اعترافات أرملة بابلو إسكوبار

قالت إنها انجذبت بـ {براءته} قبل أن تعرف حقيقة {الشيطان الآثم}

فيكتوريا يوجينا هيناو مع بابلو إسكوبار
فيكتوريا يوجينا هيناو مع بابلو إسكوبار
TT

اعترافات أرملة بابلو إسكوبار

فيكتوريا يوجينا هيناو مع بابلو إسكوبار
فيكتوريا يوجينا هيناو مع بابلو إسكوبار

بدأت فكتوريا يوجينيا هيناو، المعروفة حالياً باسم «ماريا إيزابيل سانتوس كاباليرو»، الاعتراف في مذكراتها بالآلام التي عانى منها آلاف ضحايا جرائم القتل، والخطف، والسيارات المفخخة التي تسبب فيها زوجها الراحل بابلو إسكوبار غافيريا. وكان الرجل يعتبر أثرى أثرياء تجارة المخدرات وأخطر مجرم عرفه العالم، وذلك بفضل إمبراطورية تجارة المخدرات التي أنشأها في كولومبيا في الفترة بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. وخلفت أعمال العنف التي عاصرت تلك الفترة ما لا يقل عن 15 ألف قتيل، بما في ذلك 111 مسافراً من ركاب الطائرة المدنية التي دمرت في الجو عام 1989 على أيدي عصابة «ميديلين كارتل» التي كان يتزعمها بابلو إسكوبار بنفسه.
لم يكن من السهل محو عتو وقسوة إسكوبار من الذاكرة بسهولة، وربما لن يتسنى لأحد نسيانها قط. فلا يزال الملايين من الضحايا على قيد الحياة، ذلك لأن كل شرائح الشعب الكولومبي عانوا بصورة أو بأخرى جراء الحرب الشعواء التي شنها تجار ومهربو المخدرات ضد البلاد، ولا يزال الضحايا يجترون ذكريات تلك المآسي وعواقب أعمال العنف المجنونة بمزيد من الدموع والآلام.
وكما تقول أرملة بابلو إسكوبار، في كتابها المعنون: «حياتي وسجني مع بابلو إسكوبار»، أنها بدأت في تلمس أوصال الشيطان الآثم الذي كانت تعيش رفقته لحظة ما شرعت في تحقيقات ما قبل تأليف مذكراتها تلك. وتوضح السيدة فيكتوريا أنها جذبتها براءة أيام الشباب عن رؤية الواقع المرير. تقول: «كنت أشعر بارتياح لحياتي معه في غير مناسبة، وكان ذلك منشأه حالة الجهل الشديدة التي كنت أعيشها ضمن أولئك الذين ليس لهم أدنى حق في النظر أو التفكير أو اتخاذ القرار، أو حتى مجرد طرح الأسئلة».
بطبيعة الحال، تعرضت السيدة فيكتوريا لنيران الانتقادات اللاذعة، إثر سذاجتها المفرطة، وعدم طرحها التساؤلات عن مصادر ثروات زوجها الهائلة. ويُعتقد أن أرباح إسكوبار اليومية كانت تُقدر بملايين الدولارات. ومن الواضح أنها لم تملك القدرة على مواجهته عندما اعتبر مسؤولاً عن هجمات السيارات المفخخة، أو عن موجة أعمال العنف المريعة التي لم تتمكن من الفرار منها هي أو نجلاها خوان بابلو ومانويلا كذلك.
ونجد في مذكراتها أكثر من عنصر مثير للاهتمام، نظراً لأنها تبسط القول بتفاصيل وثيقة الصلة بشخصية زعيم الجريمة التي لا يعرفها أحد. فتحدثت عن شخصيته الاندفاعية، والمتهورة، والعنيفة، وعن علاقاته المستترة مع مئات النساء، وعن حديقة الحيوانات الخاصة المجلوبة برمتها من أفريقيا، والموجودة في وسط الإقليم الاستوائي الكولومبي. وعن بابلو إسكوبار الوالد والزوج، تذكر أنهما عاشا سوياً لعدد قليل من السنين، وذلك لأن إسكوبار أمضى جُل حياته الزوجية معها مختبئاً أثناء سعي السلطات الكولومبية الحثيث، بمعاونة نظيرتها الأميركية، إلى القبض عليه.
وهي تصف نفسها بأنها من عشاق جمع العاديات والقطع الأثرية، كما تصف كنوزها الفنية، ومن بينها لوحة «الرقص» لسلفادور دالي، بأنها جوهرة من جواهر الفنون، والتي هي قيد العرض الآن في متحف باليابان.
كما تسرد في مذكراتها كيف كانت حياتها في أعقاب وفاة بابلو إسكوبار في ديسمبر (كانون الأول) من عام 1993، عندما أطلقت الشرطة النار عليه من سطح منزل في ميديلين بكولومبيا، وتصف أيضاً الفترة التي قضتها في السجن بموطنها بالأرجنتين، حيث تعيش الآن، وقصة تغيير الهوية.
وتعد السيدة فيكتوريا يوجينيا هيناو، بطلة التاريخ المأساوي الذي ودت كولومبيا بأسرها لو طوته ذاكرة النسيان إلى الأبد. ومن شأن كتابها هذا أن يثير حفيظة، وربما آلام، الكثير من القراء، إثر لامبالاتها الواضحة في التعاطي مع المعاناة الشديدة التي تسبب فيها زوجها الراحل للكثير من الناس. وهي تشير إلى أنه أثناء قيام زوجها باغتيال الكثير من المواطنين الأبرياء في حربه الشعواء داخل شوارع كولومبيا، كانت تختبئ في إحدى العيادات السويسرية الراقية تتلقى العلاج الطبي للتخلص من الإرهاق والإجهاد النفسي الذي لازمها جراء تلك السنوات مع زوجها.
حتى وإن كان الأمر كذلك، لا تزال روايتها للأحداث تحتل مساحة معتبرة من الأهمية والضرورة، لأنها تقدم الأدلة التي تفكك تعقيد ذلك الفصل الخفي من التاريخ الكولومبي المعاصر، والذي يتعلق بالرجل الذي كانت حياته موضوع الكثير من أفلام السينما في «هوليوود» والمسلسلات التلفزيونية التي تصور جرائمه من مختلف الزوايا والرؤى، بيد أنها فشلت تماماً في لمس واقع الألم الرهيب الذي لازم ضحايا موجات العنف التي لا يزال تأثيرها مشهوداً في أرجاء البلاد حتى يومنا هذا.


