الحكومة اللبنانية تؤكد التزامها تعهداتها أمام المؤسسات الدولية

لا تعديل في بنود مؤتمر «سيدر»

الرئيس ميشال عون خلال استقباله أمس رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه (الوكالة الوطنية)
الرئيس ميشال عون خلال استقباله أمس رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه (الوكالة الوطنية)
TT

الحكومة اللبنانية تؤكد التزامها تعهداتها أمام المؤسسات الدولية

الرئيس ميشال عون خلال استقباله أمس رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه (الوكالة الوطنية)
الرئيس ميشال عون خلال استقباله أمس رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه (الوكالة الوطنية)

استغرب مصدر وزاري رفيع ما أُشيع أخيراً من أن الحكومة اللبنانية تدرس الاتصال بالحكومة الفرنسية باعتبارها القيّمة على مؤتمر «سيدر» والتمني عليها تعديل البنود الواردة فيه بما يتلاءم ومشروع الموازنة للعام الحالي. وقال إنه لا صحة لكل ما يشاع على هذا الصعيد، وإن الحكومة تلتزم كلياً بما تعهدت به أمام الدول والصناديق والمؤسسات المالية من أجل مساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية وإعادة تأهيل البنى التحتية لخلق مزيد من فرص العمل، علماً أن «سيدر» لم يلحظ أي آلية للتعديل.
ولفت المصدر الوزاري إلى أن مشروع الموازنة الذي يناقَش حالياً سيكون على قياس مؤتمر «سيدر» وليس العكس، وقال إن رئيس الحكومة سعد الحريري يبدي حرصه الشديد على خفض العجز في الموازنة من 8.5 في المائة إلى 7 في المائة. ونقل عنه زوّاره أنه آن الأوان للإفادة من «سيدر» ويجب الوصول إلى ما نطمح إليه، وهذا يتطلب تحقيق الشراكة الوطنية بين جميع مكوّنات الحكومة والترفُّع عن تسجيل المواقف. وشدّد الرئيس الحريري على الإسراع في إقرار الموازنة لأنه لا مصلحة في التباطؤ أو في افتعال مشكلات هامشية من شأنها أن تعيق إقرارها.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» أنه لا مشكلة لدى المصارف في زيادة الضريبة على الفوائد على الودائع من 7 إلى 10 في المائة، وقالت إن خفض الفائدة على سندات الخزينة التي تستدين بموجبها الدولة من المصارف لن يتم بالإكراه وإنما طوعياً ويعود لجمعية المصارف القرار النهائي. وعلمت أن الوزير جبران باسيل اقترح رفعها من 7 إلى 12 في المائة، لكن اقتراحه لم يلقَ استجابة لأنها موجّهة ضد المودعين.
وأكدت المصادر نفسها أن التشريعات باتت ضرورية لتحقيق الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد والهدر. وقالت إنه لا مفر منها وهذا ما يشدّد عليه مؤتمر «سيدر»، وإنه لا مجال للدخول في مناكفات من شأنها أن تؤخر تحضير كل ما هو مطلوب استجابة لـ«سيدر».
من جهة ثانية، توقفت المصادر الوزارية أمام ما قاله الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله وتناول فيه دعوة المصارف للمساهمة في الوصول إلى موازنة متقشّفة، وقالت إنه لا اعتراض على دعوته هذه ولا على قوله إن القطاع المصرفي سيتضرر في حال انهيار الوضع. ورأت أن المصارف لم تتردد يوماً في دعم الاقتصاد اللبناني وفي مساهمتها بترشيق الموازنة لخفض العجز. لكن من غير الجائز أن نرمي كل شيء عليها كأنها وحدها مسؤولة عن توفير الحلول للأزمة الاقتصادية بدلاً من أن يقترح ما هو مطلوب من الأطراف في الحكومة التي يجب أن تتحمل مسؤولية خفض النفقات.
على صعيد آخر، اعتبرت المصادر الوزارية أن إلحاق مصرف لبنان بوزارة المالية ما هو إلا هرطقة، وتعزو السبب إلى أن مثل هذا الطرح يُفقِد المصرف المركزي دوره في الحفاظ على الاستقرار النقدي، وأيضاً في ضمان استقرار المصارف.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم