حقوق العمال في لبنان أسيرة محاصصة الأحزاب

وزير العمل لـ «الشرق الأوسط»: سنجري مسحاً شاملاً للنقابات

أجانب خدمة منزلية يتظاهرون في بيروت أمس للمطالبة بتضمين حقوقهم في قانون العمل (أ.ف.ب)
أجانب خدمة منزلية يتظاهرون في بيروت أمس للمطالبة بتضمين حقوقهم في قانون العمل (أ.ف.ب)
TT

حقوق العمال في لبنان أسيرة محاصصة الأحزاب

أجانب خدمة منزلية يتظاهرون في بيروت أمس للمطالبة بتضمين حقوقهم في قانون العمل (أ.ف.ب)
أجانب خدمة منزلية يتظاهرون في بيروت أمس للمطالبة بتضمين حقوقهم في قانون العمل (أ.ف.ب)

تتحكم التجاذبات السياسية بالمظاهرات التي ترافقت مع احتمال اتخاذ إجراءات تقشفية في الموازنة التي يناقشها مجلس الوزراء اللبناني. ففي حين يتبنى «التيار الوطني الحر» بوزرائه ومسؤوليه الدفاع عن مكتسبات أفراد الجيش من متقاعدين وجنود حاليين، ويحمِّل المتظاهرون العسكريون، وزير المال علي حسن خليل، مسؤولية أي إجراء يمس بهذه المكتسبات، بدأ اتحاد النقابات العمالية، المحسوب ضمناً على رئيس مجلس النواب نبيه بري، تحركاً مواجهاً، معلناً الإضراب احتجاجاً على بعض بنود الموازنة.
ما يجري في الشارع هو انعكاس لواقع الحركة النقابية العمالية في لبنان، وما يعتريها من ضعف وانقسامات في تكوينها ونشاطها، وإلحاق النقابات بالزعامات الطائفية، وانكفاء العمال عن الانتساب إلى هذه النقابات، وتحديداً بعد اتفاق الطائف، وتعاقب وزراء عمل محسوبين على النظام السوري في عهد الوصاية.
الاتحاد العمالي العام، الذي كان يضم 22 اتحاداً و225 نقابة، وأصبح يضم 62 اتحاداً و625 نقابة، لم تتغير أحواله بعد خروج الوصاية السورية، ومصادرة أحزاب السلطة للحركة النقابية وتحريكها لغايات سياسية.
لكن وزير العمل كميل أبو سليمان، لا يحبذ التعليق على التجاذب السياسي لتحرك النقابات والعمال في المرحلة الحالية التي يشهدها الشارع اللبناني. ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إنه بدأ العمل مع الاتحاد العمالي العام على أمور عدة «لبحث هواجس العمال»، وعقد «اجتماعاً مثمراً» مع رئيس الاتحاد أنطوان الأسمر، ووزير المالية، بشأن موضوع الضمان الاجتماعي، ولمس «تجاوباً وموقفاً جيداً من رئيس الاتحاد، كذلك تم حل أزمات عدة تعرض لها عمال في بعض القطاعات».
ويضيف أبو سليمان أنه «بصدد إجراء مسح شامل لكل النقابات في لبنان، للإبقاء على العمل النقابي الجيد والتمثيل الفعلي للعمال وشطب النقابات الوهمية»، مبدياً استعداده للتعاون «شرط أن يفعل الاتحاد نفسه من خلال حوار اجتماعي، مع الإشارة إلى أن القانون يعطيهم صلاحيات لهذا التفعيل».
وأوضح أن صلاحياته لا تخوله التدخل إذا كان أحد الأحزاب يسيطر على نقابة ما «فالمهم أن تجري انتخابات نقابية نزيهة وفق الإجراءات القانونية». ويشير إلى أن «وجود اتحاد عام فعال يساعد في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي من خلال حوار اجتماعي فعال وتضحيات من فئات كثيرة، شرط عدم التصويب على أصحاب الدخل المحدود».
