البطالة الأميركية تصل إلى أقل مستوياتها في نصف قرن

مع توفير 600 ألف وظيفة جديدة

البطالة الأميركية تصل إلى أقل مستوياتها في نصف قرن
TT

البطالة الأميركية تصل إلى أقل مستوياتها في نصف قرن

البطالة الأميركية تصل إلى أقل مستوياتها في نصف قرن

سجل عدد فرص العمل في الولايات المتحدة ارتفاعاً لمستوى جديد خلال أبريل (نيسان)، وانخفضت البطالة إلى أقل مستوياتها فيما يقرب من نصف قرن، بحسب بيانات حكومية أعلنت أول من أمس، وهو مؤشر مهم على قوة النمو الأميركي، يأتي في الوقت الذي يدور فيه الجدل حول تقييم سياسات الرئيس دونالد ترمب مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الخاص بمنصب الرئاسة.
وخلال الشهر الماضي، تم توظيف عمال في قطاعات البناء والرعاية الصحية وتصميم أنظمة الكومبيوتر والدعم الإداري وغيرها من صناعات الخدمات، ما أضاف 263 ألف وظيفة جديدة، وفق البيانات التي نشرت الجمعة.
وجرى تعديل بيانات فبراير (شباط) ومارس (آذار)، بالزيادة لتُظهر خلق 16 ألف وظيفة فوق التقدير السابق. وكان اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا نمو الوظائف غير الزراعية إلى 185 ألفاً الشهر الماضي. وما زال نمو الوظائف أعلى كثيراً من مستوى 100 ألف الضروري شهرياً لمواكبة النمو في حجم السكان في سن العمل.
وزاد التشغيل في مواقع الإنشاء بـ33 ألف وظيفة خلال أبريل، مسجلاً ارتفاعاً للشهر الثاني على التوالي. والقطاع الصناعي زاد بـ4000 وظيفة، بعد أن كان حجم الوظائف في القطاع ثابتاً في مارس (آذار).
وكان التوظيف في قطاع الصناعة يتعرض لضغوط نتيجة عمليات تسريح العمالة في قطاع السيارات، حيث يحاول قطاع التجميع التماشي مع انخفاض المبيعات وزيادة المخزون.
وبلغ التوظيف في قطاع الحكومة أعلى مستوى له منذ 8 أشهر، إذ أتيحت 27 ألف فرصة عمل جديدة، يرجح أن بعضها مرتبط بالتوظيف من أجل التعداد السكاني في الولايات المتحدة لعام 2020. وواصلت قطاعات الخدمات المالية كذلك التوظيف.
وانخفض معدل البطالة في أبريل إلى 3.6 في المائة، وهو أقل مستوى منذ 1969. لكن سبب التراجع يعود جزئياً إلى انكماش حجم العمالة، بينما تم تسجيل عدد أقل من الباحثين عن العمل، وهو ما يعني أنهم لم يعودوا محسوبين ضمن القوة العاملة.
وفي مقياس أوسع للبطالة، يتضمن الأشخاص الذي أرادوا العمل ولكن توقفوا عن البحث ومن يعملون دواماً غير كامل بسبب عدم عثورهم على دوام كامل، ظل المؤشر ثابتاً عند 7.3 في المائة خلال أبريل.
وتشير «رويترز» إلى أن الارتفاع المستمر في الأجور يحافظ على بقاء العمالة ضمن القوى العاملة ويعيد من كانوا خرجوا منها، حيث زاد متوسط الأجر في الساعة 6 سنتات أو 0.2 في المائة في أبريل، مقارنة بالشهر السابق، وكانت الأجور زادت بصفة شهرية بالهامش نفسه في مارس.