مقالات ذات صلة

كتب شركة ناشئة تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي (أرشيفية)

وسط اعتراض كتّاب ودور نشر… شركة ناشئة تسعى لإنتاج 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي

ينتقد كتّاب وناشرون إحدى الشركات الأميركية الناشئة التي تخطط لنشر ما يصل إلى 8 آلاف كتاب العام المقبل باستخدام الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
TT

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب
بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة بأنّك حصلت لتوّك على سِفر ثمين من الحكمة السياسيّة وخبرة الإدارة في المنصب التنفيذي الأهم في إحدى دول العالم العظمى، لا سيما أن الرجل جاء إلى فضاء السلطة من الصحافة كاتباً ورئيس تحرير لمجلّة سبيكتاتور الأسبوعيّة العريقة، ومؤرخاً نشر عدّة كتب مهمة - بما فيها سيرة لملهمه وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية - قبل أن يُنتخب عمدة للعاصمة لندن ثم رئيساً للوزراء وزعيماً لحزب المحافظين. ولعل مما يرفع وتيرة التوقعات أيضاً أنّه كان في موقع التأثير واتخاذ القرار في مراحل مفصليّة في تاريخ بلاده المعاصر، سواء الأشهر الأخيرة من عصر الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، أو خروج المملكة المتحدة من عضويّة الاتحاد الأوروبي، أو وباء «كوفيد 19». أو الحرب في أوكرانيا، ناهيك عن شهرته عبر العالم كنسخة من دونالد ترمب على الجهة الأخرى من المحيط الأطلسي، حتى أنّه ربما يكون السياسي البريطاني الوحيد الذي يعرفه سكان هذا العالم باسمه الأول (بوريس). لكن الحقيقة أن المذكرات ورغم تضمنها مقاطع مهمة هنا وهناك ولحظات صاعقة من الصراحة، فإنها في المحصلة أقرب إلى موجة جارفة من التبرير المقعّر، والإعجاب النرجسي بالذات، وتصفية الحسابات السياسيّة ولوم للجميع لأنهم أضاعوه، ويا ويلهم أي فتى أضاعوا؟

ومع ذلك، فإن «مطلق العنان» قراءة سهلة، يتم سردها بلغة قريبة من لغة الحوار اليومي أكثر منها لغة متعجرفة كما يتوقع من خريجي المدرسة النخبوية في إيتون وجامعة أكسفورد، مع كثير من علامات التعجب، والأصوات الشارعيّة المكتوبة بحروف كبيرة، والصفات المرصوفة كجمل طويلة، والإهانات الشخصيّة لمنافسيه، والأسئلة البلاغيّة عديمة الفائدة، فيما غلب عليها مزاج من السخريّة والهزل حتى في التعاطي مع القضايا التي يفترض أنّه جاد بشأنها.

