«لا كونديسا»... المكسيك في قلب باريس

أطباقه تكشف الأسرار التي تعلمها الشيف إندرا كاريلو من الخبازين والصيادين

«لا كونديسا»... ديكور عصري يتناسب مع فكرة الأطباق وطريقة تقديمها
«لا كونديسا»... ديكور عصري يتناسب مع فكرة الأطباق وطريقة تقديمها
TT

«لا كونديسا»... المكسيك في قلب باريس

«لا كونديسا»... ديكور عصري يتناسب مع فكرة الأطباق وطريقة تقديمها
«لا كونديسا»... ديكور عصري يتناسب مع فكرة الأطباق وطريقة تقديمها

طاف الشيف الموهوب إندرا كاريلو Indra Carillo مختلف أنحاء العالم في سن الحادية والثلاثين وعمل في أرقى المطابخ جنباً إلى جنب مع أعظم الطهاة العالميين. فقد دفعه الشغف بالعلم وبمعرفة تقاليد الشعوب والرغبة في اكتساب خبرات جديدة إلى السفر إلى الهند وباريس ولندن ونيويورك وبرشلونة وبالطبع أميركا اللاتينية.
وبعدما وضع عصا الترحال لفترة وجيزة انتهزتُ الفرصة لسؤاله عن عمره عندما بدأ الطهي الذي تشكلت من خلاله تجربته الثرية، ليضحك قائلاً: «في الثانية عشرة من عمري عملت كمساعد خباز بعد المدرسة وفي عطلات نهاية الأسبوع. لقد اكتشفت مهنتي مبكراً جداً».
من خلال موهبته وفضوله للطهي، انتقل الخباز الصغير إلى باريس حيث أُجريت معه هذه المقابلة في مطعمه الذي يحمل اسم «La Condesa» في قلب العاصمة الفرنسية، وهو المطعم المشهور بتقديمه قائمة طعام فرنسية مع لمسة عالمية. يوضح الشيف كاريلو أن «هذه هي التجربة التي يريد أن يقدمها في (لا كونديسا)، تجربة أشبه برحلة، والخيط هنا هو ذلك الانسجام والتباين اللذان أسعى إلى خلقهما، ويرجع الفضل في ذلك إلى هذه المعرفة التي أتوق إلى مواصلة تعميقها».
يضم مطعم «لا كونديسا» قوائم محددة حيث يقدم ما بين أربعة إلى ستة أطباق رئيسية فترة الغذاء والعشاء. ضمن قائمة المجموعة التي تضم ستة أطباق، يجري تقديم طبقين رئيسيين ونوعين من الحلوى فيما يشبه رحلة حول العالم. فالمذاق يتنقل خلال دقائق معدودة ما بين أنواع النكهة القوية الحارة المعتادة في الهند لكنه سرعان ما يعود إلى نضارة ثمار الحمضيات مع لمسة مكسيكية رقيقة.
وبوصفها حلوى مصنوعة من البطاطا الحلوة والماندرين والزعفران، فإن كعكة البطاطا الحلوة تعد أفضل ما يعبر عن الكمال في باقي المعجنات الفرنسية بكل ما بها من إحساس منعش تمنحه ثمار الحمضيات. «ما رأيك في وجبة الأخطبوط مع زيت الأعشاب الخضراء؟» يسأل كاريلو، واصفاً أسلوبه بأنه يهدف إلى خلق البهجة وليس فقط الإشباع.
يوضح كاريلو أن مطعمه لا يتبع المطبخ المكسيكي، وإن كانت سمات النكهات المميزة لبلده موجودة في خواصه وأن هويته مزيج متنوع من الأشياء التي أثراها بعد ذلك بالأسرار التي تعلمها من الخبازين والصيادين ومن خبراء الجيلاتي الإيطاليين وخبراء الشوكولاتة والجزارين وغيرهم.
«المكسيك توجد هنا بطريقة أو بأخرى. فالتأثير واضح، لكن الأمر يعتمد على الطريقة التي قرأت بها الوصفة. أحياناً أعدّ وصفة طهي تعلمتها من جدتي أستخدم فيها مقادير فرنسية وأحياناً أضيف إليها بعض التوابل أو الشوكولاتة أو النكهات لأنني مكسيكي حتى النخاع. لكن قد يوجد متذوق آخر يرى أن مذاق طعامي أفريقي جداً، لذلك أقول إن التفسير يختلف من شخص لآخر».
تختلف القوائم باختلاف الفصول، بل تختلف أحياناً كل يوم. فكل شيء يعتمد على المفاجآت التي يريدها الطاهي. «الجزء غير الملموس هو ما لا يمكن نسيانه في الطبق، فهو الشيء الذي تصنعه بحب واهتمام. كل شيء آخر يمكن استبداله وتغييره حسب الموسم وحسب التفضيل والأفكار والإلهام. في الحقيقة، لم ألحظ اختلافاً بين صنع الحلوى وإعداد الطبق الرئيسي والسمك مثلاً لأن كل منهما يحتاج إلى نفس الجهد والتفكير».
يشير اسم مطعم «لا كونديسا» إلى حي عتيق وأنيق في مكسيكو سيتي، وهي السمات ذاتها التي يتمتع بها «لا كونديسا» في قلب باريس. فالمكان جميل وديكوره رائع وبسيط وفي نفس الوقت أسهم في إنجاحه 24 شخصاً. وختم كاريلو بالقول: «إن هذا المطعم تكريم لي ولأمي ولجدتي ولأصولي».
وفي حديثه عن التصنيف المتميز الذي حصل عليه المطعم وفق نظام «ميشلان» للمطاعم العالمية عام 2019، تحدث كاريلو بشغف عن تجربته مع «لا كونديسا» وأسلوبه في مواصلة التعلم، والتي وصفها بـ«التجربة الأكثر إثارة. هي الحلم والتحدي الذي أصبح حقيقة».
لقد اختار نكهة أطباق المطعم وابتكاراته وتقنياته لتكون من بين الأروع في العالم، وتوّج عمله الدؤوب وعبقرية اختياره للمكونات إضافة إلى إلهامه باختياره ضمن أفضل طهاة العالم الحاصلين على نجوم ميشلان.
إذا سألت كاريلو عن الحلوى الفرنسية المفضلة لديه فلن تجد لديه إجابة. بالتأكيد من المستحيل الحصول على إجابة عن سؤال كهذا من خبير حقيقي.



الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».