وهو ما يجعل معدل الزيادة السنوية في الأجور خلال أبريل بنسبة 3.2 في المائة، وبذلك يكون الشهر الماضي هو الشهر التاسع على التوالي الذي يشهد نمواً في الأجور بأكثر من 3 في المائة بوتيرة سنوية، متجاوزاً نسبة التضخم.
وقال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس لشبكة «سي إن بي سي» بعد وقت قصير من صدور البيانات، إن «الاقتصاد في وضع قوي»، مرجعاً ذلك إلى أجندة ترمب الاقتصادية التي شملت خفض الضرائب وتخفيف القواعد التنظيمية البيروقراطية.
وتقول وكالة «أسوشييتد برس» إن مؤشرات التشغيل الأخيرة تعد دليلاً حديثاً على قوة الاقتصاد الأميركي، بجانب أسعار الأسهم التي ارتفعت أو أصبحت قريبة من مستويات قياسية، وهو ما يمثل دعماً للرئيس ترمب في انتخابات الرئاسة في 2020. وإن كان الديمقراطيون، الخصوم السياسيون للرئيس الجمهوري، ينتقدون عدم تراجع مستويات عدم المساواة في الدخل بصفة عامة.
وبحسب الوكالة، فإن العمالة منخفضة الدخل تحقق مكاسب في الدخول أكبر من القطاعات الأخرى من القوى العاملة، ففي مارس، زادت أجور أفقر ربع من العمالة 4.4 في المائة، مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، بينما زادت أجور الربع الأعلى دخلاً بـ3 في المائة فقط.
لكن وتيرة زيادة العمالة قليلة الدخل بدأت في التفوق على الفئات الأعلى دخلاً منذ 2015، لذا فظاهرة ارتفاع دخول الطبقات الدنيا ليست مرتبطة بترمب، وجزء من تفسير هذه الظاهرة يرتبط بالزيادات المطبقة في الحد الأدنى للدخول.
وتشير «أسوشييتد برس» إلى أن ظاهرة عدم المساواة في الدخول في مجملها لم تتحسن، فأغنى 5 في المائة من الأميركيين حصلوا على أجور تمثل 3.4 مرة متوسط أجور العمالة في 2018، وهو ما يزيد على الفارق في 2016، حيث كانت أجور هذه الفئة تمثل 3.3 مرة فقط.
وتقول «رويترز» إنه في الوقت الذي تقلل فيه بيانات التوظيف من المخاوف من دخول الاقتصاد في دائرة الركود، فهي تقلل أيضاً من أهمية دعاوى الرئيس ترمب بضرورة تخفيض الفائدة.
وقال جويل ناروف، اقتصادي لـ«رويترز»، إنه سيكون من الصعب للغاية على مجلس الاحتياطي الفيدرالي تبرير خفض في أسعار الفائدة في ظل سوق عمل قوية.
وقال نائب الرئيس الأميركي أول من أمس، إن مجلس الاحتياطي الاتحادي ينبغي أن يبحث خفض أسعار الفائدة في ظل محدودية الضغوط التضخمية، لينضم بذلك إلى الرئيس دونالد ترمب وكبير مستشاريه الاقتصاديين في الضغط على البنك المركزي.
وقال بنس في مقابلته مع محطة تلفزيون «سي إن بي سي»: «لا يوجد تضخم. الاقتصاد قوي. هذا هو الوقت الملائم تماماً ليس فقط لعدم رفع أسعار الفائدة، لكن يتعين علينا أيضاً أن نبحث خفضها».
وأبقى البنك المركزي الأميركي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في نهاية اجتماعه يوم الأربعاء، ولمح إلى أنه لا ينوي تعديله في القريب العاجل.



ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
TT

ارتفاع حاد لسندات لبنان الدولارية مع تفاؤل المستثمرين بالإصلاحات

الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً جوزيف عون يلقي خطاباً في مبنى البرلمان ببيروت (أ.ف.ب)

ما إن انتخب مجلس النواب اللبناني العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد، بعد أكثر من عامين على الشغور الرئاسي، حتى عززت سندات لبنان الدولارية مكاسبها مسجلةً ارتفاعاً حاداً وسط تفاؤل بإجراء إصلاحات في بلد مزقته الحروب، وأنهكت اقتصاده الذي تناوله عون في خطابه بعد إدلائه بالقسم، حين شدّد على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر.

وقد شهدت سندات لبنان الدولية بآجالها كافة، الخميس، ارتفاعاً إلى أكثر من 16 سنتاً للدولار، من حوالي 13 سنتاً يوم الأربعاء، وذلك بعدما كانت وصلت إلى أدنى مستوياتها عند 6.25 سنت في عام 2022، رغم أنها لا تزال أدنى بكثير من أسعار سندات دول أخرى تخلفت عن سداد التزاماتها في العام نفسه.

جوزيف عون يسير بعد انتخابه رئيساً للبنان في مبنى البرلمان ببيروت (رويترز)

وكان لبنان أعلن التخلف عن سداد ديونه في ربيع عام 2020 بعد أن سقط النظام المالي في البلاد في أزمة اقتصادية عميقة في 2019.

وتأتي هذه الزيادة في قيمة السندات في وقت بالغ الحساسية، حيث لا يزال الاقتصاد اللبناني يترنح تحت وطأة تداعيات الانهيار المالي المدمر الذي بدأ في 2019، إذ يواجه أزمة مصرفية ونقدية وسياسية غير مسبوقة استمرت أكثر من ثلاث سنوات، أثرت بشكل عميق على استقراره النقدي، مما جعله واحداً من أكثر البلدان عُرضة للأزمات المالية في المنطقة. ومنذ بداية هذه الأزمة، شهد الاقتصاد انكماشاً حاداً ناهز 40 في المائة، مما أدى إلى تدهور ملحوظ في جميع القطاعات الاقتصادية. كما فقدت الليرة اللبنانية ما يقارب 98 في المائة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة معاناتهم. في الوقت نفسه، سجل التضخم معدلات غير مسبوقة، مما زاد من الأعباء المالية على الأسر. وفي الوقت ذاته، خسر المصرف المركزي اللبناني ثلثي احتياطياته من النقد الأجنبي، مما أضعف قدرته على دعم العملة المحلية وضمان استقرارها.

ويرى مراقبون أن الارتفاع القوي لسندات ما يعرف باليوروبوندز ينبع من التفاؤل بأن انتخاب عون رئيساً جديداً سيفتح الباب على تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية مطلوبة بشدة. ويعدون أن هذا من شأنه أن يمهد الطريق لإعادة هيكلة السندات الدولية في نهاية المطاف.

لكن التحدي هو في اختيار رئيس للوزراء، والإسراع في تشكيل حكومة تعمل على تمرير الإصلاحات بالتعاون مع مجلس النواب.

وقال سورين ميرش، مدير المحافظ في «دانسكي بنك» في كوبنهاغن الذي بدأ بشراء السندات اللبنانية في سبتمبر (أيلول): «إذا تمكن لبنان من انتخاب رئيس جديد، فأتوقع أن ترتفع السندات. فانتخاب رئيس يعني على الأرجح تعيين رئيس وزراء، وتشكيل حكومة فعّالة بدلاً من تلك القائمة بالوكالة»، وفق «بلومبرغ».

وتوازياً، شهدت الأسواق اللبنانية حالة من التهافت على شراء الليرة اللبنانية، حيث عدّ كثير من اللبنانيين أن انتخاب عون قد يُشكّل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، ما قد ينعكس إيجاباً على العملة المحلية. ومع الآمال التي علّقها البعض على تحسن الوضع الاقتصادي، يتوقع كثيرون أن تشهد الليرة تحسناً مقابل الدولار في ظل التفاؤل الذي صاحب هذه الخطوة السياسية المهمة.

الاقتصاد في خطاب عون

في خطابه الأول بعد انتخابه رئيساً، شدّد عون على تمسكه الثابت بمبادئ الاقتصاد الحر، مؤكداً على أهمية بناء قطاع مصرفي يتمتع بالاستقلالية التامة، بحيث لا يكون الحاكم فيه سوى القوانين. كما بعث برسالة واضحة ومباشرة إلى المواطنين والمودعين، مؤكداً أن حماية أموالهم ستظل على رأس أولوياته، معلناً أنه لن يتهاون في هذا الملف الذي يمثل تحدياً كبيراً.

أعضاء من الجيش اللبناني يقفون خارج فرع «بنك بلوم» في بيروت (رويترز)

وأكد عزمه على بناء علاقات قوية مع الدول العربية، التي تُعد شريكاً رئيساً في إعادة الإعمار، ودعم لبنان اقتصادياً، لا سيما وأن تعزيز هذه العلاقات سيسهم في الحصول على الدعم المالي العربي، وتحفيز النمو من خلال جذب الاستثمارات، وفتح قنوات التعاون مع دول دعمت لبنان في فترات سابقة.

