر والرشد».
وهدد نتنياهو بشن مزيد من الضربات ضد الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، قائلاً: «نحن نستعد للمراحل القادمة. كان الهدف ولا يزال ضمان توفير الهدوء والأمان لسكان الجنوب. فإذا لم يتحقق سنعود لضربهم».
وكانت المعارضة الإسرائيلية قد هاجمت نتنياهو على الاتفاق المبرم في القاهرة، والذي يتعهد فيه بوقف الاغتيالات وتحسين معاملة الأسرى في السجون والامتناع عن إطلاق النيران على المتظاهرين في «مسيرات العودة». وقال رئيس «حزب الجنرالات» في كتلة «كحول لفان» (أزرق أبيض) البرلمانية، بيني غانتس: «لقد تم إطلاق قرابة 700 قذيفة باتجاه الأراضي الإسرائيلية، وسقط جرحى كثيرون وأربعة قتلى، جميعهم بسبب فقدان الردع، وانتهت هذه الجولة باستسلام آخر لابتزاز (حماس) والمنظمات الإرهابية».
وأضاف أن «كل ما فعلته الحكومة، مرة أخرى، هو وضع الحرب القادمة أمامنا. وينبغي أن نتوقع أنه إذا استؤنفت النيران فسيكون الرد خطيراً، وإذا جرى الحفاظ على الهدوء فكان يجب أن يُستغل لتقدم حقيقي في عملية سياسية تقود إلى إعادة جثتَي الجنديين ومواطنينا المفقودين من أجل ضمان هدوء واستقرار طويل الأمد».
ووجّه النائب عن حزب الليكود، جدعون ساعر، الذي ينافس نتنياهو على رئاسة الحزب، انتقادات مماثلة؛ فكتب في حسابه على «تويتر» أن «وقف إطلاق النار، في الظروف التي جرى فيها التوصل إليه، يخلو من إنجازات لإسرائيل. والفترات الزمنية بين جولات الهجمات العنيفة على إسرائيل ومواطنيها أخذت تقصر، والمنظمات الإرهابية في غزة تزداد قواتها. والحرب لم تُمنع وإنما أُرجئت».
وقالت عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش من حزب العمل: «أرحب بكل قطرة دم يتم حقنها. ولكن من دون رؤية سياسية ومن دون استراتيجية تدق الساعة نحو الجولة القادمة. فما الفائدة إذن من هذه المعركة التي كلّفت إسرائيل ثمناً باهظاً؟».
وانضم لهذه الانتقادات معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية العبرية، التي أعربت عن استغرابها لسكوت نتنياهو وتغيبه عن الساحة الإعلامية وامتناعه عن الظهور أمام الجمهور لتفسير ما جرى. وقال المحلل السياسي في القناة 12 التلفزيونية، أمنون أبرموفيتش، إن همّ نتنياهو الوحيد هو تكريس الانقسام الفلسطيني الداخلي، بين «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة و«فتح» التي تسيطر على السلطة الفلسطينية في رام الله، وأن هذه السياسة هي التي توجه الحكومة الإسرائيلية. وقال محرر الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ألكس فيشمان، إن الجولة الأخيرة من القتال كانت فاشلة من الناحية الاستراتيجية. فنتنياهو امتنع عن اتخاذ قرار حاسم في هذا الاتجاه أو ذاك. فلا هو استطاع تعزيز سياسة الردع ضد «حماس» ولا قام بتغيير المعادلة التقليدية، التي يخلد فيها الانقسام الفلسطيني ويمنح «حماس» عناصر قوة جديدة.
وكانت أوساط عسكرية في تل أبيب قد لخصت جولة القتال بأنها جعلت محللي الجيش والمخابرات يتعرفون على مدى التطور في قدرات مقاتلي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» الصاروخية. ففي حين كانت قدراتهم تتيح إطلاق 120 صاروخاً في يوم واحد سنة 2014، تمكنوا هذه المرة من إطلاق نحو 700 صاروخ وقذيفة في غضون ثلاثة أيام، وبات واضحاً أن صواريخهم باتت أكثر دقة وأكثر تدميراً.
وفي تلخيص للأحداث، قال الناطق بلسان الجيش إن الطائرات الحربية الإسرائيلية استهدفت وقصفت ودمرت 30 موقعاً للتنظيمات الفلسطينية بالكامل، بينها مراكز تدريب ومراقبة وغرف عمليات وقاعات قيادة وبيوت عدد من القادة، بينها بيت خالد البطش، الذي كان يفاوض إسرائيل في القاهرة. وتباهى الناطق بتدمير برج فلسطين، أعلى عمارة في قطاع غزة، وبرج أبو قطيفان ومقر وزارة الداخلية الجديد الذي افتتحته «حماس» مؤخراً بعد تدمير مقرها السابق، وبتنفيذ اغتيالات عدة لقادة ميدانيين في «حماس» و«الجهاد». وقال الجيش الإسرائيلي إنه نفّذ 350 غارة على غزة في هذه الجولة.
في المقابل، رصدت إسرائيل إطلاق 660 قذيفة صاروخية عليها تسببت في مقتل أربعة إسرائيليين، بينهم عامل عربي قُتل في المصنع الذي يعمل فيه في بلدة أشكلون، وسقوط 135 جريحاً، وفي شلل حياة أكثر من ربع مليون مواطن يعيشون في بلدات يهودية حول قطاع غزة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.