ويرى الأمين العام لاتحاد نقابات عمال الطباعة والإعلام عضو الاتحاد العمالي العام، أديب بو حبيب، أن «الوضع الحالي للاتحاد لا يمكنه من العمل الفعال». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتحاد في جهة، والعمال في جهة أخرى، فهم لا يلبون دعواته إلى الإضراب ولا ثقة لهم به. فهو مفخخ بنقابات صورية ولا قدرة له على العمل. وأبرز مثال على وضع الاتحاد دعوته إلى الإضراب في 7 مايو (أيار) 2008، ليشكل في حينه الغطاء لاحتلال (حزب الله) بيروت». وأضاف: «لا يمكن لحركة نقابية أن تكون فاعلة ما لم تستند إلى هرم قوامه الاستقلالية والديمقراطية، ما يؤدي إلى حركة منتجة ومفيدة للعمال وقادرة على مواجهة السلطة لتصحيح الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعمال».
ويروي أن الاتحاد العمالي العام «كان فعالاً حتى خلال الحرب الأهلية. وبعد اتفاق الطائف، مع حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، ارتفع سعر صرف الدولار وانهارت الليرة اللبنانية، فقرر الاتحاد الإضراب، إلا أن قيادييه تلقوا دعوة للاجتماع باتحاد نقابات العمال في سوريا عشية التحرك، وحضر نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، الاجتماع، وقال للقياديين اللبنانيين إن التظاهر ممنوع لأنه يهدد الأمن القومي».
وأضاف أنه «مع تسلم الراحل رشيد الصلح رئاسة الحكومة في 1991، وتسلم الراحل عبد الله الأمين المحسوب على النظام السوري حقيبة العمل، بدأ بحث هيكلية جديدة للاتحاد، تتضمن 96 مادة، 36 مادة منها تعطي الوزارة صلاحيات التدخل في الاتحاد، وبعدما جوبه الوزير برفض نقابي، هدد بأن عدم السير بالهيكلية الجديدة سيؤدي إلى إنشاء نقابات موازية. وهذا ما حصل مع الأمين ومن ثم النائب أسعد حردان والوزير علي قانصوه، بحيث وضعت السلطة يدها على النقابات».
ويوافق نقيب معلمي المدارس الخاصة السابق، نعمة محفوظ، على أن «تدخل السلطة يشل الحركة النقابية في لبنان». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «محاصصة أحزاب السلطة من خلال أعضاء محسوبين عليها داخل الاتحاد ونقاباته لأسباب سياسية، أضعفت الشأن النقابي، وأسفرت عن تهديد أصحاب العمل للعمال بالطرد إذا تحركوا بالتظاهر أو الإضراب لتحصيل حقوقهم، ولأن الظروف الاقتصادية خانقة، ونسب البطالة عالية، يخاف العمال من خسارة مصدر رزقهم».
ويؤكد محفوظ أن «العمل النقابي في لبنان لا يمارس بطريقة ديمقراطية، فقد قضى السوريون على التاريخ النقابي الرائد الذي كان يقوده الاتحاد العمالي العام قبل وضعهم يدهم على لبنان، واختاروا وزراء محسوبين عليهم. فخخوا الاتحاد وفرخوا نقابات يسيطرون عليها، وفرغوا العمل النقابي من مضمونه، وأضعفوه، ليسيطروا على مرافق مختلف القطاعات اللبنانية».
ويوضح أن «أحزاب السلطة تنسى كل خلافاتها، وتتحالف مع بعضهم البعض، لتضع أيديها على النقابات المهنية والعمالية عند كل انتخابات نقابية».
ويستبعد «أن تمد الحكومة يدها إلى الرواتب، لأن بوادر تحرك شعبي يطيح بهم أخافتهم وجعلتهم يتراجعون حتى لا يواجهوا ثورة اجتماعية واقتصادية، لأن لقمة العيش تجر الناس إلى الشارع. فمن لوّح بتخفيض الرواتب انقلبت مواقفه إلى تصريحات شعبوية، وبدأ التلاعب السياسي، والاتجاه كما يبدو حالياً هو بتخفيض بعض التقديمات كالمنح المدرسية والرواتب العالية والمخصصات وأصحاب أكثر من راتب، لكن في المحصلة لا قيامة لأي تحرك نقابي يؤثر على الأداء الاقتصادي للدولة».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.