تحديات

إلا أن تحديات كبيرة تواجه الرئيس. فهل سيتمكن عون من تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته الراهنة وتحقيق الاستقرار المالي؟

يتصدر ملف الإصلاحات الاقتصادية أولويات الاستحقاقات الوطنية في لبنان، ويُعد البوابة الأساسية لاستعادة الاستقرار المالي والانطلاق نحو تعافي الاقتصاد المترنح. وتتجاوز أهمية هذه الإصلاحات تحسين الوضع الداخلي، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة إعادة الإعمار والحصول على الدعم المالي. وفي هذا السياق، يُتوقع أن يُعاد إحياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف التوصل إلى اتفاق ينص على تأمين الدعم المالي مقابل التزام الحكومة بحزمة إصلاحات هيكلية ومالية تشمل تحسين إدارة القطاع العام، ومكافحة الفساد، وتحرير الاقتصاد من القيود التي تعرقل نموه. وتُعد هذه الإصلاحات حجر الزاوية في عملية إنقاذ لبنان، حيث تشكل الأساس للحصول على الدعم الدولي بشتى أنواعه.

وفي ظل استمرار لبنان في معركته ضد الدين العام الهائل الذي بلغ نحو 140 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، سيواجه الرئيس الجديد مهمة شاقة تتمثل في إرساء الاستقرار المالي الذي من شأنه أن يعزز الثقة المتجددة في النظام الاقتصادي اللبناني، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الديْن العام، وبدء مفاوضات جادة مع الدائنين.

كذلك ستتجه الأنظار إلى آفاق جديدة في إدارة الاقتصاد اللبناني، لا سيما فيما يتعلق بإعادة استقرار سعر صرف الليرة، التي سجلت اليوم 89 ألف ليرة مقابل دولار واحد، بعد أن كانت عند 1500 ليرة في عام 2019. وتبدي الأوساط الاقتصادية أملاً كبيراً في تحسن الوضع المالي بفضل السياسات النقدية الجديدة التي سيقودها حاكم أصيل لمصرف لبنان. ومن هذا المنطلق، يعد انتخاب عون خطوة محورية نحو تحقيق بيئة سياسية أكثر استقراراً، وهو ما يسهم في تعزيز الثقة في النظام النقدي اللبناني المتأزم.

علاوة على ذلك، تقع على الحكومة المقبلة سياسات مالية تهدف إلى تقليص العجز في الموازنة العامة من خلال تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وزيادة الإيرادات المحلية. ويُعد التركيز على مكافحة الفساد والتهرب الضريبي من بين الأولويات الرئيسة التي يجب أن تسعى الحكومة إلى تحقيقها في الفترة المقبلة، في خطوة تهدف إلى استعادة الثقة بالمؤسسات الحكومية وتحقيق الشفافية المالية، خاصة وأن مسح البنك الدولي السنوي الأخير عن الحوكمة والإدارة الرشيدة لعام 2024 صنف لبنان في المرتبة 200 عالمياً من أصل 213 دولة، والمرتبة الـ16 بين 20 دولة عربية من حيث فاعلية الحكومة.

إضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية العميقة، يواجه عون أيضاً صعوبة في تعزيز البنية التحتية المتدهورة للبلاد، مثل قطاع الكهرباء الذي يُعد من العوامل الأساسية التي تثقل كاهل الدين العام (حوالي 45 مليار دولار من إجمالي قيمة الدين العام)، وتستهلك جزءاً كبيراً من الموارد العامة دون أن تقدم تحسينات ملموسة في الخدمات المقدمة للمواطنين.

احتفالات شعبية بعد انتخاب قائد الجيش اللبناني جوزيف عون رئيساً للبنان (رويترز)

إن لبنان اليوم يقف أمام اختبار اقتصادي بالغ الأهمية في تاريخه الحديث، حيث تأمل البلاد في التغلب على أزماتها الاقتصادية الحادة، مدعومةً بدعم عربي ودولي حيوي يسهم في تحقيق الاستقرار وإعادة البناء.