مسيحيو السودان في الخطوط الأمامية للحراك

«الهلال مع الصليب... السودان اليوم بيطيب» أحد شعارات ميدان الاعتصام

أقباط السودان شكلوا جزءاً أساسياً من الحراك (أ.ف.ب)
أقباط السودان شكلوا جزءاً أساسياً من الحراك (أ.ف.ب)
TT

مسيحيو السودان في الخطوط الأمامية للحراك

أقباط السودان شكلوا جزءاً أساسياً من الحراك (أ.ف.ب)
أقباط السودان شكلوا جزءاً أساسياً من الحراك (أ.ف.ب)

على مدى أكثر من أربعة عقود كاملة، كرّس المحامي القبطي السوداني نبيل أديب (76 عاماً) حياته «للدفاع عن المُهمشين» من دون اعتبار لمعتقداتهم الدينية أو انتماءاتهم السياسية، مدفوعاً «بقيم الحرية والعدالة التي ورثتها عن والده» الطبيب ذي الأصول المصرية الذي انتقل إلى السودان في القرن الثامن عشر.
وتحوّل مكتب أديب القانوني الواقع بحي العمارات في ولاية الخرطوم، لحاضنة للحقوقيين لسنوات، وملاذاً يلجأون إليه من أجل الدفاع عنهم أمام المحاكم، إلى جانب اضطلاعه بتوثيق انتهاكات حقوقية وتقديم المساعدة القانونية لضحايا سوء المعاملة الحكومية والدفاع عن الأقليات.
ويقول أديب لـ«الشرق الأوسط» إن «كل ما نحتاجه هو أن نُصِر على الانتصار للحق، فالدفاع عن المُظلومين، من داخل بلدي، هو شرف واختيار سياسي وإنساني كُنت واعياً بتبعاته ومرتضياً به حتى النهاية التي شاءت أن أشهد في نهاية حياتي أعظم حدث فيها وهو الثورة».
ورغم «العلاقات الطيبة» بين مسيحيي السودان ومسلميه، بحسب وصف أديب، فإن النظام (الحركة الإسلامية) بقيادة عمر البشير جعل المسيحيين هدفاً لحملات متكررة، تنوعت وسائلها بين هجوم الإعلام الحكومي عليهم، ونعتهم بأوصاف تحريضية، ومصادرة ممتلكات بعضهم بزعم «الدعوة لأفكار دينية منحرفة تخالف الإسلام»، ونقل رسائل إلى كثيرين منهم بطريقة غير مباشرة للهجرة.
ويوضح أديب: «علاقاتنا مع المواطنين أكثر من ممتازة. لم نتعرض لعنف أهلي، أو استهداف من جانبهم على أساس الهوية. كنا مجتمعاً واحداً، يدعمنا الكثيرون منهم في مطالبنا خصوصاً تجاه سياسة البشير في التمييز الطائفي والعرقي».
ولم يُكرس أديب عمله للدفاع عن الأقباط فحسب، بل دافع أمام المحاكم عن كثيرين استهدفهم النظام، بينهم رئيس «حزب الأمة» المعارض الصادق المهدي، ورئيس «حزب المؤتمر» ذي التوجه القومي إبراهيم الشيخ، والمُرشح الحالي من جانب «قوى إعلان الحرية والتغيير» لمنصب رئيس الوزراء مضوي إبراهيم، إضافة إلى صحافيين معارضين كثيرين عاقبهم النظام السابق بالسجن أو الاعتقال، بينهم الصحافية لبنى أحمد حسين التي اعتقلت بسبب ارتدائها بنطالاً.
وينتمي أديب إلى مسيحيي السودان من ذي الأصول المصرية، وهم في أوضاع ميسورة ويعمل أغلبهم في التجارة أو في مهن الطب والهندسة والمحاماة، بينما تزداد هذه الصعوبات عند القطاع الغالب من مسيحيي السودان الآخرين لظروفهم الاقتصادية «شديدة السوء».
وبين هؤلاء رأفت سمير (42 عاماً)، وهو رئيس لمجلس الطائفة الإنجيلية. وتكرر اعتقاله مرات كثيرة، كان آخرها قبل عام ونصف العام، وأبلغته أجهزة الأمن السودانية بعدم رغبتها في بقائه داخل البلد. ويقول رأفت لـ«الشرق الأوسط»: «قالوا لي: مش عاوزين أقباط تاني في البلد، وحاول تخلي الناس تسافر برة».
كان شقيق رأفت من بين هؤلاء الذين غادروا البلاد قسراً قبل خمسة أعوام، بعدما صودرت ممتلكاته. ويقول: «نظام البشير اتبع سياسة اعتقال عشوائي وتهديد بسحب الجنسية ومصادرة الممتلكات». وأشار إلى أن هاتفه كان لا تنقطع عنه «رسائل التهديد»، أو التحريض على الهجرة. ويتذكر مضمون واحدة من تلك الرسائل التي «تلقاها المسيحيون الإنجيليون كافة يوم انفصال الجنوب»، وكان نصها أن «المساحة الجديدة للسودان يسكنها نحو 97 في المائة من المسلمين، لذلك ما عليكم سوى الرحيل إلى الخارج».