هذا النّفس الذي اختاره جونسون لسرد مذكراته (والتي قد تدر عليه دخلاً سيتجاوز الثلاثة ملايين جنيه إسترليني وفق تقديرات صناعة النشر) أفقد الكتاب كثيراً من قيمته المتوقعة كوثيقة تاريخيّة، وبدت أجزاء كبيرة منه روايات ربما يتمنى كاتبها لو كانت الحقيقة، أو ربما أعتقد بالفعل أنها كانت الحقيقة كجزء مما يسميه جونسون نفسه التنافر المعرفي الذي يصيب الساسة المغمسين في وظيفتهم القياديّة لدرجة أنهم يصابون بالعمى عن المشاكل السياسية الهائلة التي تتراكم خارج مكاتبهم. هذا سوى بعض الأخطاء التفصيليّة في تسجيل الأحداث أيضاً والتي لا يفترض أن تمرّ على مؤرخ معتّق أو على ناشره المرموق (يقول مثلاً إن حكومة حزب العمال في أسكوتلندا أطلقت سراح الليبي المتهم بتفجيرات لوكربي، فيما الواقع أنها كانت حكومة الحزب القومي الأسكوتلندي).

من الناحية الإيجابيّة فإن جونسون يضمِّن كتابه تعليقات ذكيّة حول مسائل استراتيجيّة تبدو في ميزان اليوم أفضل من أدائه الفعلي رئيساً للوزراء كما مثلاً في رؤيته لأسباب اللامساواة الاقتصاديّة بين الأجيال، وتفسيره للانقسام الاقتصادي العميق بين العاصمة لندن الكبرى وبقيّة المملكة المتحدة، وتصوّراته حول رفع سويّة الأجزاء الأقل حظاً منها من خلال برامج تحديث البنية التحتية وتكنولوجيا الاتصال والاستفادة من أموال الخزينة العامّة لجذب استثمارات القطاع الخاص، وكذلك تحوّله من منكر لتحولات المناخ إلى منذر من مخاطرها ومفسّر للحجج الأخلاقيّة والاقتصاديّة الدّاعية إلى التصدي لجذورها من أجل مصلحة الأجيال المقبلة.

أثناء زيارة لمكتبه في عام 2017 طلب منه نتنياهو استخدام المرحاض بعد ذلك، وجدت أجهزة الأمن جهاز تنصت تم زرعه هناك

يفشل بوريس في تقديم مرافعة كانت متوقعة منه بشأن دوره فيما يعرف بـ«بريكست»، أو القرار بتخلي بريطانيا عن عضوية الاتحاد الأوروبيّ. وهو يعترف بأنّه كان مشتتاً وقتها بين اعتقاده بضرورة أن تتخلص بلاده من سلطة بروكسل عليها (مقر الاتحاد الأوروبي) من ناحية، وتفهمه لمشاعر كثيرين من عائلته وأصدقائه الذين أرادوا منه دعم حملة البقاء في النادي الأوروبيّ، ويقرّ بأنه في المساء الذي أعلن فيه قراره بدعم التوجه إلى الخروج من الاتحاد، كتب نسختين من المقال نفسه، واحدة (مع) وواحدة (ضد) كي يمكنه اختبار حنكة حججه، ليجد في النهاية أن حملة تأييد البقاء افتقدت إلى الحماس، ولم تمتلك أي رسالة إيجابيّة واضحة لتقولها. في المقابل، فإن جونسون يبدو في هذه المذكرات ليس مفتقراً فحسب لأي شعور بالمسؤولية عن الفوضى التي أعقبت التصويت على المغادرة، والإدارة السيئة للمفاوضات التي قادتها حكومات المحافظين وهو فيها مع الاتحاد الأوروبي، بل يبدو غاضباً حتى على مجرد اقتراح مساءلته من حيث المبدأ متسائلاً: «وماذا بحق الجحيم كان من المفترض علينا أن نفعل؟»، بينما يقفز للعب دور البطولة منفرداً فيما يتعلق برد حكومة المملكة المتحدة على حالات التسمم النووي التي نسبت لروسيا في سالزبوري عام 2018. في وقت صار فيه من المعلوم أن تيريزا ماي، رئيسة الوزراء حينها، هي من كانت وراء ذلك الموقف الحازم. ويخلص جونسون للقول إن حزب المحافظين كان سيفوز في انتخابات هذا العام لو بقي على رأس السلطة ولم يتعرّض للخيانة من رفاقه، وهي مسألة يكاد معظم المراقبين يتفقون على استحالتها بالنظر إلى تراكم سلسلة الفضائح وسوء الإدارة وهزالة الطرح الآيديولوجي لحكومات حزب المحافظين خلال الخمسة عشر عاماً الماضية على نحو تسبب للحزب النخبوي بأقسى هزيمة له في مجمل تاريخه العريق. في المذكرات يكتب جونسون عن زيارة قام بها بنيامين نتنياهو إلى مكتبه في عام 2017، طلب خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي استخدام المرحاض. بعد ذلك، وجدت أجهزة الأمن جهاز تنصت قد تم زرعه هناك. وقال جونسون إنه على وفاق مع نتنياهو وإن القراء يجب ألا يستخلصوا استنتاجات أوسع حول الزعيم الإسرائيلي من تلك الحكاية!