ومع ذلك تظل فكرة الهجرة أو ترك البلد «مستحيلة» بالنسبة إلى أديب الذي اعتقل واقتُحم مكتبه أكثر من مرة. ويقول بصوت مشحون بالتأثر: «عمري ما أسيب البلد. هذه بلدي التي ولدت فيها، وسأدفن فيها إلى جانب أبي وجدي. لا يمكنني أن أعيش في غيرها. كان من السهل الحصول على جنسية أجنبية ورفضت، وما زلت مُصراً على عدم القبول بها».
شكلت المظالم الواقعة على عموم السودانيين دافعاً أساسياً لسمير وآلاف غيره للنزول في مسيرات احتجاجية تُطالب بإسقاط نظام البشير، وتقدم الخطوط الأمامية في الانتفاضة الأخيرة سعياً إلى حكم يلتزم بمعايير العدل والمساواة والنزاهة.
ويوضح أن «المشاركة في الثورة كانت وسيلة الأقباط لتحرير أنفسهم من هذا الاضطهاد المتكرر من جانب نظام البشير الحاكم، خصوصاً العنصر النسائي الذي شكل الفئة الغالبة بين المشاركين، كما لعبت بعضهن أدواراً في التحضير له».
الشابة السودانية سمر بولس واحدة من هؤلاء اللاتي انخرطن في الشأن العام السياسي بصفاتهن الوطنية، حين أسست قبل ستة أعوام مع نشطاء سياسيين مسلمين حركة احتجاجية حملت اسم «شباب التغيير» للتوعية بمساوئ النظام المعزول، وفضح محاولات لتزوير الانتخابات الرئاسية لصالح البشير.
وتقول سمر التي انضمت لاحقاً إلى «تجمع المهنيين السودانيين»، إن «الهدف هو توعية الناس بمساوئ نظام البشير، وتحفيزهم للمُشاركة والنقاش في القضايا العامة السياسية». كانت الغاية الأساسية من هذا النشاط هي «الثورة على الفساد والظلم»، وفقاً لسمر التي توضح أنه «لا مشكلة عندنا مع رجل الشارع. كان النظام هو المحرض الرئيسي علينا، وسبب كل تلك السياسات الطائفية».
صمدت سمر كثيراً أمام انفعالات زوجها في ضوء نشاطها السياسي «خوفاً على حياتي وحياة أولادي»، بعدما تلقت تهديدات بالتصفية مرات عدة إذا استمر عملها ضد حُكم البشير. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «كانت المجموعة تلتقي في أماكن غير معروفة، ونستخدم هواتف محمولة بدائية بأرقام جديدة للتواصل، منعاً لاختراقها من جانب أجهزة الأمن التي كانت تراقبنا».
وتشدد على أن مشاركة المسيحيين في الانتفاضة الأخيرة «كانت بصفتهم مواطنين يشتركون مع المسلمين في قضاياهم تجاه هذا النظام من غياب العدل وانتشار الفساد والاستبداد السياسي». وتستشهد على ذلك بعدم وجود شعارات تحمل مطلباً خاصاً للأقباط، وكذلك الهتافات التي رددوها في ميادين الاعتصام.
«الهلال مع الصليب... السودان اليوم بيطيب»، هو أحد تلك الهتافات التي صدحت بها حناجر المحتجين في ميادين الاعتصام، حين اصطفت مجموعة من المسيحيين لحماية المسلمين من أشعة الشمس الحارقة وهم يصلون. تقول سمر: «مشينا نقف مع ثورتنا ونغطي على إخوتنا وهم بيصلوا، قاموا اخترعوا لنا هذا الهتاف. والله بكينا».
وأظهرت عشرات المقاطع المصورة من ميدان الاعتصام مسيحيي السودان يرنّمون في الاعتصامات أو يرفعون الصلوات هناك. كما دعا «تجمع المهنيين السودانيين»، قبل أسبوعين، مسيحيي السودان، للمشاركة في إقامة صلاة جماعية في الاعتصام.
ويغيب أي إحصاء رسمي لعدد المسيحيين السودانيين، بينما يُرجح أديب أن يُشكل عددهم في الداخل فقط نسبة 5 في المائة من إجمالي عدد السكان الحاليين.



اعتداءات على الأكاديميين اليمنيين في ذمار ونهب للأراضي

بوابة جامعة ذمار اليمنية (إكس)
بوابة جامعة ذمار اليمنية (إكس)
TT

اعتداءات على الأكاديميين اليمنيين في ذمار ونهب للأراضي

بوابة جامعة ذمار اليمنية (إكس)
بوابة جامعة ذمار اليمنية (إكس)

استقال أعضاء عمادة وهيئة التدريس في كلية العلوم التطبيقية في جامعة ذمار اليمنية بشكل جماعي بعد اعتداء نجل قيادي حوثي في الجامعة على أحد المدرسين، ورفض رئاستها المعينة من قبل الجماعة اتخاذ أي إجراءات بشأن الحادثة، وذلك بالتزامن مع نهب مساحة من الحرم الجامعي وتخصيصها للاحتفالات.

وذكرت مصادر أكاديمية في ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء) أن حسن محمد الحيفي، وهو ابن القيادي الحوثي محمد الحيفي المعين رئيساً للجامعة، وطالب دراسات عليا فيها، اعتدى على الأكاديمي وليد عبد الرزاق مدير إدارة الدراسات العليا بكلية العلوم التطبيقية، وتعمد إهانة عميد الكلية ونوابه.

عمادة وهيئة التدريس في كلية العلوم التطبيقية في جامعة ذمار تقدم استقالة جماعية (إكس)

ووفقاً للمصادر، فإن رئيس الجماعة رفض الاستجابة للشكوى التي تقدمت بها هيئة التدريس في الكلية وعمادتها، بل ووجه عميد الكلية بإيقاف المدرس الذي وقع الاعتداء عليه، ووجه بتعيين عميد جديد للكلية بدلاً عنه.

ومنذ أيام أعلنت الجماعة الحوثية عبر وسائل إعلامها أنه جرى دور تسليم وتسلم بين عميد الكلية وخلفه تنفيذاً لقرار الحيفي.

إلا أن المصادر أوضحت أن العميد المقال أُجبِر على الحضور إلى مقر الكلية والتقاط الصور مع العميد الجديد وبعض القادة الحوثيين، لتمييع القضية وتمريرها أمام الرأي العام، بتجاهل تام لحادثة اعتداء ابن القيادي الحيفي على مدرسه، والإجراءات التعسفية التي اتخذها الحيفي نفسه وإساءاته للعميد والمدرسين.

وبحسب المصادر، فإنه جرى تهديد العميد المقال بتلفيق قضايا فساد له، والتعاون مع الحكومة الشرعية، وأن الحيفي حذر جميع الأكاديميين مما سماه التطاول أو تجاوز حدودهم في التعامل معه.

واستغربت الأوساط الأكاديمية في الجامعة من تجاهل القيادات الحوثية في المحافظة للواقعة، رغم توجه عدد من الأكاديميين إليها بالشكوى بعد رفض الحيفي ورئاسة الجامعة اتخاذ الإجراءات القانونية بشأن الواقعة.

نهب أراضي الجامعة

اتهم عدد من الأكاديميين القيادات الحوثية المسيطرة على محافظة ذمار، وفي مقدمتها محمد البخيتي المعين في منصب المحافظ، بالتواطؤ مع رئيس الجامعة، مرجحين تجاهله الشكوى المقدمة له بالحيفي، لما بينهما من تعاون في العديد من الملفات في إطار تنفيذ مشروع الجماعة الحوثية، ومنها ما حدث أخيراً من نهب لأراضي الجامعة.

محمد البخيتي المعين محافظاً لذمار يشارك في إحدى فعاليات جامعة ذمار بسلاحه الشخصي (إعلام حوثي)

وكان البخيتي أقدم منذ نحو شهر على اقتطاع مساحة كبيرة من أراضي جامعة ذمار، وتحويلها إلى ساحة للاحتفالات، وذلك ضمن استعدادات الجماعة للاحتفال بذكرى المولد النبوي.

وبلغت المساحة التي اقتطعها البخيتي من حرم الجامعة، أكثر من 10 آلاف لبنة (وحدة قياس محلية، واللبنة الواحدة تساوي 44.44 متر مربع)، وجاء الكشف عن هذا الإجراء بعد أيام قليلة من الكشف عن استقطاع المساحة نفسها من أراضي جامعة صنعاء، لصالح مشاريع استثمارية لقيادات حوثية.

وتؤكد مصادر محلية أن البخيتي استأذن القيادي مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى للجماعة الحوثية (مجلس الحكم الانقلابي)، في اقتطاع تلك المساحة، بحجة عدم احتياج الجامعة لها.

ووافق المشاط على طلب البخيتي موجهاً بتنفيذ إجراءات نقل ملكية تلك المساحة من الأرض من جامعة ذمار إلى السلطات الحوثية التي تشرف على المحافظة، والتي باشرت بأعمال تهيئتها لتنظيم الاحتفال بالمولد النبوي عليها.

واستنكرت شخصيات سياسية واجتماعية في محافظة ذمار واقعة اقتطاع أراضٍ تابعةٍ للجامعة لتنظيم الاحتفالات، وعدّوا التعدي على أراضي الجامعات جريمة بحق العملية التعليمية والأكاديمية.

تحجيم مساحة التعليم

تفيد المصادر الأكاديمية في ذمار بأن أراضي الجامعة التي يجرى التعدي عليها، كانت ضمن مخططات تعود إلى ما قبل الانقلاب الحوثي لتنفيذ مشاريع ومنشآت تابعة للجامعة، خصوصاً الكليات والمراكز التي ما زالت مقراتها خارج الحرم الجامعي، مثل كلية الآداب ومركز التعليم المستمر.

مبنى كلية الهندسة في جامعة ذمار (فيسبوك)

وأوضحت المصادر أنه رغم مصادرة الجماعة الحوثية لمبنيي كلية الآداب ومركز التعليم المستمر، واعتزامها تحويل مبنى كلية الحاسبات إلى أكاديمية للقرآن، وجميعها تقع وسط المدينة؛ فإنها لم تبدأ بأي إجراءات لتعويض هذه الجهات الثلاث بمنشآت داخل أراضي الحرم الجامعي، وبدلاً عن ذلك تصادر أراضي الجامعة لصالح مشروعها الطائفي.

كما تمتلك كليات الآداب والتربية والطب البشري والأسنان مباني أخرى في وسط المدينة، وكان مقرراً قبل الانقلاب أن تبدأ الجهات المعنية التخطيط لمشاريع بناء منشآت داخل أراضي الجامعة لنقل جميع الكليات إلى الحرم الجامعي.

وتخشى الأوساط الأكاديمية والاجتماعية في محافظة ذمار من أن تؤدي أعمال مصادرة مباني وأراضي الجامعة إلى الإضرار الكامل بالعملية التعليمية والأكاديمية، وتحجيم مساحتها وإمكاناتها.